تواصل غير مباشر بين الاسد والحريري عبر روسيا
انتظر الرئيس سعد الحريري سنة ليقدم نفسه مجددا رئيسا لحكومة الاختصاصيين التي طالب بها المجتمع الدولي بعد أن ترك البلاد تغرق في أزماتها المالية والاقتصادية، فطلق العهد وكل ما يتصل به من تسويات وتعهدات وقرر الوقوف في موقع المتفرج على الانهيارات المتلاحقة في بنية النظام والتي أوصلتنا الى انفجار المرفأ الذي دفع بالبلاد أكثر نحو المجهول.
وجد الحريري في استقالة حسان دياب فرصة للعودة الى الساحة السياسية من بوابة الاختصاص، فلعب دور المدافع الشرس عن مطالب الشارع ومناديا بتطبيق الورقة الفرنسية التي تنادي بالاصلاح وبابعاد الطبقة السياسية الحاكمة عن السلطة “أقله لمدة ستة أشهر” كما قال في مقابلته التلفزيونية الاخيرة.
سعى الحريري بعد 17 تشرين الى توسيع حركته الخارجية، سبق حزب الله شرقا وعاد لينعش حركة اتصالاته مع موسكو التي وجد فيها مفتاح الحل مع ايران ومؤثرة أكثر من الفرنسيين لاسيما في الشق المتعلق بلبنان، وكان سقف تمنياته العودة الى السراي بنهج مختلف هذه المرة أقله في الاجتماعات التي قد يعقدها مع المعاون السياسي للسيد حسن نصرالله الحاج حسين خليل أو مسؤول وحدة الارتباط في الحزب وفيق صفا، وهنا يكمن بيت القصيد.
بادر الجانب الروسي الى تسويق الحريري عبر نشر مضمون المكالمة بين ولي العهد السعودي والرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون حيث تم التوافق على اسم الحريري ليكون رئيس الحكومة المقبلة. وهذا النشر كان سبقه تواصل قادته موسكو شمل العواصم المؤثرة في الملف اللبناني “باريس- الرياض- طهران- دمشق”، اضافة الى اللاعب الاساس الولايات المتحدة الاميركية.
مروحة المشاورات شملت الصفقة الكبيرة التي تشمل الى عودة الحريري على رأس الحكومة، ترسيم الحدود والتواصل مع دمشق في المرحلة المقبلة وتحديد العلاقة مع حزب الله في ظل التطورات الاقليمية التي نشهدها لاسيما التطبيع الاسرائيلي الخليجي. وفق هذه العناوين تحركت المبادرة الفرنسية الروسية التي اكتملت معالمها مع مؤتمر ماكرون الصحافي الذي أعطى مهلة للسياسيين اللبنانيين للتوافق على رئيس للحكومة، وكان في جيب الرئيس الفرنسي اسم الحريري ليكون بديلا عن السفير مصطفى أديب الذي أخفق بالتشكيل بقرار قد يكون مدبرا كمخرج لاعادة الحريري.
قبل ثلاثة أيام التقى مستشار الحريري في روسيا جورج شعبان الممثل الخاص للرئيس الروسي إلى الشرق الأوسط وشمال افريقيا، نائب وزير الخارجية ميخائيل بوغدانوف حيث عرض معه التطورات المتصلة بالساحة الداخلية اللبنانية وكان تشديد من قبل الجانب الروسي على ضرورة الإسراع بتأليف حكومة قادرة بما يشكل المنطلق المهم لحلّ القضايا الماثلة أمام المجتمع اللبناني والضمانة للتطور اللاحق في لبنان وفق ما جاء في البيان، الذي يعكس مضمونه تطلعات الجانب الروسي لحكومة الاستحقاقات الكبيرة والتي مهدت لها موسكو مع شخصيات سياسية وحزبية زارتها في الفترة الاخيرة واستطلعت ما يدور بين العواصم في الشق المتعلق بلبنان.
ووفق المعلومات فان موسكو أبلغت النظام السوري بضرورة الضغط على حلفائها والمقربين منها لتسمية الحريري لرئاسة الحكومة، وبتنسيق مع طهران وعبر حزب الله، وهذا ما حصل مع كتلة الحزب القومي المعروفة بانتمائها للنظام في سورية لاسيما رئيس الكتلة أسعد حردان، في حين برز اسم النائب عن الاحباش عدنان طرابلسي الذي أودع قصر بعبدا رسالة خطية سمى فيها الحريري لرئاسة الحكومة بعد أن تعذر عليه لقاء الرئيس عون لاصابته بفيروس كورونا، والمعروف ان الاحباش هم من صناعة النظام في سورية وكان للرئيس السوري حافظ الاسد اليد الطولى بتعزيز تواجد هذا التنظيم لاسيما في لبنان.
أما حردان فهو المعروف أيضا بصلته الوثيقة بالاجهزة الامنية السورية وكان صديقا لرئيس الاستخبارات العسكرية السورية السابق في لبنان اللواء رستم غزالي وقبله غازي كنعان وعبد الحليم خدام، وكل هؤلاء كانوا حتى الامس القريب أعداء “دم” مع الحريري اذ يتهم القوميون تيار المستقبل بالتحريض على مجزرة حلبا التي وقعت أمام مركز الحزب القومي في عكار عام 2008 بعد ان عمد عناصر من الحزب الى حرق مركز تلفزيون المستقبل في منطقة الروشة.
اما مسألة مقاطعة النائب طلال ارسلان الاستشارات وعدم تسمية النائب فيصل كرامي ونواب اللقاء التشاوري المقربين من النظام السوري للحريري فلها ابعادا شخصية وخصوصية طائفية، في حين أن الضغط على نواب القومي يأتي من باب تأمين “الميثاقية” المسيحية لتكليف الحريري اذا أن نواب الكتلة الثلاث هم من الطائفة المسيحية.
اما وقد حصد الحريري في خميس الاستشارات 65 صوتا فان رحلة التكليف بدأت وتظهر مشاوراتها مدى التزام الدول المعنية بالملف اللبناني ببنود الاتفاق فيما بينها وكيفية ملاءمة الحريري لشروطها مع الداخل لاسيما مع الفريق المسيحي الذي يسعى الحريري الى تغييبه وتأمين البدائل عنه مستعينا بسيناريوهات التمثيل السابقة أيام النظام السوري حيث كان الثقل المسيحي موجودا في سجن أو في منفى.
lebanon files