كتب رامي الرّيس في “نداء الوطن”:
إنه عام إعادة تكوين السلطة بامتياز. بعد إنجاز الانتخابات النيابيّة، تتوالى الاستحقاقات الدستوريّة: إنتخاب رئيس مجلس النواب ونائبه وهيئة مكتبه، تكليف رئيس جديد للحكومة، تشكيل الحكومة، ومن ثم تتوّج بالاستحقاق الأهم المتمثل في انتخاب رئيس جديد للجمهوريّة، قبل انتهاء ولاية الرئيس الحالي في 31 تشرين الأول المقبل.
هذه خارطة الطريق الطبيعيّة في بلد يُفترض أنه ديمقراطي، وليست مماثلة لخارطة الطريق التي تحدّث عنها رئيس الجمهوريّة الذي كان من مسؤوليته إنقاذ البلاد وليس إغراقها في الأزمات الإقتصاديّة والإجتماعيّة والمعيشيّة. كان حريّاً بالرئيس ألا يهدر ست سنوات من أعمار اللبنانيين لينهي عهده بوضع خارطة طريق!
ولكن لم يكن مرور الاستحقاقات الدستوريّة في لبنان مسألة سهلة في يومٍ من الأيّام، بل كانت مهمة شاقة على مختلف المستويات، لا سيّما بعدما كرّس محور الممانعة بمختلف ألوانه وأحزابه وتياراته أعرافاً جديدة تمثلت بشل المؤسسات وتعطيلها وتأخير تأليف الحكومات (أو تأليفها قبل تكليف رئيسها)!
اليوم، الأمور مرشحة لسيناريوات سياسيّة مماثلة ومن غير المستبعد ألا تبقى محصورة في الإطار السياسي وتتعداها لما هو أبعد من ذلك وأكثر خطورة. لن يكون من السهل على محور الممانعة أن يستوعب ببساطة الخسائر الفادحة التي مُني بها في الدوائر الإنتخابيّة المختلفة والسقوط المدوي لحلفائه وأبواقه صغاراً أم كباراً. لن يكون سهلاً على المحور أن يسمح بانزلاق القرار السياسي من بين يديه بعد سنوات من العمل الحثيث في اتجاه القبض على هذا القرار.
كلام رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب القديم- الجديد محمد رعد يعكس القليل من الامتعاض الكثير. لم يعد ثمّة مجالات للمهادنة أو المسايرة. النجاح الباهر للقوى السياديّة المتمثلة بشكل أساسي بالحزب التقدمي الاشتراكي والقوات اللبنانيّة وحزب الوطنيين الأحرار بالاضافة إلى آخرين يبعث رسالة واضحة: لا لابتلاع البلد من قبل محور الممانعة.
إذا كانت خارطة المجلس النيابي الجديد قد تشكلّت وفق نتائج الانتخابات التي حملت مفاجآت سياسيّة بعضها لم يكن منتظراً في عددٍ من الدوائر؛ إلا أن ثمّة حاجة لقراءة متأنية لتوزّع مراكز القوى فيها والمسارات المستقبليّة التي سوف تسلكها في ما يتعلق بالتعاون بين الكتل القديمة وتلك التي سوف تتشكل مستقبلاً.
إذا كانت القوى التغييريّة تريد فعلاً أن تقدّم حلولاً عمليّة للمشاكل المتراكمة فعليها بالدرجة الأولى الخروج من معزوفة «كلن يعني كلن» التي كانت تصلح للتظاهرات الشعبيّة والاستهلاك الإعلامي، وأن تتجه لتحدد بالضبط أسس التعاون مع كتل برلمانيّة وازنة تتقاطع معها في الخطاب السيادي والوطني والاستقلالي.
أما إذا كانت تلك القوى ترفض الإقرار بأن هناك مجموعة من الأحزاب السياسيّة التي تحمل العنوان السيادي وبرهنت إمتداداتها الشعبيّة وتجذرها في مواقعها ولا تسعى للتعاون معها، فإن العمل البرلماني سيكون مبعثراً وغير منتج بسبب موازين القوى الجديدة فيه. باستطاعة تلك القوى مواصلة الخطاب الاتهامي عبر وضع الكتل التقليديّة كلها في سلة واحدة وتالياً تعطيل العمل النيابي (وهذا يخدم محور الممانعة في مكان ما)، وباستطاعتها أيضاً ممارسة التواضع في بداية مسيرتها السياسيّة والتفريق بين الأطراف التي تناهض مشروع الممانعة وتلك المنضوية تحته.
إذا كان محور الممانعة قد تعرّض لصفعة سياسيّة، سلميّاً وديمقراطيّاً، من خلال الانتخابات النيابيّة، فإن هذا المسار يفترض أن ينسحب على الرئاسة الأولى التي دمّرت الجمهوريّة عبر مقولة «الرئيس القوي» بينما مطلوب الذهاب لانتخاب الرئيس المعتدل القادر على أن يكون على مسافة واحدة من جميع اللبنانيين.
لبنان على أعتاب حقبة سياسيّة جديدة. إحذروا أفخاخ محور الممانعة وتياراتهم الملحقة!