كتبت غادة حلاوي في “نداء الوطن”:
في زاوية أمام أحد مراكز الاقتراع في الطريق الجديدة، تمسك فتاة اثيوبية بيد سيدة مسنّة وتحدّق في المارّة وتبتسم. زحمة «بنات وصبايا يرتدين زياً موحداً «تيشرت أصفر اللون يدلّ إلى انتمائهنّ السياسي، على مقربة منهن مكتب انتخابي لمرشح آخر، يأخذ أفراده قسطاً من الراحة في منتصف النهار لتناول وجبة طعام جاهزة «سندويشات على الماشي». وعلى مقربة منهم وقف الشاب يشرح على لائحة انتخابية بحوزته لسيدة متقدمة في العمر أين يجب أن تضع العلامتين الأولى والثانية. الدليل هنا هو الأرقام. «راس اللايحة حطي علامة صح وعدي واحد اثنين ثلاثة وحطي علامة ثانية».
في الطريق الجديدة عرين السنة في بيروت الثانية لم يلتزم تجارها بإقفال محالهم لا سيما المطاعم. كانت فرصتهم للاسترزاق في زمن الشح الاقتصادي. هنا تقاس الانتخابات كما في غالبية المناطق ليس بهوية المرشح وبرنامجه بقدر ما يتصل الأمر بما يقدمه للناخب. هنا انتخبت فاتورة الموتور، وقسط المدرسة، وكوبون المواد الغذائية. اليوم الانتخابي الطويل كان باباً للرزق لكثيرين أكثر مما كان المهم التعبير عن شوارع ارتفعت في فضائها صور عملاقة لرئيس تيار المستقبل سعد الحريري مذيّلة بعبارة المقاطعة.
وصلت نسبة الاقتراع داخل بعض من أقلام الاقتراع الخاصة للطائفة السنية في دائرة بيروت الثانية لا سيما في ميناء الحصن وراس بيروت حتى 11 قبل الظهر إلى نحو 11 بالمئة وفق رؤساء الأقلام، وأقل من 8 بالمئة في بقية الأقلام.
تفاوتت الزحمة بين منطقة وأخرى في بيروت الثانية فغاب المشهد الانتخابي عن بعضها وحضر في أخرى حيث الحضور الكثيف للمشاريع والجماعة الإسلامية و»حزب الله» وفؤاد مخزومي ثم حضور الناشطين للائحة نبيل بدر الذي غلب حضوره الرياضي على السياسي في الانتخابات فتقدمت رايات فريق الأنصار على ما عداها ونشط بعض الجمعيات البيروتية يعمل للائحة كما علم أن بعض كوادر المستقبل صوّت للائحة بدر ووزّعت الأصوات التفضيلية بينه وبين المرشح محمود الجمل وهو ما اعتبر أنه ردّ على اللائحة المدعومة من الرئيس فؤاد السنيورة والتي لم تسجل ماكينتها الانتخابية حضوراً مشابهاً لماكينات لوائح الثنائي الشيعي والمشاريع والجماعة الإسلامية.
لم تشكل بيروت الثانية استثناءً من حيث دفع الأموال للناخبين وتغطية نفقاتهم من نقل وبنزين وصولاً إلى السندويشات.
85 مرشحاً توزعوا على تسع لوائح انتخابية تنافسوا على 11 مقعداً توزعت بين 2 شيعة و6 سنة ومقعد درزي ومقعد أرثوذكس وآخر إنجيلي. مضى النهار بشكل طبيعي من دون إشكالات تذكر في المناطق لتتخطى نسبة الاقتراع غير الرسمية في بيروت الثانية 31 بالمئة وهي نسب تحتاج إلى قراءة تفصيلية لمعرفة توزع أصوات الناخبين بين الطوائف والوقوف على حقيقة المشاركة لا سيما في ظل عدم معرفة توزع نسب الاقتراع على اللوائح.
حفلت هذه الدائرة بمنافسة بين اللوائح التسع ونشطت الماكينات الانتخابية في إصدار نتائج متناقضة في ما بينها بفوارق كبيرة لا تشي بالنتيجة النهائية التي من المقرر أن تصدر في غضون اليومين المقبلين.
أما القراءة السياسية فقد أثبتت أن بيروت لم تخرج عن وفائها بما أبقى المرشحين في حالة من القلق على امتداد اليوم الانتخابي بانتظار زيادة الإقبال.
اليوم الانتخابي الطويل في بيروت الثانية لم يخرج بحدث استثنائي سوى تسجيل غياب تيار المستقبل وزعيمه ولو حضر بقوة الصور والشعارات في المناطق حيث الثقل السني. لبيروت الثانية حكاية في صندوق الاقتراع قد لا تتوضح معالمها بين ليلة وضحاها. غداً سيحتفل الكثيرون بنتائج بيروت الثانية لمجرّد مقارنتها مع نتائج الدورة الماضية والقول إنها زادت عمّا كانت عليه في زمن الحريري بينما ستبقى الحقيقة في صندوق الاقتراع والتي ستتكشف في الآتي من الأيام.