لبنان

جديد مصائب لبنان: لقاحاتنا وأدويتنا مهددة بالتلف!

كتبت زيزي إسطفان في “نداء الوطن”:

من النجاحات القليلة التي فلحت بها الدولة اللبنانية السير في عملية التلقيح لمواجهة فيروس كورونا بخطى حثيثة، وعلى الرغم من أن العملية لم تصل الى خواتميها بعد ولا تزال بعيدة عن تأمين مناعة القطيع، إلا أنها كانت تعد بتحقيق الهدف المرجو منها ولا سيما مع حملات التلقيح المكثفة في المراكز الكبرى ومناطق الأطراف.

تبدو اليومَ عمليةُ التلقيح برمتها مهددة بالتوقف لا بسبب نقص في اللقاحات، ولا لتخاذل الناس، بل لأن انقطاع التيار الكهربائي الدائم يتهدد لبنان بقدرته على مواجهة الجائحة.80 % من اللبنانيين كان يؤمل تطعيمهم للوصول الى مناعة مجتمعية تقف سداً منيعاً في وجه الجائحة ومتحولاتها، وعلى الرغم من ان هذا الرقم شكل هدفاً صعب المنال فإن تسارع عمليات التطعيم في الآونة الأخيرة لاستباق متحول دلتا وفتح المجال أمام الناس من خارج المنصة لنيل لقاحاتهم ساهم في تسريع الوتيرة بشكل ملحوظ وزاد من نسبة الذين تلقوا اللقاحات بحيث وصل عدد الملقحين الى 2221627 منهم 1233974 تلقوا الجرعة الأولى و 986514 تلقوا الجرعتين.

وجاء الارتفاع في الشهرين الماضيين بسبب مخاوف من أن يتسبب متغير دلتا في موجة وبائية جديدة لا يستطيع لبنان تحمّل تداعياتها، في وقت لم يعد باستطاعة المستشفيات التعامل مع اي تفش جديد للوباء لذا كان السعي الى تسريع عملية التلقيح وتكثيفها للتخفيف من عدد الحالات التي تحتاج الى استشفاء. ولكن برز حاجز كبير هدد بالعودة بالوضع الوبائي الى المربع الأول هو عامل انقطاع التيار الكهربائي عن المستشفيات ومراكز التلقيح والأهم عن مراكز تخزين اللقاحات. وكان تخزين اللقاحات قد طرح منذ البداية إشكالية كبرى نظراً لاحتياج معظمها الى درجة حرارة متدنية وبعضها الى درجات تفوق السبعين تحت الصفرمثل لَقاح “بفايزر” في حين كان الكل متوجساً من وضع الكهرباء في لبنان. إنما بجهود كبرى استطاعت وزارة الصحة تأمين طرق تخزين متطورة وتأمين التبريد بشكل دائم للحفاظ على نوعية وفاعلية اللقاحات.

شحّ وفراغ

ولكن اليوم هل ما زال مستشفى رفيق الحريري وهو المركز الرئيسي لتخزين اللقاحات قادراً على تأمين الظروف المناسبة لتخزين اللقاحات؟ وهل المستشفيات التي يعاني معظمها من شح او فراغ خزّاناتها من المازوت وبالتالي عدم القدرة على تأمين التيار الكهربائي البديل قادرة على إتمام عملية التلقيح و الحفاظ على لقاحاتها في حال جيدة؟ وماذا عن مراكز التلقيح الكبرى التي أعلن بعضها إقفال أبوابه بسبب الانقطاع الدائم للتيار الكهربائي؟

أسئلة مشروعة حملناها الى د. عبد الرحمن البزري رئيس اللجنة الوطنية للقاح كورونا لنستفهم منه عن الأخطار التي تتهدد عملية التلقيح مع الانقطاع شبه الكلي لمادة المازوت من الأسواق. فأجابنا بأن الأمر استدعى عقد اجتماع عام لتدارس الموضوع وانعكاساته والسعي الى معالجته و لكن بالمبدأ لا تزال الأمور تحت السيطرة يؤكد د. بزري وذلك لأن المستودع الأساسي لحفظ اللقاحات في مستشفى رفيق الحريري الجامعي التابع لوزارة الصحة لا يزال يتلقى التغذية الكافية بالتيار الكهربائي وتتم مراقبته بشكل دائم كما أن مراكز التلقيح الكبرى لا تزال براداتها مزودة بالطاقة في حين ان المراكز الصغرى تأخذ كميات قليلة وليست بحاجة الى تبريد كبير. وقد صار معروفاً ان شروط حفظ اللقاحات باتت ألين و في الإمكان حفظها في البرادات العادية لبضعة أيام.

