هل يتكرّر سيناريو 1989؟ وماذا عن محاكمة الرئيس؟
كتب طوني كرم في “نداء الوطن”:
يقوم النظام الديموقراطي على مبدأ التداول السلمي للسلطة، وإحترام القوانين المرعية الإجراء، والسهر على حسن تطبيقها. وكان من الطبيعي أن يوضع الكلام الأخير الذي نقل عن الرئيس ميشال عون (في صحيفة “الأخبار”) في سياق حرصه على إجراء الإستحقاقات في موعدها، لولا تلازم موقفه مع ما أعلنه عشيّة الذكرى الـ 78 للإستقلال.
في الكلمة المتلفزة، أشار الرئيس عون، وبوضوح تام، إلى أن “أربعين في المئة من عمر هذا العهد مرّت من دون حكومة بعد تعثر عمليات التشكيل جراء عقبات مصطنعة وصدامات ما أدى الى تأخير المعالجات وتفاقم الأزمات”. وأضاف قائلاً: “ما إن بدأت حكومة “معاً للانقاذ” تتلمس طريقها حتى توقفت بفعل أزمة مستجدة اختلط فيها القضاء بالأمن بالسياسة”. وهنا، لا يخفى على أحد الشروط التي فرضها الرئيس قبل التوقيع على مراسيم تشكيل الحكومات في عهده، وصولاً إلى الفراغ الحكومي الأخير الذي استمر لما يقارب الـ 13 شهراً، قبل أن يوقع مرسوم تأليف الحكومة “بعد مخاض عسير وفي ظروف ضاغطة”، بحسب قوله.
الإنتخابات والفراغ الحكومي
ومع بداية ولاية جديدة لمجلس النواب، في 22 أيار 2022، (في حال الإلتزام بمواعيد الإستحقاق وعدم تأجيل الإنتخابات)، تعتبر الحكومة مستقيلة وفقاً للمادة 69 الفقرة (هـ) من الدستور. وتدخل القوى السياسية حينها مخاض “التكليف والتأليف” في الأشهر الخمس المتبقية من عمر “العهد”، في أوج الصراع على تحديد هوية الرئيس الجديد، أو إستكشاف معالم الفراغ المقبل. وقد يتزامن مسار تأليف الحكومة مع “جولات” إنتخاب رئيس للجمهورية، التي تبدأ في 1 أيلول، أي قبل شهرين من إنتهاء الولاية الرئاسية في 31 تشرين الأول 2022. وانطلاقاً من الإجتهاد الدستوري واشتراط الرئيس عون تسليم صلاحيات الرئاسة الأولى إلى حكومة قائمة إلتقت “نداء الوطن” القاضي الدكتور بيتر جرمانوس، للإضاءة على هذه المسألة، خصوصاً أن جرمانوس سبق أن أعدّ دراسة قانونية بهذا الشأن، قُبَيل إنتهاء ولاية الرئيس ميشال سليمان، قبل ان تتشكل حكومة تمام سلام (في 15 شباط 2014)، وتتولى ملء الفراغ الرئاسي لما يزيد عن سنتين وستة أشهر إلى حين إنتخاب الرئيس ميشال عون.
وأوضح القاضي جرمانوس السياق الذي دفعه لإعداد هذه الدراسة، منطلقاً من المسألة الدستورية الآتية: “هل يجوز لفخامة رئيس الجمهورية عند انتهاء ولايته وفي حال عدم القدرة على انتخاب رئيس بديل له أن يسمح بتفريغ سدة الرئاسة وباناطة سلطتها بحكومة مستقيلة؟”. ورأى جرمانوس في خلاصة الدراسة التي أعدها أنّ “تسليم الرئاسة إلى الفراغ أمر ينطوي على مخاطر جمّة للوطن، تحتم بقاء الرئيس في بعبدا لتسيير الأعمال اليومية، حتى انتخاب رئيس جديد، أو التجديد لولايته، أو تشكيل حكومة تأخذ الثقة في البرلمان”.
