خيبة لبنانية جديدة… الإنتظار سيطول!
كتبت باتريسيا جلاد في “نداء الوطن”:
لم تبدأ المفاوضات رسمياً بعد مع صندوق النقد الدولي، ولن تبدأ قريباً وفي بداية العام كما كان مرتقباً. اذ أن النقاشات الفنية التي تمّ الإعلان عن انطلاقها منذ نحو شهر بعد جولة المدير التنفيذي لصندوق النقد الدولي، محمود محيي الدين على المسؤولين في لبنان، لن تنتهي بسرعة في نهاية السنة، لتبدأ فوراً بعدها المفاوضات الفعلية في بداية السنة الجديدة. ما يبقي لبنان خارج منظومة حيازة الثقة الخارجية والدعم الدولي لأمد غير منظور.
أعلن رئيس الحكومة نجيب ميقاتي الأسبوع الماضي أن المفاوضات مع صندوق النقد الدولي لن تبدأ مع بداية السنة الجديدة، بل ستتطلب مزيداً من الوقت. ويأتي ذلك بعد أن أكّد رئيس دائرة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وآسيا الوسطى في صندوق النقد الدولي جهاد أزعور قبل يومين من تصريح ميقاتي، أن “قضية لبنان معقدة وقد تتطلب الوقت لحلّها “، خلال مداخلة حوارية إفتراضية مع مجموعة من الصحافيين من لبنان وتونس وعمّان، خلال ورشة عمل أقامها صندوق النقد الدولي في عمّان عن آليّات عمل صندوق النقد في العالم وفي منطقة الشرق الأوسط وشاركت فيها “نداء الوطن”.
لكن كيف يعمل صندوق النقد الدولي عموماً مع الدول التي تلجأ اليه للتفاوض معه؟
“صندوق النقد الدولي لا يقدّم وصفة واحدة لكل الدول التي تتقدّم بطلب للتفاوض معه بهدف تلقي المساعدة الفنية والمالية”، كما أكّد نائب مدير دائرة التواصل في صندوق النقد الدولي، كريستوف روزنبرغ خلال حديث خاص في عمّان مع “نداء الوطن”.
فصندوق النقد يطلب من الدول إعداد خطة إصلاحية لكيفية الخروج من الأزمة بالاستناد الى المعطيات والتقارير التي لديها، مقدّماً لها يد العون. وهذا الأمر ينقض نظرية أن صندوق النقد سيلزم حكماً لبنان بتحرير العملة النقدية والدولار الجمركي و…
أسباب اللّجوء الى الصندوق
وأوضح روزنبرغ أن “الدول تلجأ عادة الى صندوق النقد الدولي وتطلب قرضاً في الحالات التالية:
-حالة العجز في ميزان المدفوعات Balance of payments وهو خلاصة للعمليات المالية التي تتمّ، خلال فترة معينة من الزمن، بين بلدٍ ما ومختلف البلدان الأجنبية، وتشمل هذه المعاملات المدفوعات لصادرات البلد ووارداته من السلع والخدمات ورأس المال النقدي والتحويلات المالية.
-عندما لا يتوفّر لدى الدولة عملات أجنبية واحتياطات لاستيراد المواد الطبية والمواد الغذائية والبترول…
-لدفع دين خارجي للبلد، فتسأل الحكومة المتعثّرة عن قرض من صندوق النقد الدولي”.
وفي هذا السياق أكّد روزنبرغ ان “صندوق النقد سعيد لتقديم الدعم للدول التي تحتاج الى المساعدة والتمويل”. موضحاً أن “طريقة التمويل تنقسم الى مراحل استناداً الى خطّة الحكومة التي وضعتها لمعالجة المسببات التي أوصلتها الى ما هي عليه اليوم، اذ تعدّ الحكومة خطتها أو سياستها المالية وتحدّد سعر صرف العملة…، وصندوق النقد يعمل مع الدولة لوضع تلك الخطة ويراقب عملية تطبيقها”.
وحول القوانين الصارمة التي يضعها صندوق النقد الدولي والتي تثير خشية الدول المأزومة والتي ترغب في مساعدة الصندوق، أوضح روزنبرغ أن “صندوق النقد الدولي لا يضع قوانين صارمة على الدول التي تتفاوض معه وتتلقى الدعم منه على حدّ سواء. وبذلك لا يعتمد وصفة واحدة تطبق على كلّ بلد، بل يتمّ إعداد بنود خاصة به إستناداً الى وضعه ونظامه، بهدف تمكّن البلد من الخروج من الأزمة.
