الهجرة غير الشرعية تتكثّف..
كتبت بولا أسطيح في “الشرق الأوسط”:
تتواصل رحلات مراكب الهجرة غير الشرعية من شواطئ الشمال باتجاه دول أوروبا بوتيرة، يؤكد أبناء المنطقة والمتابعون عن كثب للملف أنها مرتفعة. ولم تشكل حادثة غرق المركب قرب شواطئ مدينة طرابلس في 23 نيسان الماضي والتي قضى خلالها نحو 40 شخصاً، رادعاً للمئات الذين يستمرون بالمغامرة بأرواحهم وأرواح أولادهم.
وأُفيد أمس عن دخول قوة من الجيش مرفأ العبدة – عكار بمؤازرة القوات البحرية حيث احتجزت مركب صيد يُشتبه بأنه كان يتحضر لنقل ركاب بصورة غير شرعية عبر البحر.
كما أعلنت قيادة الجيش قبل يومين أن قوة منها أوقفت في محلة سقي البداوي أحد المواطنين خلال إعداده للقيام بعملية تهريب غير شرعية عبر البحر، متحدثةً عن ضبط سلاح حربي من نوع كلاشنكوف، و4000 لتر من المازوت، و100 سترة نجاة، و16 دولاب فلّين، و46 دولاباً هوائياً، ومنفاخين كهربائيين، وهي أغراض كانت بحوزته وآخرين.
ويقول الناشط والإعلامي في شمال لبنان عمر إبراهيم، إن غرق المركب في أبريل الماضي لم يوقف الهجرة غير الشرعية التي لا تزال مستمرة بشكل كبير، لافتاً إلى أن «أحد أبناء عكار وضع على صخرة مؤخراً لافتة كتب عليها (العبدة – رحلات إلى اليونان – إيطاليا – قبرص – إسبانيا)، فهو وإن قام بذلك من باب التهكم إلا أنه دليل أن الهجرة مستمرة وبوتيرة مرتفعة». ويشير إبراهيم في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أنه «خلال اليومين الماضيين تم إفشال محاولتين للتهريب؛ الأولى في سقي البداوي والأخرى في عكار، إضافةً لتسجيل خروج قاربين من مرفأ العبدة»، مضيفاً: «لم نعد نعرف بالرحلات إلا بعد وصول قوارب اللبنانيين إلى وجهتها في أوروبا، أما فيما يتعلق بالسوريين فلا أحد يعرف أعدادهم ولا عدد القوارب التي تقلّهم من شمال لبنان، وهي لا شك بأعداد كبيرة. كما أنه منذ أسبوع تقريباً سُجل خروج مركب من مخيم البداوي على متنه 50 فلسطينياً نشروا صورهم بعدما وصلوا إلى شواطئ إيطاليا». ويرى إبراهيم أنه «إما أن هناك صعوبة في ضبط حركة الهجرة غير الشرعية من الأجهزة الأمنية المعنية وإما أنه لا نية لذلك، وقد يكون لبنان يعتمد أسلوب تركيا لابتزاز الأوروبيين للضغط لتأمين الأموال للنازحين والتخفيف من الضغوط التي تتعرض لها الدولة اللبنانية».
أما السياسي الطرابلسي الدكتور خلدون الشريف، فيرى أن «الوضع الاقتصادي والمالي الضاغط هو الذي يدفع الناس لعبور البحر للخروج من لبنان الذي يعيش أسوأ أزمة اقتصادية قد يكون شهدها العالم منذ الحرب العالمية الثانية»، لافتاً إلى أن «نسبة البطالة تتجاوز الـ50 في المائة وتعاطي المخدرات يتجاوز الـ13 في المائة، أضف أنه وحسب آخر التقارير فإن الناس الأكثر غضباً في العالم هم في لبنان، ما يؤدي بالناس إلى اليأس، فيما المسؤولون السياسيون يكملون مناكفاتهم كأن شيئاً لم يتغير». ويستبعد الشريف في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن تكون الدولة اللبنانية تلعب ورقة تشريع حدودها البحرية أمام الراغبين بالهجرة غير الشرعية، موضحاً أنها تضغط حالياً عبر «ورقة النازحين السوريين الذين يشكّلون بدورهم ضغطاً هائلاً على الاقتصاد والبنى التحتية في لبنان».
ولا يستغرب عميد دندشي، الوالد الذي خسر أولاده الـ3 في حادثة غرق المركب قبل شهرين، استمرار رحلات الهجرة عبر البحر رغم النكبة التي شهدتها مدينة طرابلس قبل وقت قصير، معتبراً أن «ما نعيشه في مناطقنا من طرابلس إلى عكار من جوع وتفقير بعدما باتت كل المواد والخدمات بالدولار فيما الرواتب بالليرة اللبنانية، ولا طبابة ولا استشفاء، يدفع الناس قسراً إلى البحر». ويضيف دندشي لـ«الشرق الأوسط»: «الحركة ستبقى تصاعدية ما دامت الدولة غائبة كلياً عن منطقتنا. حدودنا مع سوريا وإسرائيل، والأولى منكوبة أكثر منّا والثانية عدو، وبالتالي ليس أمام المواطن الفقير إلا البحر ليغامر بتأمين حياة كريمة لأولاده».