وإرتكز جرمانوس في دراسته على الأسباب الآتية:
أولاً “إن حكومة مستقيلة هي غير ذات صفة كي تناط بها صلاحيات رئيس جمهورية كون صلاحياتها الأساسية تعتبر منقوصة ومحدودة بحكم القانون”.
ثانياً “إن تفريغ سدة الرئاسة يتعارض مع مبدأ تسيير المرفق العام وهو سيؤدي الى تفريغ السلطة الاجرائية برمتها”.
ثالثاً “إن مبدأ استمرارية الحكم يوجب على فخامة الرئيس ويملي عليه عدم مغادرة قصر بعبدا وتسيير الأعمال اليومية؛ لحين تسليم الأمانة لرئيس جديد منتخب أو بحالة التجديد لولايته وعندها يبقى في قصر بعبدا أو في حالة تشكيل حكومة جديدة بعد نيلها ثقة مجلس النواب”.
ولفت جرمانوس أنّ حرصه على عدم فراغ السلطة الإجرائية (2013) دفعه إلى إعداد “الدراسة”، وليس بناءً على طلب من الرئيس ميشال سليمان الذي سارع قبل إنتهاء ولايته إلى تشكيل حكومة أدت بطبيعة الحال إلى إبعاد هذه المسألة عن التداول. ويجدر الذكر أنّ المادة 62 من الدستور، تشير بوضوح، إلى أنه “في حال خلو سدة الرئاسة لاية علة كانت تناط صلاحيات رئيس الجمهورية وكالة بمجلس الوزراء”.
وإذ أوضح جرمانوس أنّ الدستور لم يتطرق إلى إحتمال عدم إجراء إنتخابات رئاسية في ظل حكومة مستقيلة، أشار إلى أنّ المشرّع لم يذهب إلى درجة أن يعمد البعض إلى تعطيل المؤسسات إلى هذا الحدّ. ليعود ويشدد على أنه في حال وجود حكومة، وتعذر إنتخاب رئيس جديد، على الرئيس أن يترك القصر، ليستطرد قائلاً: “اما في حال ثبت ان رئيس الجمهورية يقوم عمداً بتعطيل استحقاق دستوري، عندها وحسب المادة 60 من الدستور، يكون أمام خرق للدستور، من أجل إحداث الفراغ والبقاء في السلطة.. حينها، نكون أمام إنقلاب دستوري، يعرّض الرئيس إلى المحاكمة”.
التمديد والسلم الأهلي
وتوقف جرمانوس عند المآسي والتداعيات الخطيرة التي ترتّبَت على اللبنانيين وأدّت إلى تهديد السلم الأهلي جرّاء محاولة رؤساء سابقين البقاء في الحكم، بغطاء شرعي أو من دون غطاء، من الرؤساء بشارة الخوري مروراً بفكرة التمديد لكميل شمعون وثورة 1958، إلى “الحكومة العسكرية” في نهاية عهد الرئيس أمين الجميل، وصولاً إلى فرض التمديد للرئيس اميل لحود. (إغتيال الرئيس رفيق الحريري وقيادات من “14 آذار”).
وإذ أعرب جرمانوس عن تخوفه من تبعات تعامل القوى السياسية “كعادتها” بخفة مع الدستور والقوانين، حذّر في الوقت نفسه، من أن يكون الهدف من تدمير المؤسسات، أخذ لبنان إلى مغامرة تعديل الدستور. ناهيك أن “حزبُ الله” لا يملك القوة الموضوعية لفرض دستور جديد، ما يؤدي حكماً إلى تهديد الإستقرار والسلم الأهلي، وأخذ البلد إلى حافة الإنفجار، وذلك بعدما أدت السياسات المتبعة إلى ضرب الثقة بالمؤسسات العسكرية والقضائية، وافلاس الدولة وانهيار صدقيتها وإحترامها في الداخل كما في الخارج.
