جاء في “المركزية”:
ما إن انتهت زيارة الرئيس الاميركي جو بايدن الى المنطقة حتى انهالت التحليلات والقراءات في نتائجها وابعادها. ثمة من اعتبرها فولكلورية لا تقدّم ولا تؤخر، وآخرون تحدثوا عن حلحلة على كافة الجبهات خاصة لجهة المواقف التي صدرت سواء في اسرائيل او في قمة الرياض التاريخية أو “قمة الملك” كما سمّاها البعض، فهل المنطقة على أبواب تسوية كبرى ام ان مفاعيل الزيارة انتهت مع مغادرة بايدن؟
السياسي الدكتور توفيق هندي يؤكد لـ”المركزية”: “لا يمكن قراءة زيارة بايدن الى المنطقة من دون الأخذ في الاعتبار أمرَين أساسيين، الاول ما يحدث في اوروبا لا سيما معركة اوكرانيا – روسيا والثاني اجتماع الناتو في 25 و26 حزيران الماضي وإصدار الاستراتيجية الجديدة للحلف، وتحديد أولوياته من خلال اعتبار روسيا عدوا رئيسيا ومباشرا، والصين عامل تحدٍ له. وخلال زيارته الى المنطقة عرّج بايدن اولا على اسرائيل وابرم الاتفاق المعهود ولم يتضمن أي جديد، حيث تتعهد فيه الولايات المتحدة بأنها لن تتخلى عن اسرائيل وستدعمها اكثر واكثر من خلال تواجدها في المنطقة، وبأنها لن تسمح لايران بأن تصبح دولة نووية، خاصة وان تل أبيب تعتبر ان مجرد وصول طهران الى حافة النووي يشكل خطرا على أمنها. ومن ثمّ توجّه الى الضفة الغربية والتقى رئيس السلطة الفلسطينية محمود عبّاس واعتبر بأن حل الدولتين يشكل المدخل لانهاء الأزمة الفلسطينية –الاسرائيلية، إنما دون التشديد على المسألة بعدها انتقل الى السعودية وهنا بيت القصيد”.
ويضيف: “دخل بايدن في تناقض مع توجهاته الاساسية السابقة قبل الانتخابات حين اعتبر ان السعودية دولة “منبوذة بسبب حقوق الانسان” ولاسيما مسألة مقتل الصحافي جمال الخاشقجي، واضطر إلى ترطيب الأجواء، لأن الضرورة جعلته يزور السعودية بهدف حث الدول الخليجية على زيادة انتاج النفط، إلا ان الاطراف المجتمعة لم تجاره، بما أن بايدن عندما انسحب من المنطقة، وقبل دخوله في معركة اوكرانيا، اعتبر ان الصين هي أولويته وليس الشرق الاوسط. كما ان الدول الخليجية على علاقة مع روسيا خاصة من خلال تواجدها في منظمة “اوبك بلاس” التي تحدد مستوى الضخ من النفط والغاز. لذلك لم يحصل بايدن على جواب واضح بالنسبة لهذه المسألة، خاصة وان المنظمة تعتبر أنها تضخ بالحد الاقصى الانتاج وليس باستطاعتها ضخ المزيد. في حين ان بايدن يأمل ان يصار الى ضخ المزيد من النفط والغاز من اجل تخفيض الأسعار وتخفيف الازمة الاقتصادية على اوروبا بشكل خاص والعالم بشكل عام من جهة والضغط على روسيا من جهة أخرى. والأهم ان التضخم وزيادة الاسعار في الولايات المتحدة بدأت تلعب ضد بايدن، خاصة انه اصبح على مسافة اشهر من الانتخابات النصفية وكل المؤشرات تدل على خسارة الديمقراطيين للاغلبية البرلمانية”.
ويتابع هندي: “الحقيقة بأن ما صدر في البيان الاميركي -السعودي اولا ومن ثم بيان قمة جدة دلّ على موقف دفاعي اكثر مما هو هجومي تجاه ايران، بمعنى ان الولايات المتحدة اعترفت بأنها اخطأت في مكان ما بانسحابها من المنطقة الامر الذي قوّى الصين وروسيا وايران، ووعدت حلفاءها، غير “المحتلّين” من ايران، بالعودة وبمزيد الدعم لقدراتهم العسكرية لحماية أنفسهم”.
