تنافس فرنسي-ألماني على كهرباء لبنان.. هكذا تراجعت “سيمنز” عن عرضها المجاني
قصة الدولة اللبنانية مع شركة “سيمنز” الألمانية شرح يطول. فعلى الرغم من أزمة “التيار” –”أمل” الشهيرة في العام 2018 على خلفية عرض قدّمته الشركة لإصلاح قطاع الكهرباء المترهل، ما زالت “سيمنز” راغبة في التمتع بحضور في لبنان، وهي المناسبة تنشط في العراق أيضاً.
وبعد انفجار المرفأ في 4 آب، عرضت “سيمنز” توفير محطتيْن متنقلتيْن لتوليد الطاقة بتوربينات الغاز مجاناً، بما يؤمن نحو 80 ميغاوات من الكهرباء ويخدم نحو 150 ألف مقيم في العاصمة، قبل أن يصف متحدّث باسم الشركة العرض بـ”غير المجدي”، متحدّثاً عن “مشاكل مالية ولوجيستية”. وقال المتحدّث إنه عوضاً عن ذلك، ستقوم الشركة- من دون مقابل- بعمليات الفحص والصيانة لمعمليْ الزهراني ودير عمار اللذيْن يوفران نحو 30% من إنتاج الطاقة في لبنان (يوفر كلّ منهما 450 ميغاوات)، كما ستقوم “بتحديث المعدات في المحطتيْن”. وتبلغ تكلفة هذه العملية 45 مليون يورو وأكد المتحدّث أن المعدات ستصل إلى بيروت. وفي هذا الإطار، أطلَعَ وفد الشركة رئيس الجمهورية ميشال عون على المساعدة “المعدّلة”، ووفق ما جرى تداوله فإنّها ستنعكس على كافة المناطق اللبنانية، ولن تنحصر في منطقة محددة. وقد جرى الاتفاق بين الشركة ووزارة الطاقة ومؤسسة كهرباء لبنان من أجل وضع المساعدة موضع التنفيذ.
في تقرير مطوّل، نقلت مجلة “فوربس” الأميركية عن متحدّث باسم “سيمنز” قوله إنّ الشركة عرضت مجموعة من الخيارات، بينها تقديم المحطتيْن المتنقلتيْن، لسنة واحدة. ولفت المتحدّث إلى أنّ هذا العرض لم يُترجم عملياً، مشيراً إلى أنّه تبيّن أنّ عرض تحديث معمليْ الزهراني ودير عمار هو “الأجدى”.
من جانبه، أوضح وزير الطاقة في حكومة تصريف الأعمال، ريمون غجر، أنّ سبب تعديل مساعدة الشركة الألمانية يعود إلى ارتفاع كلفة الفيول المطلوب لتشغيل المحطتيْن المتنقلتيْن. وقال غجر “كان سيتعيْن على الحكومة اللبنانية توفير الفيول، وهذه كلفة باهظة”، مضيفاً: “كان هذا ليشكّل كلفة تتراوح بين 60 و70 مليون دولار سنوياً، استناداً إلى الأسعار العالمية الحالية”. في هذا الإطار، أوضحت المجلة أنّ الفيول الذي يتم الحديث عنه هو الديزل، وهو يستخدم لتوليد الطاقة في لبنان إلى جانب المازوت. وتابع غجر: “عارضنا مبلغ الـ70 مليون دولار واقترحنا البحث عن حل لا يكلفنا شيئاً”، مستدركاً بأنّ العرض الجديد القاضي بتحديث الزهراني ودير عمار يأتي من دون تكاليف.
في المقابل، كشف مصدر مطلع لـ”فوربس” أنّ مجموعة من المسائل عرقلت العرض الأول، إذ وقفت قيود سياسية وراء القرار، إلى جانب التحديات اللوجستية المتضمنة توصيل الفيول لتشغيل محطتيْ الغاز.
في تعليق لها، حمّلت المستشارة في مجال الطاقة، جيسيكا عبيد، المنظومة السياسية التي تحكم لبنان منذ نهاية الحرب الأهلية مسؤولية إعاقة النمو الاقتصادي وإجراء إصلاحات في مختلف القطاعات. وعلى مستوى عرض “سيمنز”، وضعت عبيد محادثات لبنان مع الشركة لجهة عرض تحديث الزهراني ودير عمار في إطار المساعي التي يبذلها لبنان أمام المجتمع الدولي، معتبرةً أنّه يحاول إظهار استعداده لتبني الإصلاحات بهدف تأمين المساعدة المالية.
ويأتي رفض لبنان لعرض شركة “سيمنز” بعد زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون التي تضمنت الكشف عن ورقة فرنسية يمثّل إصلاح قطاع الكهرباء أبرز بنودها. فإلى جانب إسقاط اقتراح معمل سلعاتا بصيغته الحالية، طلبت باريس اتخاذ مجموعة من التدابير في مهلة شهر و3 أشهر، منها: تعيين المسؤولين في الهيئة الناظمة لقطاع الكهرباء مع تزويدها بالإمكانيات الفعلية لممارسة عملها، وإطلاق استدراجات عروض في ما يتعلق بمعامل توليد الكهرباء بواسطة الغاز، والإعلان عن جدول زمني لرفع التعرفة بطريقة تدريجية.
وفي آذار الفائت، لمس لبنان رغبة فرنسية وألمانية في الاستثمار في قطاع الكهرباء، إذ تردّد أنّ “سيمنز” قدّمت عرضاً شاملاً للكهرباء والمحروقات يتراوح سعره بين 7.5 و8.7 سنت للكيلووات.
وبحسب الاقتراح، كان يفترض أن يساهم بنك الصادرات الخارجية الألماني في تمويل المشروع، بعد موافقة الحكومة الألمانية. وفي الفترة عينها، زار وفد فرنسي عدداً من المسؤولين، ومن بينهم رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب، مبدياً استعداد فرنسا لتمويل الحل الشامل، أي معمل كهرباء، وإلى جانبه محطة غاز في البداوي؛ إشارة إلى أصحاب المشروع هم شركتا “توتال” و”كهرباء فرنسا”، مع احتمال انضمام شركة “جي إي”.
24