معاداة الدستور
جرمانوس الذي توقّف عند السياق الذي يمكن أن يَفرض نفسه مع إفراغ المؤسسات، وصولاً إلى الـ “مغامرة” في طرح تعديل الدستور، أشار إلى أنّ تفاهم مار مخايل قام على عدم إحترام الدستور، كون العماد ميشال عون يعتبر أن “الطائف” أتى على حساب هزيمته العسكرية في 1989، بينما يرى “حزبُ الله” أن الدستور لم يعطِ للطائفة الشيعية ما تريده، ما يدفعه إلى الرهان على الفراغ، وصولاً إلى فرض وترجمة فائض القوة الذي يملكه في دستور جديد، ما يؤدي حتماً إلى إنفجار أهلي.
“الدستور” و”الإحتلال”
وإذ شدد جرمانوس على أن “التيار الوطني الحر” أصبح “أضعف” من أن يؤمن الغطاء المسيحي لـ “حزب الله”، من أجل المغامرة في تكريس هيمنته على المؤسسات في الدستور. شدد على أنّ غالبية القوى السيادية من مختلف المكونات الروحيّة والسياسية، هي “قوى دستورية”، متمسكة بالدستور، وترفض أي محاولة لتعديل الدستور في ظل الإحتلال الإيراني، وإمتلاك أحد الأفرقاء للسلاح كورقة ضغط.
ودعا جميع القوى إلى التصدي لمخططات التعطيل والفراغ، من خلال تجديد التمسك في الدستور، والوحدة الوطنية، والميثاق الوطني، والسعي نحو تحقيق الحياد لـ لبنان. ورأى أنه في ظل المعادلة الطائفية في البلد، فإن أي مغامرة لأي جهة لا تمتلك أغلبية في مجلس النواب من أجل تعديل الدستور تكون أمام أخذ البلد نحو المجهول، (نحو الحرب).
“القوة الظرفية” والدستور
وأوضح جرمانوس أن جميع القوى وتحديداً “حزب الله” لم يجاهر في المطالبة بتعديل الدستور، في حين يعمد عبر الممارسة إلى تعزيز مكانته في المؤسسات والحكم، بقوة السلاح والتعطيل وليس بقوة الدستور، ليبقى الصراع الأساسي بالنسبة للحزب، كيفية تحويل قوته العسكرية “الظرفية” إلى قوة قانونية.
وإذ لفت إلى أنّ الفراغ سيؤدي حكماً إلى المزيد من التأزم، أشار إلى أن “حزبُ الله” قد يعمد إلى المحافظة على الـ “ستاتيكو” القائم، وتأمين الحماية لبقاء الرئيس عون، الذي يؤمن مصالحه، في “القصر”، بانتظار ما ستؤول إليه المفاوضات الأميركية – الإيرانية في المنطقة. داعياً الحزب إلى اخراج لبنان من صراع المحاور، التي أدت إلى إفلاس لبنان وعزله عربياً ودولياً.
وعن العناوين الخلافية المستجدة التي تطرح في لبنان، شدد على أنه في ظل السيادة المنقوصة، فإن جميع العناوين الأخرى تصبح ثانوية، ومضيعة للوقت عند الحديث في تفاصيلها.
وفي الختام، جدد القاضي بيتر جرمانوس عبر “نداء الوطن”، دعوته للقوى السيادية من أجل التمسك بالدستور وحياد لبنان، مشيراً إلى أنه “في السياسة ليس لـ”حزب الله” القوة الموضوعية من أجل تغيير الدستور. قد تكون له قوة ظرفيّة”، وأضاف: “علّه يتمتع بالحكمة اللازمة كي يحافظ على قوته الظرفية ولا يأخذ لبنان إلى مغامرة غير محسوبة النتائج”.