هكذا تُضبط المخدرات في مرفأ بيروت!
كتبت نوال نصر في “نداء الوطن”:
قديماً، كانوا يخيفون الأطفال «بأبو سلة» و»أبو أربع إجرين»، أما اليوم فبات «أبو سلة» يخيف الدولة الكسيحة وباتت المخدرات «تروح وتجيء» مهددة البلاد والعباد. فهل هناك قرار بتدمير ما تبقى من لبنان، وشباب لبنان، من خلال حشيشة الكيف والكبتاغون والهيرويين وما لفّ لفيفها؟ ما دور المؤسسات الأمنية القائمة؟ ما دور شعبة المعلومات؟ ما دور شعبة المخدرات؟ ومن يحمي لبنان واللبنانيين من تجار المخدرات؟
صوت موج البحر، قبالة مرفأ بيروت، شديد. العاصفة تجددت، وشحنات المخدرات تُضبط يومياً وآخرها، ضبط شعبة المخدرات في الجمارك، امس الأول، «حشيشة كيف» تحت شحنة تفاح. المهرّبون يملكون فيضاً من الأفكار المبدعة. هؤلاء يحِكّون أدمغتهم كثيراً بحثاً عن «حيَل» تسمح لهم بإتمام عمليات التهريب بنجاح. لكن، على ما يبدو، ليست في كل مرة تسلم الجرة. المؤسسات الأمنية، من شعبة المخدرات وشعبة المعلومات والجيش، تنجح في ضبط كثير من الحمولات من خلال مجهود شخصي. فالسكانر خارج الخدمة. وهذا ليس سرّاً. مضى على «دولتنا» وهي تتحدث عن السكانر عمرٌ والنتيجة تبقى: لا سكانر. والجهاز الوحيد حالياً في مرفأ بيروت يزيد عمره عن خمسين عاما ولا يُظهِر بوضوح ماذا في المستوعبات. هو شبه معطل. وعناصر شعبة مكافحة المخدرات في المديرية العامة للجمارك لا يزيد عددهم عن 25. فكيف لهؤلاء أن يضبطوا الحدود البحرية في بيروت؟
الأزمات كثيرة لكن، لا يجوز اللعب في ملف المخدرات، لأن من يدفع ثمنه هو أنتم ونحن وجميعنا. كما أن صيت لبنان أصبح على المحك. في كل حال، تمكنت شعبة مكافحة المخدرات في الجمارك في عام واحد تقريباً من ضبط نحو 50 طناً من حشيشة الكيف و100 مليون حبة كبتاغون. يعني، إذا قارنا تلك الكميات مع «الضبطيات» في الأعوام الخمسة الأخيرة لتأكدنا أنها حققت في عام واحد ما لم يتحقق في نصف عقد. فهل السبب هو تعيين رئيس جديد لشعبة مكافحة المخدرات في الجمارك بالإنابة الملازم أول أنطوان قزيلي؟ الثابت لكثير من المعنيين بمكافحة تهريب المخدرات أن لا قرار سياسياً بذلك. وكل «الضبطيات» التي تتم إنما تحصل بمجهود شخصي.
المهربون اذكياء. هناك من حاول تهريب شحنة في جذوع أشجار الزيتون. أتتخيلون؟ ومع غياب السكانر تبقى «الضبطيات» نتيجة تحليل جملة من المعلومات، بينها: من أين تأتي الحمولة؟ الى أين تنتقل؟ من هو مالكها؟ ماذا عن الباخرة التي تقل الحمولة؟ وهنا، عند الشك، يعمل عناصر شعبة المعلومات أو مكافحة المخدرات على إجراء فحص أدق. صحيح أن التهريب على قدم وساق ونحو 80 في المئة من المواد المهربة «تقطع» بحسب المعايير العالمية، لكن هذا لا ينفي أن هناك محاولات لضبطها. في هذا الإطار يعلق أحد المعنيين أنه «إذا كان هناك نهر يعبر تحت جسر فلا يمكن القول: لماذا طرطش رذاذ المياه الجسر؟ لبنان عائم اليوم على كميات هائلة من حشيشة الكيف والكبتاغون. وضبط الشحنات قد لا يكون مئة في المئة في مرفأ بيروت مثله مثل النهر الذي يبلغ رذاذه المحيط. مشكلتنا مع المخدرات في لبنان أن الدولة «مفقودة». فأين هي من المعامل التي تنتج يومياً مليون حبة كبتاغون؟ هل تجرؤ «دولتنا» على إقفال تلك المعامل المعروفة جيدا منها؟ ماذا عن الزراعات الكثيرة لحشيشة الكيف؟ لماذا لا تعمل الدولة على إتلافها؟ كل تلك العوامل من شأنها الحدّ من الكميات المهربة، اللهم أن لا تكون الدولة تريد ذلك بالفعل وتجرؤ عليه أيضا!
منذ مدة، نسمع عن ضبط شحنات بشكل دوري. فكيف يُصار الى ذلك مع غياب السكانر؟ هو سؤالٌ يخطر في بال الكثيرين. هناك، لمن يهمه الأمر، عدد كبير من المخبرين في كل مكان، يساعدون في التبليغ عن الشحنات ما يسمح بضبطها وتوقيفها. هذا اولاً. ثانيا، هناك اجتهاد شخصي وتحليل للمعلومات المتوافرة حول شحنة ليمون ما، فيتم إجراء تقاطع بين كل المعلومات وعند الشك يُصار الى إنزال حمولتها وتفتيشها بدقة بالعين المجردة. في هذا الإطار، يحكى عن مشاكل تواجه من يضبطون الحدود مع الفاكهة المبردة حيث أن فتح الكونتينر، خصوصاً في الحرّ، يؤدي الى تلف البضاعة. وهذا يشكّل أذى. وبالتالي، هناك خطر في تمريرها بلا تفتيش وهناك خطر بإفسادها عند تفتيشها. والحلّ، من جديد، لن يكون إلا من خلال سكانر.
