كتبت جنى الدهيبي في “المدن”:
عند بوابة مرفأ طرابلس، تقف 3 شقيقات وسط جموع غاضبة، وتنتظرن مصير شقيقهن محمد وليد الحموي (36 عامًا) مع أولاده الستة، وكانوا على متن القارب الذي غرق قبالة شاطئ الميناء في طرابلس ليل السبت 23 نيسان الجاري، وعلى متنه فادين أو هاربين من البلاد المنكوبة.
تقول إحدهن لـ”المدن”: “فجأة، علمنا بخبر غرق الزورق، طلبنا شقيقي وعائلته فلم يجب هاتفه. وعرفنا أنه من بين الهاربين. لم يخبرنا أنه ينوي الهرب. وهو عامل تنضيفات”.
وحول أطراف المدخل الرئيسي للمرفأ، ضربت عناصر الجيش طوقًا أمنيًا محكمًا، ومنعت الجميع من دخول حرمه، باستثناء سيارات الإسعاف وفرق الانقاذ التي انكبت على عمليات البحث عن غرقى وناجين، فيما المئات من أهالي طرابلس توافدوا تعبيرًا عن سخطهم من الحادث الذي بات متكررًا في طرابلس.
قصة القارب
قرابة العاشرة مساء السبت، توالت الأخبار في طرابلس عن غرق زورق قرب جزيرة الأرانب. في البدء، تضاربت الروايات حول وجهته، ثم سرعان ما تبين أنه كان ينقل رحلة هروب غير نظامية، وعلى متنه 60 شخصًا، بينهم نساء وأطفال.
ويفيد مصدر رسمي من داخل المرفأ أنه حتى ما بعد منتصف الليل، تم إجلاء 45 ناجيًا بمساعدة الجيش وفرق الانقاذ. وعثر على جثة طفلة متوفية لا تتجاوز السنتين، فيما تستمر عمليات البحث عن 14 آخرين، وما زال مصيرهم مجهولًا.
وقد جرى نقل الناجين إلى مستشفيات طرابلس، ومعظمهم من اللبنانيين. وفي هذا الوقت تصاعد الغضب أمام المرفأ، بين ذوي الناجين والمفقودين الذين عبروا عن سخطٍ كبير لمصير أبنائهم، الذين باعوا كل ما يملكونه من أجل الهرب كلاجئين، ولو كان الموت ثمن ذلك.
وتضاف هذه الحادثة المأسوية إلى فصولٍ طويلة من عمليات الهروب غير النظامية عبر البحر، والتي استشرت على نطاق واسع شمالي لبنان، نتيجة التفلت الأمني ونشاط شبكات التهريب والمهربين. وهذه الحادثة، هي أيضًا واحدة من عمليات الإتجار بالبشر. وتفيد المعطيات أنها حصلت تحت إشراف مهربين ناشطين شمالًا بهذا المجال، ويتقاضون ألوف الدولارات عن كل “رأس”، ويخدعون الناس بتوفير شروط أمان الرحلة، إلى أن يكتشفوا أنهم على متن قارب موت بعرض البحر.
موسم الهجرة المميتة
تأتي الحادثة بعد أسبوع واحد من إعلان الجيش توقيف زورق في المياه الإقليمية اللبنانية عند نقطة العريضة، وعلى متنه 20 شخصًا من الجنسية السورية بينهم أطفال ونساء خلال مغادرتهم غير النظامية الشاطىء اللبناني.
ومع اقتراب فصل الصيف، تنشط الهجرة غير النظامية عبر البحر، وتحديدًا من الشمال، عند شواطئ طرابلس والمنية والعريضة في عكار.
ومنذ اشتداد الأزمة اللبنانية منذ خريف 2019، تفاقمت ظاهرة الهروب غير النظامي على متن “قوارب الموت”، ووقعت مأساة كبيرة أودت بحياة عشرات في العام 2020 بعد غرق قارب انطلق من الميناء قرب طرابلس. ومع ذلك ما زالت عشرات الأسر تجد في هذه التجربة الخطيرة خيارًا ممكنًا للهرب من بؤس لبنان.
وسبق أن أفادت مديرية أمن الشواطئ “المدن”، أن الجيش تمكن في 2021 من إلقاء القبض على 21 قارب، كان على متها 707 أشخاص حاولوا الهرب. وهذه نسبة مرتفعة مقارنة بالعام 2020، حين ألقى الجيش القبض على 4 قوارب، مجموع الهاربين فيها 126 فرد، حسب المديرية.
مواقف رسمية
وتابع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي موضوع غرق القارب، واطلع من قيادة الجيش على الملابسات، طالبًا استنفار الأجهزة المتخصّصة لإنقاذ الركاب.
بدوره، تواصل وزير الأشغال العامة والنقل علي حمية مع قائد الجيش وطلب من رئيس مرفأ طرابلس وضع الإمكانيات كافة بتصرّف الجيش لإنقاذ ما أمكن من الغرقى.
إذًا، يستعيد موسم الهجرة غير النظامية نشاطه شمالًا، تزامنًا مع موسم انتخابي أقل ما يقال عنه، وفق كثيرين، أنه يحل كحدثٍ غير مفصولٍ عن مأساة الأسر التي لا يتردد بعضها برمي نفسه بالبحر كخلاصٍ من حالة الفقر والإذلال. لذا، بدا المشهد نافرًا حين توافد إلى المرفأ بعض المرشحين للانتخابات البرلمانية في دائرة الشمال الثانية، لاعلان حزمة جديدة من المواقف والتصريحات.