لكن هذا الواقع قد يخرج عن السيطرة قريباً إذا ما استمر نقص الفيول وهذا ما بدأ يلوح في الأفق حيث أخذت بعض المراكز الطبية والمستشفيات تستسلم شيئاً فشيئاً في وجه العتمة الزاحفة إليها ومثال على ذلك مستشفى المقاصد. كما أن بعض مراكز التلقيح الكبرى التي تم استحداثها مثل المركز القائم في السيتي مول بدأ يعاني واضطر الى إقفال أبوابه مع إقفال المجمّع لكن لحسن الحظ ان فرق الصليب الأحمر تولت الاستمرار بعملية التلقيح و إن بوتيرة أخف.

كيف الوصول؟

من جهة أخرى تبرز أكثر من مشكلة جانبية متعلقة باللقاحات أبرزها تعثر وصول المواطنين الى المراكز لتلقي اللقاح في ظل انقطاع البنزين، إضافة الى مشكلة تسجيل الأسماء عبر المنصة لأن سرعة الانترنت وانقطاعه عن بعض المناطق نتيجة غياب التغذية عن المراكز يصعّب هذه العملية ويحد من تفاعل الناس معها.

“لا نستطيع أن ننام على حرير”، يقول د. بزري “لأن الوضع مهدد بالتفاقم، سعينا بكل جهدنا لتأمين المحروقات للمستشفيات الكبرى لكن المستشفيات الصغرى سوف تعاني إن لم تجد من يمد لها يد العون. صحيح ان تفاعل الخيرين مع متطلبات المستشفيات جاء قوياً ولكن المشكلة هي في الحصول على الفيول والمحروقات استمرارية وجود هذه المواد، أما الحل الجذري فهو وجود حكومة قادرة على تأمين الأساسيات لا للمستشفيات فحسب بل لمختلف أوجه حياة المواطنين وإلا فالوطن بأكمله متجه نحو أزمة حادة لا عملية التلقيح فحسب”.

الأدوية المبردة

مشكلة تبريد اللقاحات وحفظها في غياب التيار الكهربائي فتح الباب على مشكلة رديفة وهي كيفية حفظ الأدوية الأخرى التي تحتاج الى تبريد. ماذا عن الأنسولين هذا العلاج الحيوي لعدد كبير من مرضى السكري؟ ماذا عن بعض أدوية السرطان التي تفسد بلا تبريد ملائم؟ وماذا عن سواها من الأدوية التي لا تعود صالحة متى حدث اي تلاعب في حرارة حفظها؟ كيف تتعامل الصيدليات ومستودعات الأدوية مع هذا الأمر وكيف يؤمن المرضى تبريداً مستمراً لأدويتهم؟ أسئلة حملت الإجابات عنها الكثير من الأمور الصادمة التي تبين الى اي حدٍ بات واقع المرضى في لبنان مأسوياً وحاجتهم الى الدواء ماسة بحيث يرضون بأدوية مشكوك بفعاليتها وصلاحيتها.

مع الدكتورة في الصيدلة جويل مغامس جلنا على هذا الموضوع الذي لم يتم بعد تسليط الضوء عليه في حين أنه يعتبر مشكلة توازي باهميتها مشكلة انقطاع الأدوية. “تقنين الكهرباء، تقول الصيدلانية، يعرض الأدوية التي تحتاج الى تبريد للخطر ويؤثر على فعاليتها. فكل نوع من هذه الأدوية يحتاج الى حرارة معينة ومتى تم التلاعب بهذه الحرارة قد تفسد هذه الأدوية او يحدث تفاعل بين مكوناتها فتعرض المريض لخطر التسمم او قد يتفاعل جسمه معها بشكل معين يعرضه لاضطرابات صحية. والأخطر من ذلك ان المريض الذي يتناول هذه الأدوية غير الصالحة قد يظن انه يحصل على علاجه في حين ان الدواء في هذه الحال يتحول الى داء”.