لا عتاد ولا اجهزة لوجستية ولا حتى سلّم لدى المعنيين في مكافحة تهريب المخدرات من أجل الصعود الى الكونتينر على سبيل المثال. هؤلاء يعملون باللحم الحي.
لم نسمع يوماً عن توقيف مخدرات مهربة عبر الحدود البرية. ولم نسمع عن ضبط تهريب على مرفأ صور او طرابلس. فلماذا يصرّ المهربون على العبور من مرفأ بيروت طالما التهاون أكبر في سواه؟ سؤال آخر بحثنا عن جواب له. مرفأ بيروت هو الوحيد الذي يضم بواخر تذهب وتجيء على مدار الساعة، في حين يحتاج المهربون الى وقت طويل لينتقلوا من مرفأ طرابلس مثلا. لهذا يجربون حظهم عبر مرفأ بيروت لأن لا خيارات أخرى ميسرة أمامهم.
نسمع عن ضبط شحنات مخدرات لكن نادراً ما نسمع عن توقيفات. والسبب؟ ان التحقيقات سرية ولا يمكن الإعلان عنها إلا من خلال النيابة العامة. اما من يمثل الشحنة عند توقيفها فيكون عادة «الناقل» وهو إما يكون عارفاً بها ومتواطئا او لا يعرف عنها شيئاً وعادة يتم إيقافه الى حين إثبات براءته. أما البضاعة «المقبوض» عليها بالجرم المشهود فيفترض أخذها الى مخفر حبيش، لكن، بما ان الكميات التي يتم ايقافها على التوالي كبيرة، لا بل ضخمة، ولا مكان يتسع لها في حبيش، لذلك توضع في كونتينر ويقفل عليها ويوضع حرس.
هذا الخبر يجعل المستمع «ينقز». فنيترات الأمونيوم ظنناها في أمان وحصل ما حصل. فماذا يمنع ألّا يتسلل أحدهم ليلاً الى المرفأ ويسرق من المضبوطات؟
هناك من يستخدمون لغة الحسم والجزم وهم يتحدثون عن «أمان» حفظ المخدرات المضبوطة، وهناك منها «قدّ ما بدكم»، في مرفأ بيروت. نحاول أن نصدق. في كل حال، شعبة مكافحة المخدرات في انتظار أن يأتيها امر التلف من القضاء، حيث ستتلف كل بضاعة بطريقة مختلفة. هناك بضائع تحرق وهناك بضائع تخلط مع مواد اخرى من اجل ان تفسد وتفقد قيمتها. في كل حال، تتعاون كل الأجهزة الأمنية في مرفأ بيروت من اجل تحقيق المطلوب وتقليص خطر المخدرات المهربة وتلك التي تنتشر في البلاد مثل الفطر. وتضم شعبة المعلومات، مثلها مثل شعبة مكافحة المخدرات ومخابرات الجيش، عناصر يرفعون الرأس ويفعلون المستحيل من أجل الإحاطة بهذا الملف. نحاول أن نلعب دور «توما» في الموضوع ونسأل: من يضمن عدم تأثر هؤلاء العناصر بالرشاوى، في ظل الأزمات الإقتصادية الشديدة التي نعيشها؟ الموضوع جزائي والتورط يؤدي الى السجن سنوات عديدة. والتورط، لمن يهمه الأمر، سهل الكشف بثوانٍ قليلة في هذا الموضوع. ثمة تأكيد حول ذلك.
ننظر شمالاً ويميناً. وكلما غصنا في الموضوع أكثر أدركنا أكثر دور «المخبرين» فيه. لكن، هل يتقاضون مالاً لقاء كل «خبرية»؟ وهل المال هو السبب الوحيد في ذلك؟ يقال ان أسبابا عدة قد تكون وراء زيادة عدد المخبرين اليوم بينها: إمكانية حصولهم على «كوميسيون» على قيمة كل شحنة يُخبرون عنها. وهناك أشخاص يفعلون ذلك لأنهم يكرهون المخدرات وتجار المخدرات ويرفضون تقاضي قرش لقاء معلوماتهم. وهناك من يفعلون ذلك بدافع الحقد وأحياناً قد تقدم إخباراً بذلك إمرأة على خلاف مع زوجها تاجر الكبتاغون. وهو ما سبق وحصل. الغرور سبب آخر أيضا ورفض احدهم ان يكون آخر أفضل منه فيقدم إخباراً به كاشفاً عن شحنة مخدرات.
البضاعة المضبوطة تبقى قيمتها محدودة هنا. وارتفاع تلك القيمة يكون إذا نجحت بالمغادرة الى نقطة الوصول. فسعر حبة الكبتاغون تباع في دول الخليج مثلا بعشرين دولاراً في حين لا يزيد سعرها هنا عن 5000 ليرة. فهل علينا أن ننتظر إشتداد هذه التجارة على قاعدة «التجارة شطارة؟».