كتبت غادة حلاوي في “نداء الوطن”:
بعد الإضراب التحذيري الذي نفذه الجهاز الدبلوماسي في وزارة الخارجية في لبنان احتجاجاً على تأخر إقرار التشكيلات الدبلوماسية، يستعد الدبلوماسيون المعتمدون في الخارج إلى التوقف عن العمل احتجاجاً على تأخر مصرف لبنان في تحويل رواتبهم للشهر الثالث على التوالي. ما يهدّد عمل السفارات وتوجيه ضربة قاسية ستؤثر حكماً على تمثيل لبنان في الخارج وإظهاره بمظهر العاجز عن سداد المستحقات المالية للدول التي يتمثل فيها.
منذ تشرين الثاني والأزمة لم تجد طريقها إلى الحل. تأخير صرف رواتب السفراء والبعثات الدبلوماسية في الخارج وتخلف الدولة اللبنانية عن دفع بدلات الإيجار لمباني السفارات المستأجرة ومنازل الدبلوماسيين وغيرها من نفقات متوجبة. وفي كل مرة يراجع وزير الخارجية عبد الله بو حبيب وزير المالية ليجد حلاً بالاتفاق مع حاكم مصرف لبنان، يعِده وزير المالية خيراً لكن الخير يتأخر قدومه على يده كالمعتاد. منذ ثلاثة أشهر والسفراء والبعثات الدبلوماسية في الخارج لم تتقاضَ مستحقاتها لتخلّف مصرف لبنان عن تحويل رواتب الدبلوماسيين العاملين في الخارج.
واستغرب مصدر دبلوماسي التأخير الذي درج عليه مصرف لبنان في تعاطيه مع البعثات الدبلوماسية العاملة في الخارج، وقال في اتصال مع نداء الوطن «بعد أن كانت الرواتب تحول شهرياً مع بعض التأخير، لم يتقاضَ الدبلوماسيون في الخارج رواتبهم للشهر الثالث على التوالي، ما يضعهم في موقف حرج لناحية عدم قدرتهم على تأمين ظروف إقامتهم وعائلاتهم في الخارج. والدبلوماسي من الفئتين الثالثة والثانية يتحمل بشكل كامل تكاليف سكنه وسيارته وتأمينه الصحي وتعليم أولاده، وهي تكاليف باهظة تستنزف نسبة كبيرة من راتبه».
ويتساءل المصدر «هل المقصود دفع الدبلوماسيين إلى موقف سلبي وتعطيل دور السفارات في هذه المرحلة تحقيقاً لغايات لا علاقة للسلك بها؟ بالرغم من ذلك، يؤكد المصدر «أن قرار موظفي السلك الخارجي من سفراء وقناصل وملحقين اقتصاديين هو عدم الانجرار وراء السلبية لا سيما في ما يتصل بالاستحقاق الانتخابي الذي هو واجب وطني لا يجوز أن يكون وسيلة ابتزاز. أما ما بعد الانتخابات فهو يوم آخر»، من دون أن يستبعد «أن يعلن الدبلوماسيون الشروع بالاضراب فور إتمام العملية الانتخابية في الخارج، على أن يكون متدرجاً ويصل إلى الإقفال التام للسفارات والقنصليات اللبنانية أمام المراجعين».
ويأمل المصدر «أن تكون الفترة الفاصلة عن إتمام العملية الانتخابية ودخول الحكومة في مرحلة تصريف الأعمال كافية لايجاد الحلول لتحويل كافة المستحقات وانتظام تسديد الرواتب لموظفي السلك الخارجي» محذراً من أن الاستمرار في «سياسة اللامبالاة يضعنا أمام أزمة لها تداعيات كبيرة على الانتشار اللبناني مع توقف البعثات عن تقديم خدماتها لتكون شاهداً جديداً على تحول لبنان إلى دولة فاشلة».
مصادر الخارجية قالت إن المشكلة الأساسية في مصرف لبنان الذي يصدر أوامر التحويل للدبلوماسيين مفصلة أن الأزمة لا تقتصر على تأخير دفع رواتب الدبلوماسيين بل مجمل مصاريف رواتب الموظفين وبدل الايجارات والتأمين والنفقات التشغيلية للبعثة ولوازم القرطاسية كلها. منذ تشرين الثاني يعد وزير المالية بايجاد حل لصرف المستحقات بشكل شهري من دون تعقيدات، وكانت تصرف الرواتب شهرياً مع تأخير لبضعة أيام قبل أن يتوقف الدفع نهائياً قبل ثلاثة أشهر وتجرى اتصالات مع وزير المالية بوصفه صلة الوصل مع الحاكم لايجاد حل لكن المشكلة الأصعب تكمن في عدم ايجاد دولارات في مصرف لبنان ليحول ما مجموعه تقريبا 7 ملايين دولار شهرياً بدل رواتب سفراء وبعثات بالإضافة إلى الايجارات وغيرها من المصاريف المعتادة.
المشكلة أبعد من صرف رواتب وتصل إلى تخلف لبنان عن تسديد المتوجب عليه تجاه الدول المضيفة لسفاراته في الخارج وتجاه عقود الصيانة التي يجب أن تخضع لها السفارات التي هي ملك الدولة ناهيك عن بوالص التأمين وغيرها. التخلف عن الدفع سيضع تمثيل لبنان في الخارج على المحك، وسيجعل عمل السفارات في الخارج مهدداً وهي التي تعاني تأخير إقرار التشكيلات الدبلوماسية التي صارت في خبر كان بسبب كيديات سياسية وتصفية حسابات على أبواب الاستحقاقات الانتخابية النيابية والرئاسية.
بعدما بات بحكم المؤكد ترحيل الحكومة للتشكيلات الدبلوماسية إلى ما بعد الانتخابات النيابية وربما الرئاسية، فإن أزمة دبلوماسية تطرق باب الحكومة ليكون تمثيل لبنان مشرعاً على المجهول ولتكتمل بذلك سلسلة انهياراته وتبلغ مداها.