شرعية حكومة الحريري تبدأ بإعمار الأشرفية.. وباسيل يهادن
كتب منير الربيع في “المدن”: يسعى الرئيس سعد الحريري لتشكيل الحكومة قبل موعد الانتخابات الرئاسية الأميركية. لا يريد أي تأخير، لأنه يعلم أن الغرق في تكرار تحديد المواعيد والمشاورات والمناورات والمطبات الاضطرارية، سيؤدي إلى تبديد الزخم الذي سجّله عند تكليفه برئاسة الحكومة.
حكومة التهدئة
يفضل الحريري حكومة مصغّرة من 14 إلى 18 وزيراً. بينما هناك مطالب لدى بعض القوى السياسية بتوسيعها إلى 22 أو 24. قد يكون الحل الوسط بحكومة من 20 وزيراً، تحتاج مساع كثيرة لتذليل أي عقبات من أمام ولادتها، كي لا تتكرر تجربة مصطفى أديب. والأجواء من ناحية المظاهر العلنية واللقاءات تشي بالإيجابية، خصوصاً بينه وبين جبران باسيل، حين لم يبرز بعده أي تشنّج. مع ذلك، هناك تفاصيل كثيرة على الطريق، هي نفسها التي تكون موجودة عند تشكيل أي حكومة في لبنان. العقدة الأساسية تتمثل بموقف باسيل. وقد أبدى الحريري الاستعداد للتعاون والتفاهم وكذلك باسيل.
تبقى الحاجة إلى قراءة أو انتظار المعطيات الإقليمية والدولية. لو لم تعقد مفاوضات ترسيم الحدود، لما استطاع أحد العبور إلى التكليف والبحث في التأليف. ملف الترسيم هو جانب من تهدئة تحاول القوى المتصارعة تكريسها حالياً، والدخول في استراحة محارب، إلى موعد الانتخابات الاميركية. مناخ يأخذ مساره في لبنان، والعراق، وليبيا، وحتى سوريا. هناك رغبة محلية في تمرير التسوية الحكومية بالرهان على هذه التهدئة.
التغيّر الإقليمي والدولي
وتتوقع المعلومات أن يكون تشكيل الحكومة سريعاً، لأن المطلوب تفاوض سريع وجدي مع صندوق النقد الدولي، وإصلاحات سريعة بملف الكهرباء بداية. ومن يهتم حقاً بالمزاج المسيحي، سيكون تركيزه إنجاز هذه الإصلاحات للحصول على مساعدات للبنان ولإعادة بناء منطقة المرفأ والأشرفية. فهذه مسألة مهمة جداً بالنسبة إلى المسيحيين. وهناك من يشير إلى أن الأوراق التي كان يمتلكها عون وباسيل كقدرة على التعطيل لم تعد موجودة. وباسيل خصوصاً، خسر الديبلوماسية الأميركية والأوروبية. وروسيا لم تعد كما كان يراهن عليها باسيل، عندما طرح “التحالف المشرقي”. رهان موسكو على الحريري في لبنان، أساسي واستراتيجي، ويندرج ضمن خانة الرهانات الروسية لترتيب العلاقة مع كل الإسلام المعتدل، لأسبابها الخارجية والداخلية.
حتى إيران، تبحث عن تحسين العلاقة مع الولايات المتحدة الأميركية والدخول في مرحلة جديدة. هذه كلها تسهم في إضعاف التيار العوني، الذي سيستمر في إطار اللعبة السياسية الداخلية من دون ما كان يتمتع به من دعم إقليمي ودولي، وسط إبقاء العلاقة جيدة بين الأميركيين والقوى المسيحية الأخرى، كالكتائب، وتيار المردة والقوات اللبنانية. وهذا كله يفيد أن الدعم الغربي للقوى المسيحية الخارجة عن القوى الحزبية، سيؤسس إلى مرحلة سياسية جديدة في لبنان، بخلاف ما كان يراد تكريسه عبر الثنائية المسيحية، والتي كانت قابلة لأن تشبه تجربة “الخليلين”.. إلا أن باسيل نفسه كان قد ضربها، ولم يعد بإمكانه إعادة إحيائها. وهنا تشير المعلومات إلى أن اتصال وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو برئيس الجمهورية تضمن رسالة مبطنة للتسهيل وليس للعرقلة. وكذلك رسالة السفيرة الأميركية لجبران باسيل في لقائهما، التي كانت تهدف لاستشراف ما يمكن أن يفعله التيار الوطني الحرّ.
هذه الوقائع ستفرض على التيار الوطني الحر تعديل كل مطالبه السياسية ولغته وفقاً للواقع الجديد.
الغياب السوري
هذه الوقائع الجديدة تنسف كل ما كان جبران باسيل يريد المراكمة عليه، وتحديداً قبل أسبوع واحد من ثورة 17 تشرين، عندما قال إنه يتحضر لقلب الطاولة، وزيارة سوريا، وتكريس التحالف، بينما اليوم يغيب النظام السوري كلياً عن لبنان، ولم يعد موجوداً ولا تأثير له في المعادلة اللبنانية، كما يغيب النظام عن لبنان، يغيب لبنان عن سوريا توالياً، من عدم تأثر معظم حلفاء دمشق بمواقفها، إلى الانقسامات التي تعصف بأعضاء المحور، وصولاً إلى الغياب اللبناني عن “تشييع” مفتي دمشق، وهذا حدث على بساطته لا بد من الوقوف باهتمام ملّي عنده.
المصدر: المدن