وفي حال يواجه، البلد طالب الدعم على سبيل المثال، مشكلة في سعر صرف عملته إزاء العملة الصعبة، وعجز في ميزان المدفوعات وفي التجارة اذ يستورد أكثر مما يصدّر، عندها عليه أن “يصلح” هذا العجز”. والإقدام على ذلك ليس بالأمر السهل بل سيستغرق الوقت و”سيشفى” البلد العليل في النهاية، تماماً كما المريض الذي يخضع لعملية جراحية ستؤلمه في البداية ولكن على المدى الطويل سيشفى وسيكون وضعه أفضل”.
حالة الإنسحاب
وماذا لو لم يقتنع صندوق النقد الدولي ببنود الحلول التي وضعتها حكومة ذلك البلد الذي هو في مأزق مالي واقتصادي؟
حول ذلك، أشار روزنبرغ الى أنه، “اذا لم يقتنع فريق صندوق النقد الدولي بالحلول التي تضعها الحكومات التي تفاوض الصندوق، لا يمكننا الإستمرار في المفاوضات والعمل معها بل سينسحب فريق عمل الصندوق من المفاوضات”.
ولفت الى أن “صندوق النقد قدّم المساعدة لدول عدّة في المنطقة مثل تونس والأردن… بسبب أزمة كورونا، اذ انخفض إجمالي الناتج المحلي وارتفع مستوى البطالة. وكل دولة اختلفت فيها بنود الدعم. تونس على سبيل المثال حصلت على الدعم بسرعة ومن دون فرض اي شروط أو بنود ملزمة، مصر ايضاً قدمنا لها الدعم وتمكنت من الدخول في مرحلة التعافي، وكذلك الأمر بالنسبة الى الأردن التي تواجه مشاكل إقتصادية فساعدناها على مواجهة الصعوبات التي واجهتها بسبب جائحة “كورونا” “.
محور المفاوضات
وبالنسبة الى محور المفاوضات مع لبنان، والتي لم تتظهّر بعد ولا يمكن الإفصاح عنها نظراً الى سرّيتها، كان تمّ التداول كما لفت المدير التنفيذي للصندوق في المنطقة محيي الدين بعد زيارته الى المسؤولين اللبنانيين الى أن الحديث بين المسؤولين وفريق صندوق النقد تضمن إنتاج برنامج متكامل يشمل 4 أبعاد رئيسية، وهي إعطاء الأولوية اللازمة للإنفاق الاجتماعي، و”التعامل مع الضغوط الاجتماعية التي يعاني منها الناس وهناك توصية واضحة بأن يكون لها مكون كبير في الإنفاق العام”.
أما البعد الثاني فيرتبط بالسياسات النقدية ونظام سعر الصرف وما يرتبط به من تشريعات، مثل إدارة التدفقات المالية عبر الحدود أو الكابيتال كونترول.
والبعد الثالث يرتبط بالقطاع المصرفي، ومستقبله على أن يتمّ الإتفاق لاحقاً مع البنك الدولي حول التدابير التي يمكن اتخاذها لاستعادة الثقة بالقطاع المصرفي وأعمال البنوك”.
وأشار محيي الدين إلى أن البعد الرابع يرتبط بالإصلاحات الهيكلية في القطاعات الحيوية مثل الطاقة والكهرباء، معرباً عن أمله بأن يتم إيجاد “برنامج يحقّق النفع والفائدة للبنان وأهله ويحقق الثقة بالاقتصاد”.
اذاً تتعدّد الأزمات المالية في اي دولة في العالم، لكن اللجوء الى صندوق النقد الدولي من قبل أي من الدول الإعضاء ومنها لبنان، لتحقيق الإستقرار المالي وبدء الإصلاحات، يتطلب مثابرة وعملاً دؤوباً من الدول التي تعاني من صعوبات مالية واقتصادية مثل لبنان ومقاربة شاملة للنهوض من خلال خطة إصلاحية معالجة للأزمة على المدى الطويل، بعيداً عن المطبات والمعوّقات السياسية.
دور صندوق النقد الدولي؟
صندوق النقد الدولي هو وكالة متخصصة من منظومة «بريتون وودز» تابعة للأمم المتحدة، أنشئ بموجب معاهدة دولية في العام 1944 للعمل على تعزيز سلامة الاقتصاد العالمي. ويقع مقر الصندوق في واشنطن، ويديره أعضاؤه الذين يشملون جميع بلدان العالم تقريباً بعددهم البالغ 190بلداً.
يلعب الصندوق دور المتابع والحريص على تحقيق الإستقرار الإقتصادي، من خلال التقارير التي يصدرها عن الإقتصاد العالمي واقتصاد المنطقة، الإقراض القصير الأجل للدول الأعضاء خلال الأزمات وتنمية القدرات لدى الدول من خلال المساعدة الفنية، والتدريب -على مراقبة عمل المصارف.