في ما يخص لبنان، يقول هندي: “البند الخاص بلبنان اكان في البيان الاميركي -السعودي ام قمة جدة، جاء ثانويا، بمعنى انه أتى في المرتبة 14 في بيان قمة جدة، وتلاه في المرتبة الاخيرة البند 15 المتعلق بليبيا، من هنا نفهم ان الوضع اللبناني لم يشكل اولوية، كما انه نص على امور كلاسيكية تناولت موضوع الاصلاحات والانتخابات الرئاسية وتطبيق اتفاق الطائف والقرارات الدولية وحصر السلطة بيد الدولة، وهذا كلام عام. والسؤال المطروح، كيف يمكن للبنان تنفيذ اتفاق الطائف؟ نذكر ان بعد الطائف تشكلت لجنة مؤلفة من السعودية والمغرب والجزائر، مهمتها متابعة التنفيذ لكنها لم تجتمع مرة واحدة. اما من ناحية القرارات الدولية، فمن سيطبقها، الدولة الواقعة تحت الاحتلال الايراني؟ هل يريدون للاحتلال الايراني ان ينفذ قرارات دولية ضده؟ هذا كلام ليس له اي ترجمة عملية او اي مسار تنفيذي عملي”.
ويضيف: “في لبنان، دخل حزب الله على خط المفاوضات الاسرائيلية –اللبنانية في ملف ترسيم الحدود البحرية وبعث رسائل بالمسيّرات ومن بعدها ألقى امين عام حزب الله السيد حسن نصرالله خطاباً أعلن فيه ان اميركا مترهلة واوروبا بحاجة للغاز والنفط الاسرائيلي ونحن بحاجة الى ان يفكوا عنا ويسمحوا للشركات بالتنقيب في كل البلوكات اللبنانية وتستخرج النفط. ووضع نصرالله موعدا اقصاه نهاية آب حيث أكد ان الاسرائيليين والاميركيين يكسبون الوقت من اجل انتاج النفط في حقل كاريش وهدد بشن حرب عليها في حال لم تسمح للبنان باستخراج نفطه. السؤال هنا، ما الذي سيفعله الاميركيون والاوروبيون والاسرائيليون في هذه الحالة، هل سيقبلون بالسماح لحزب الله بأن يصبح بطلا باستخراج والتنقيب عن النفط وحل القضية الاقتصادية، ام سيذهبون الى حرب؟ بالطبع بعد تجربة الحرب الاوكرانية لن يدخلوا في حرب مع لبنان. ما اخشاه بأنهم سيخضعون لتهديد حزب الله، وعندها ستبدأ “توتال” والشركات النفطية بالتنقيب بأمان وبغطاء دولي، إلا ان حزب الله من الممكن وقبل استخراج هذا الغاز ان يبيعه بأسعار منخفضة وبالتالي يصبح لديه مردود بالمليارات، وسيكون هو المنقذ وبيده الحل للقضية الاقتصادية وسيبرهن عن قدراته وسيكمل وضع اليد على لبنان”. وهنا يستطرد قائلاً: “الملفت للنظر ان نصرالله اختار تاريخ نهاية آب والذي يُصادف بداية استخراج النفط من حقل كاريش وبداية مرحلة انتخاب رئيس الجمهورية”.
ويرى هندي ان “حزب الله لا يمزح بتهديده بالحرب حتى لو ادت الى خراب لبنان، لأنه يعتقد ان خراب اسرائيل عندها سيكون اكبر. ولا اعرف الى اي درجة ستكون اسرائيل في جو المواجهة. وأخشى، في ظل هذه الاوضاع كلها، أن يخضع الجميع لحزب الله ويسمح له بهذا الربح الفظيع بأنه هو من حل القضية الاقتصادية والاجتماعية والانسانية في لبنان. وفي نهاية آب تبدأ الانتخابات الرئاسية وهنا اتصور ان “حزب الله” لن يختار شخصا من جهته فقط إنما سيختار رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل، عكس ما يعتقد معظم اللبنانيين، واعتقد انه المرشح الفعلي لحزب الله والذي لم يعلن عنه نصرالله حتى الساعة. نصرالله لا يريد رئيسا توافقيا، بل يريد باسيل، وهذا يدخل لبنان في التوجه نحو الشرق”. ويختم هندي بالقول: “ان ناقل الكفر ليس بكافر”.