جاء في “الراي” الكويتية:
بين «شبح» الانهيار المميت الذي لم ينفكّ يحوم «فوق رأس» لبنان، و«الرسم التشبيهي» لمرحلة الإنقاذ التي عبّر عنها رفْع منسوب الاهتمام الخارجي المتعدّد الاتجاه بالواقع في «بلاد الأرز»، بدت بيروت على مشارف «فترة اختباريةٍ» قاسيةٍ لمدى قدرتها ورغبتها في الاضطلاع بمسؤولياتها في توفير الأرضية التقنية – السياسية لعملية نهوضٍ ارتسمت «جاهزية» المجتمع الدولي وبلدان الخليج العربي لتشكيل رافعةٍ لها فور إنجاز دفتر الشروط… المتلازِم.
وإذا كان «الاتفاق بالأحرف الأولى» بين لبنان وصندوق النقد الدولي على برنامجٍ تمويلي على 4 سنوات بنحو 3 مليارات دولار، والزيارة المرتقبة في 12 و13 يونيو للبابا فرنسيس لبيروت شكلا عنصريْن بارزين في تظهير عودة «بلاد الأرز» إلى دائرة «العناية المركّزة» الخارجية، فإن حجر الزاوية الأساسي في ما بدا «مساراً تكاملياً» يرمي لتجنيب لبنان «الدمار الشامل» الماليّ تمثّل في عودة السفراء الخليجيين، بدءاً من سفيريْ الكويت عبدالعال القناعي والمملكة العربية السعودية وليد بخاري (والسفير اليمني)، على متن المبادرة الكويتية التي صاغت إطارَ حلٍّ يقوم على إجراءات محدَّدة لـ «بناء الثقة» بين الوطن الصغير والخليج بما يُنْهي أزمةً ارتكز «مسرحها السياسي» على انخراط «حزب الله» في ساحات المنطقة وتهديده أمن دول في مجلس التعاون عبر دعمه الحوثيين.
وفي حين ستشكّل زيارة البابا ما يشبه «إعلان رجاء» وأمل بأنه «بعد هذا الليل الطويل الذي يعيشه اللبنانيون سيكون هناك فجر» وفق ما قال البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي، فإن «العودة الديبلوماسية» الخليجية والاتفاق الإطار مع صندوق النقد جاءا أقرب إلى «إعلان نياتٍ» بأن الحاضنة الدولية – الخليجية لـ «بلاد الأرز» متحفّزة لمدّها بما يلزم من «إكسير نجاةٍ» من سياساتٍ «زحل» معها لبنان عن تموْضعاتٍ لطالما أبقتْ فوقه «خيمة الأمان» الخارجية والخليجية خصوصاً، ولكن بعد أن تقوم بيروت «بما عليها» وفق مندرجات المبادرة الكويتية.
ورغم محاولة بعض الدوائر ربْط توقيت عودة العلاقة بين لبنان ودول الخليج لِما كانت عليه قبل انفجار الأزمة أواخر أكتوبر الماضي بعد تصريحات وزير الإعلام (السابق) جورج قرداحي العدائية للسعودية والإمارات، بما يشهده الاقليم من محاولاتٍ لـ «ترسيم» مواقع النفوذ في الساحات و«تنظيم الصفوف» السياسية داخلها في ملاقاة التحولات التي تطل برأسها من ملفاتٍ ما فوق استراتيجية، فإن أوساطاً مطلعة تعتبر أن الخطوة الخليجية باتجاه بيروت والتي جاءت نتاج حِراك ومساعٍ و«حياكة» كويتية – سعودية واكبتْها باريس عن كثب، تشكّل امتداداً في جوهرها لاقتناعٍ بأن لبنان يجب ألا يُترك في مهبّ «رياح الانهيار» العاتية التي حصّن حلفاء طهران أنفسهم حيالها وباتوا قادرين حتى على «إدارة عصْفها»، وبأن المطلوب «منْحه فرصة» أخيرة – جديدة، توفّر الانتخابات النيابية المقبلة في 15 أيار منصّتها الرئيسية، لتصحيح المسار الذي اقتاده إلى فوهة صراعات المنطقة وحوّله… «لاعباً بنارها».
