غَضَبٌ بغَضَبٍ… ولكن
كتبت مريم حرب في موقع mtv:
غَضِب اللبنانيون على 6 دولارات. لم تَسَعهُم الساحات والشوارع. أحرقوا الإطارات، أغلقوا الطرقات، تفنّنوا بالشعارات. المطلوب واحد: إسقاط السلطة الفاسدة، وإعادة لبنان على الخارطة العالميّة.
بعد سنتين على الأزمة، والانهيار المتسارع، غَضَب النهار يُنسيه كأس الليل.
غَضِب اللبنانيون، إلّا أنّهم تعايشوا مع النكبات والأزمات. ابتدعوا الحلول والمبادرات علّ عجلة البلد تسير إلى الأمام وتُعيد إلى الشعب بعضاً من البحبوحة والرفاهية.
غَضِبوا من ارتفاع سعر الصرف في السوق السوداء لكنّ بعضهم لعب بالعملة الخضراء وحقق أرباحاً.
غَضِبوا من مصرف لبنان وتعاميمه ومن المصارف واستنسابيتها، فدخلوا بالسلاح والبهورة للحصول على حقّهم. ومن لم يفعل امتثل للتعاميم وشتمها في كلّ مرة.
غَضِبوا من تراجع قيمة رواتبهم مقابل ارتفاع قيمة السلّة الغذائية، فعوّلوا على قريب مغترب يُرسل إليهم 100 دولار في الشهر.
غَضِبوا من وزراء الطاقة وخطط الكهرباء واستبداد أصحاب المولّدات وانهيار شبكة كهرباء لبنان، فوجدوا بالطاقة البديلة سبيلاً للخلاص. فلم يبقَ لبنانيّ إلّا ويفهم بالطاقة الشمسيّة وكيفية شرائها وتركيبها، هذا إذا لم يعتبرها مصدر رزق مع الهجمة الكبيرة عليها.
غَضِبوا على أصحاب محطات المحروقات، وافترشوا في طوابير، فإذ ببعضهم يخزّن كميات والبعض الآخر يبيعها في السوق السوداء.
غَضِبوا من تسوّلهم ربطة خبز في حين أنّ الطحين يُهرّب.
غَضِبوا، فالدواء اختفى عن رفوف الصيدليات وإذا توفّر لن تتوفّر الأموال لشرائه.
غَضِبوا، فمن أين يأتون بالفريش لدفع تكاليف المستشفيات، وأقساط المدارس والجامعات؟
غَضِبوا، لهجرة أولادهم. وغَضِب الشباب والشابات والأطباء والصحافيون والمهندسون والمحامون… لعدم تمكّنهم من الاستحصال على “باسبور” هروبهم من جهنّم. حتّى بقولهم “يلي مش عاجبوا يهاجر” لم يَصدِقوا.
الطغمة الحاكمة التي تحتجز الشعب رهينة لتُقارع عليها، غاضبة أيضاً. ولكن، شتان ما بين غضب الشعب وغضب السلطة.
وبين كلّ هذا الغضب المستمرّ مع توالي الأزمات، غَضَب لا يُقاس بأي غَضَب، تَوَلّد مع انفجار 4 آب.
غَضَب عمال القطاع الخاص لكّن إضرابهم لم يتجاوز الساعات على عكس العاملين في القطاع العام، المضربون إلى أجل غير مسمّى بكل ما يترتّب عليه من خسائر وتوقّف معاملات اللبنانيين. وهؤلاء مرة جديدة يراكمون غضبهم.
الحقّ، أنّ غَضَب اللبنانيين محق، حتى أنّهم صُنّفوا الأوائل في قائمة أكثر الشعوب غضباً من بين مئة دولة في التقرير الذي نشرته “ستاتيستا” عن العواطف العالميّة لعام 2021 المختص بقياس المشاعر، بما في ذلك مستويات الغضب.
ولكن، يُخطئ من يعتقد أنّ غضب اللبنانيين هذا غيّر شيئاً في المعادلة. فهو لم يُترجم تغييراً حقيقيّاً في صندوق الاقتراع. ودين على كل من يعوّل على المعارضة المشرذمة والمضعضة أن يَغضَب علّها تصحى من زواريب النكايات وتصفية الحسابات وتحسم أمرها وأمر البلاد.
اغضبوا أيّها اللبنانيون، لعّل هذا الغضب يُبقي فيكم نبض الحياة وتشهدون أنّهم قتلوكم ولم تموتوا… وتكتبون فصلاً جديداً.