تؤكد د. مغامس ان أول ما تفكر به حين ينقطع التيار الكهربائي في الصيدلية هو أدوية البراد و كيف تحافظ عليها حتى أنها مثل سواها من أصحاب الصيدليات لم تعد تطلب إلا الكميات التي يوصي عليها المرضى حتى لا تتحمل مسؤوليتها او تحمّل المريض هذه المسؤولية وتطلب منه الحضور فوراً لاستلامها وتحمل مسؤولية حفظها مبردة.

ماذا عن مستودعات الأدوية هل التبريد مؤمن لديها بشكل دائم؟ هل يمكن للصيدلية التأكد من حال الدواء الذي يصل إليها وإذا ما كان محفوظاً بطريقة ملائمة مع تفاقم وضع التيار الكهربائي وغيابه عن معظم مناطق لبنان؟ الجواب يعود الى ضمائر أصحاب المستودعات وحسهم الإنساني فلا الرقابة كما نعرف جميعنا صارمة في لبنان ولا أزمة شح الأدوية تساعد في التخلص من تلك التي لم تعد صالحة تماماً.

لكن المبكي في أزمة الأدوية هذه وفق ما ترويه لنا الصيدلانية ان المرضى الذين يجدون دواءهم لم يعودوا يأبهون لطريقة حفظه او حتى انتهاء صلاحيته. فحين تحذرهم من هذا الدواء او ذاك الذي تعرض لتلاعب في التبريد غالباً ما يرجونها الا تعمد الى رميه ويطلبون منها شراءه مختلقين لأنفسهم وللدواء أعذاراً “لا بأس لا يزال بارداً، أحسن من بلاش، البراد بيحفظ البرودة…” حتى أن بعضهم بات لا يبالي اذا كانت مدة صلاحية الدواء تنتهي خلال الشهر الحالي ويسارع الى شرائه خوفاً من ألا يجده في المرة المقبلة.

خسائر إضافية

وكأن شح الأدوية وانقطاعها لا يكفي لتأتي أزمة التقنين وتجبر الصيادلة والأطباء على التخلص من أدوية ولقاحات كثيرة محفوظة في براداتهم لأنها لم تعد صالحة ويقول د. رولان واكيم انه اضطر لرمي ما تعادل قيمته ألف دولار من اللقاحات للأولاد لأن التيار الكهربائي انقطع عن عيادته لعدة أيام، فيما تقول د. جويل مغامس ان خسارة ما يوجد في براد صيدليتها يتعدى 3 ملايين ليرة. وبعد ماذا يفعل المرضى الذين يتناولون هذه الأدوية؟ كيف يحفظونها في بيوتهم؟ أحد الآباء أخبرني انه اضطر لتحمل كلفة تركيب امدادات الطاقة الشمسية لتأمين الطاقة لبراد منزله لأن ابنته الشابة التي تعاني من مرض السكري مضطرة للحصول على أربع حقن من الأنسولين يومياً وهذه يجب ان تحفظ في البراد تحت حرارة معينة. أما ستيفاني التي تجاهد منذ بضع سنوات لإنجاز عملية الحمل فإن كل جهودها قد تذهب سدى لأن الأدوية التي تتناولها لهذا الهدف بحاجة الى تبريد فيما تقنين الكهرباء والمولدات يهدد كل العملية ويضع حملها وحلمها في خطر.

الواقع الدوائي في لبنان بات سلة كثيرة الثقوب يحار اللبناني اي ثقب يعالج فيها، فإذا ما رضيت وزارة الصحة عنه أمنت له دواءه فهي لا تكملها معه وتجعل من حفظ الدواء معضلة تحتاج الى جهود وزارة الطاقة… والوزارتان اليوم تصرّفان الأعمال في الحدود الدنيا…

نداء الوطن

مقالات ذات صلة