ولم يكن عابراً وفق هذه الأوساط تَبَلْوُر نقاط تقاطُع، وإن غير مباشرة، بين الاتفاق المبدئي مع صندوق النقد وبين عودة السفراء الخليجيين، وهو ما لاحَ من تشديد الصندوق على أن دعم الدول المانحة ملحٌّ لضمان نجاح البرنامج التمويلي الذي على لبنان الوفاء بالتزاماتٍ شاقة ومسبقة قبل حصوله على الموافقة النهائية التي سيخضع المسار الذي يوصل إليها لـ «رقابة لصيقة» إجراءً إجراءً.
وإذا كان الإصلاح التقني يبقى المعيار الذي يقيس معه صندوق النقد مدى التزام لبنان بتعهداته و«أهليته» للحصول على نحو 3 مليارات دولار على 4 سنوات، فإن العارفين يدركون أن هذا المبلغ ليس كفيلاً بانتشال لبنان من الحفرة السحيقة التي تعبّر عنها الفجوة المالية الهائلة، بل ان إبرام الاتفاق مع الـ IMF سيكون بمثابة «التأشيرة» للحصول على دعم الدول المانحة ومؤسسات دولية أخرى.
وإذ عبّرت الأجواء الواردة من فرنسا بعد توقيع الاتفاق المبدئي لجهة أن الموافقة النهائية سيعقبها الإفراج عن أموال مؤتمر سيدر عن أن الشق التقني من الإصلاحات سيكون كافياً لفرنسا للدفع نحو تسييل هذه الأموال المخصصة لمشاريع محددة، فإن الأكيد أن دولَ الخليج التي تشكل القاطرة الرئيسية لأي دعم تحت مظلة الدول المانحة ما زال دون «عودتها السياسية» إلى لبنان مطالب يتعيّن على أي سلطة في بيروت، سواء الحالية أو التي تنبثق عنها الانتخابات النيابية ثم الرئاسية، القيام بها، وإن كانت نتائج استحقاق 15 مايو ستعطي مؤشراً لإمكان استعادة الواقع اللبناني توازنه السياسي عبر بدء وقف تمكين نفوذ «حزب الله» بمختلف مفاصل القرار والسلطة.
ولاحظت الأوساط عيْنها أن «بيان العودة» الديبلوماسية الذي أصدرته الخارجية السعودية أتى واضحاً في تذكيره بأن إعادة السفير بخاري جاءت «استجابةً لنداءات ومناشدات القوى السياسية الوطنية المعتدلة في لبنان، وتأكيداً لما ذكره رئيس الوزراء نجيب ميقاتي من التزام الحكومة اللبنانية اتخاذ الإجراءات اللازمة والمطلوبة لتعزيز التعاون مع المملكة ودول مجلس التعاون الخليجي ووقف كلّ الأنشطة السياسية والعسكرية والأمنية التي تمسّ المملكة ودول مجلس التعاون»، مؤكدة «أهمية عودة جمهورية لبنان إلى عمقها العربي متمثلةً بمؤسساتها وأجهزتها الوطنية، وأن يعمّ لبنان الأمن والسلام، وأن يحظى شعبها بالاستقرار والأمان في وطنه».
وفيما نشر بخاري في اول تعليق بعد عودته صورة تجمع علمَي لبنان والسعودية، في موازاة ترحيب رسمي من الخارجية اللبنانية بإبلاغها رسمياً بعودة السفير الكويتي مقدّرة «عالياً الجهود التي بذلتها الديبلوماسية الكويتية لمد جسور الحوار والتواصل مع الأشقاء في دول الخليج»، لم يقلّ دلالة ترحيب مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان بعودة السفيرين السعودي والكويتي مشدداً على ان «قرار العودة الخليجية العربية يؤسس لمرحلة جديدة من الأمل والثقة بمستقبل لبنان العربيّ الهوية والانتماء والمتعاون مع دول مجلس التعاون الخليجي وبقية الدول العربية الشقيقة، والتزامه تحقيق الإجراءات المطلوبة استجابة وتجاوباً مع المبادرة الكويتية الخليجية».
