تدخّل روسي في الترسيم مع سوريا وقبرص وإسرائيل
كتب منير الرّبيع في “المدن”:
عندما أعلن الرئيس نبيه بري موافقة لبنان على مفاوضات ترسيم الحدود، حاول الثنائي الشيعي الإيحاء بأن المسؤولية عن هذه الموافقة تعود إلى الرئيس فؤاد السنيورة. وكأنما الثنائي يشعر بالخجل من موافقته على هذه المفاوضات، فأراد تحميل المسؤولية للآخرين. وهذا دأبه في الشؤون والمسائل كلها، السياسية والمالية في لبنان.
لذا أراد الثنائي الإيحاء بأن الاتفاق الذي عملت حكومة السنيورة على عقده مع قبرص في العام 2007، هو الذي فرض على لبنان الدخول في مفاوضات مع إسرائيل! لكن هذا الادعاء مثبت سقوطه بالوقائع والشواهد، في دوائر كل من الدولة اللبنانية والأمم المتحدة. فالمسائل التي جرى الانطلاق منها للتفاوض الحالي، هي التي ثبتتها حكومة السنيورة في مواجهة أي تفاوض قبرصي – إسرائيلي على حساب لبنان.
بين لبنان وقبرص وإسرائيل
كان لبنان قد استبق عمليات الترسيم القبرصية – الإسرائيلية، وأبرم اتفاقاً مع قبرص في العام 2006، أيام حكومة الرئيس فؤاد السنيورة، ووقعت الاتفاقية في العام 2007. وحينذاك ألزم لبنان قبرص بعدم إقدامها على أي ترسيم للحدود البحرية والاقتصادية، مع إسرائيل، من دون موافقة مع لبنان.
وتنص المادة الثالثة من تلك الاتفاقية على التالي: “إذا دخل أي من الطرفين في مفاوضات، تهدف إلى تحديد المنطقة الاقتصادية الخالصة مع دولة أخرى، يتعين على هذا الطرف إبلاغ الآخر والتشاور معه، قبل التوصل إلى اتفاق نهائي مع الدولة الأخرى، إذا ما تعلق التحديد بإحداثيات النقطتين 1 أو 6”.
كان لبنان آنذاك يعيش انقساماً سياسياً. وكان المطروح هو مبدأ ترسيم أو تحديد الحدود بين لبنان وإسرائيل وبين لبنان وسوريا. ورفض فريق 8 آذار ذلك الترسيم. فاضطر لبنان إلى ترسيم الحدود البحرية مع قبرص فقط. وبعد ذلك الاتفاق، دخلت قبرص في مفاوضات الترسيم مع الإسرائيليين. واستمرّت المفاوضات بينهما طوال عامي 2010 و2011، في حقبة حكومة الرئيس نجيب ميقاتي.
وحسب المعلومات، حاولت الجهات القبرصية المعنية التواصل مع الخارجية اللبنانية آنذاك، لكنها لم تلق أي استجابة. فذهبت إلى الترسيم من خارج نص المادة الثالثة في الاتفاقية المعقودة أيام السنيورة. وهذا أدى إلى ثغرة أساسية، استطاع الإسرائيليون التسلل منها لقضم حقوق لبنان وحدوده. عندما وُقِّعت الاتفاقية بين إسرائيل وقبرص، تقدم لبنان أيام حكومة السنيورة بشكوى إلى الأمم المتحدة، لأن منطلق التفاوض القبرصي – الاسرائيلي يتنافى كلياً مع ما اتُفق عليه بين قبرص ولبنان، لا سيما بين النقطة b1 والنقطة 23.
التقاعس اللبناني
وفي اتفاقية الترسيم مع قبرص، لجأ لبنان إلى نقاط موقتة جرى الترسيم فيها. ومعنى النقاط المؤقتة هنا، أن لبنان أراد تجنّب الذهاب إلى أقصى الحدود البحرية الجنوبية أو الشمالية، وبقي بعيداً عن مناطق التماس مع المناطق المحتلة جنوباً أو غير المرسّمة شمالاً مع سوريا.
واعتبر لبنان أنه لا يمكن الترسيم في تلك المناطق المحاذية قبل إيجاد رعاية أممية لعملية الترسيم هذه. وبما أن الحكومة لم تستجب للمطالب القبرصية في العام 2011، بعد ذهاب قبرص إلى الترسيم مع الإسرائيليين، اعتبرت إسرائيل أن النقاط التي لم يقرب لبنان من ترسيمها هي نقاط إسرائيلية، وجرى الترسيم على هذا الواقع، الذي يمنح إسرائيل حصة في البلوك رقم 9 مثلاً، وفي أماكن أخرى.
وعلى هذا الأساس ولد خطّ هوف الذي يقسّم المخزون النفطي 60 في المئة لصالح لبنان و40 لصالح إسرائيل. لكن لبنان يومها تقدّم بشكوى إلى مجلس الأمن، حول هذا الاعتداء الإسرائيلي.
الدور الروسي والدولي
المفاوضات بين لبنان وإسرائيل تعيد اليوم إحياء التفاوض اللبناني – القبرصي، وبمشاركة اليونان. لأن أساس ما يجري في هذه المرحلة، هو ترتيب الاتفاقات على خطوط النفط ما بين هذه الدول. ولا بد للبنان من ترسيم الحدود، لضمان أمن عمليات التنقيب. وتأتي اللقاءات بعد إقرار لبنان دورة التراخيص الثانية، للتنقيب عن النفط في البلوكات 1، 2، 5، 8 و10. وهذه ستكون مرتبطة بترسيم حدود المنطقة الاقتصادية الخالصة مع قبرص وفي الشمال مع سوريا.
وستكون روسيا صاحبة دور أساسي في مسألة ترسيم الحدود الشمالية. وقد تسّهل هذه العملية سيطرة روسيا على الساحل السوري. وقد يظهر هذا في زيارة وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف.
يعرف اللبنانيون أنه لا يمكن إنجاز ترسيم الحدود البحرية في الجنوب، من دون رعاية دولية، تجد حلّاً للاشتباك مع إسرائيل. لذا يراهن لبنان على دور روسي وآخر أوروبي، ويريد التعاون مع قبرص واليونان في هذا المجال.
وترجح بعض المعطيات الخارجية، أن مسار ترسيم الحدود اللبنانية سيكون جزءاً أساسياً من قضايا المرحلة المقبلة. وخصوصاً بعد القرار الأميركي بشأن الجولان. وسيكون هذا المسار محكوماً بالتنسيق بين روسيا والولايات المتحدة.
MTV