وإذ تَرافق كل هذا الحِراك مع الإعلان عن حصول اتصال بين نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف والرئيس ميقاتي تخلله بحث «مجموعة مواضيع ملحة بروحية علاقات الصداقة التقليدية الروسية اللبنانية، بما فيها دعم الحوار السياسي المتواصل في القضايا الدولية والشرق أوسطية المهمة للطرفين»، لم يكن ممكناً مقاربة لقاء «كسْر القطيعة» بين رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل (صهر الرئيس ميشال عون) وزعيم «تيار المردة» سليمان فرنجية الذي رعاه الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله على إفطارٍ يوم الجمعة إلا على أنه في سياق ملاقاة الطابع الاستثنائي الذي يعطيه الحزب لانتخابات 15 أيار والاستشعار بأهمية إجراء عملية «إعادة انتشار» للقوى الحليفة خلف «خطوط حمر» مرسّمة بوضوح وتمنع تقديم«هدايا مجانية» للخصوم في الداخل والخارج.
وفي حين بدا لافتاً إعلان العلاقات الاعلامية في حزب الله في بيان ان نصرالله استقبل على مائدة الإفطار فرنجية وباسيل «بحضور عدد من القيادات المعنية وكان اللقاء فرصة مناسبة للتداول في العلاقات الثنائية والأوضاع السياسية في لبنان والمنطقة»، فإن أوساطاً سياسية اعتبرت أن اللقاء اكتسب أهمية في توقيته، على وهج استعادة الإحاطة الخليجية بالواقع اللبناني ووضع البلاد على سكة اتفاقٍ لم يكتمل بعد مع صندوق النقد.
واعتبرت أن حرص الأمين العام لـ «حزب الله» على أن يكون عرّاب جمْع الخصمين اللدودين (فرنجية وباسيل) عَكَسَ محاولة لضبط علاقتهما تحت سقف «الخصوم الإخوة» ووضْع حدودٍ لما كان يشي بأن يكون «تقاتُلاً» انتخابياً (في ضوء افتراقهما في التحالفات) بحيث يعود إلى مستوى «التنافس بينهما» ولكن في مواجهة طرف ثالث هو خصمهما المشترك وتحديداً «القوات اللبنانية».
وفي رأي هذه الأوساط، أن «حزب الله» الذي يقارب نتائج انتخابات 15 أيار بتأثيراتها على مجمل التوازنات السياسية التي يتحكّم بها، بما لها من امتدادات اقليمية عبّر عنها بوضوح في مواقف لقادته، وأيضاً بأبعادها التي تطلّ على الانتخابات الرئاسية، بدا في جمْع فرنجية وباسيل، وكلاهما مرشحان رئيسيان لرئاسية 2022، وكأنه يكرّس الخط الأحمر أمام توجيه أي ضربة «كاسرة» لرئيس «التيار الوطني» في الشمال وتحديداً البترون أو إدارة المعركة بما يسحب من زعيم «المردة» نقاط قوّته، وذلك بما يُبقي الاثنين «حصانيْن» متقدّمين في السباق الرئاسي «يفاضِل بينهما في التوقيت المُناسب» ومع أولويةِ أن يبقى التيار الحر ورغم تراجُعه الحتمي في الانتخابات متقدّماً على «القوات اللبنانية» في حجم كتلته.
وكان لافتاً أن باسيل، وفي أول إطلالة له غداة لقاء وُصف بأنه أقل من مصالحة وأكثر من مجاملة، أعلن في كلمة له خلال إطلاق لوائح «التيار» في «الفورم دو بيروت» ان «هذه معركة وجود للبنان وللتيار في وجه كل من يحاول إلغاءه» و «معركتنا مع حاملي كذبة الاحتلال الإيراني للبنان».