القوى السياسية أمام مختبر التأليف: كيف ستتعامل فرنسا مع مكرهم؟
على رغم براعتها في إضاعة الفرص والإلتفاف على مصلحة البلاد والعباد لأجل تكريس مصالحها الضيقة، لا تملك القوى المعطّلة الكثير من الوقت، وإن كانت تملك الكثير من الأساليب، لاسيّما وأنّ توقيت التأليف مضبوط على ساعة الرئيس الفرنسي إمانويل ماكرون بمهلة لا تتخطّى الأسبوعين. انقضى الأسبوع الأول من دون أن يُترجم الترفّع عن المطالب الذي أظهرته الكتل النيابية بعيد مشاورات غير الملزمة في عين التينة، بعدها راحت تتسابق على رفع سقف التفاوض، في ظلّ المعادلات نفسها التي حكمت تأليف الحكومات الفاشلة، والتعامل مع التأليف بالذهنية السابقة نفسها، على قاعدة المحاصصة.
ماكرون إتبع مع هؤلاء سياسة العصا والجزرة، فماذا هو فاعل فيما لو بقي التأليف أسير شباك المعطّلين؟
تتعامل فرنسا مع التأليف على أنّ الطابة في الملعب اللبناني، وفق ما أشار الدكتور محي الدين الشحيمي، وهو أستاذ في كلية باريس للأعمال والدراسات العليا، في اتصال مع “لبنان 24″، حيث يُنظر إلى الحكومة في مختبر التأليف على أنّها نقطة الفصل النهائية في التعامل مع الملف اللبناني، خصوصًا أنّ شكل الحكومة وطريقة تعامل القوى السياسية معها بمثابة خلاصهم الوحيد، كما أنّ الحكومة العتيدة تشكّل المدخل الوحيد لاستعادة الثقة الدولية للتفاوض مع المؤسسات المانحة. يعتبر شحيمي أنّ التسمية نتاج اتفاقية دولية، فإمّا التعاون من قبل كل الأفرقاء اللبنانيين، أو سيتمّ التعامل معهم بطريقة مختلفة، بدءًا من الشخصيات اللبنانية بصفة فردية وصولا إلى حدّ محاسبة الشخصيات الاعتبارية أي الاحزاب والمؤسسات كـ”حزب الله” وحلفائه.
أضاف الشحيمي، يعتمد التأليف على مسارين، التعاون والمحاسبة، حيث الدعم الدولي مشروط بسرعة التأليف ونوعية الشخصيات المشاركة بالتوزير والبيان الوزاري. على أن تقدّم هذه العناصر مجتمعة الإنطباع الأولي كمؤشر للخطوات المقبلة. بعد أن يتحقّق هذا الشرط، يصبح بالإمكان الحديث عن استكمال مسار المفاوضات مع المؤسسات الدولية، وتكون بذلك خطوة أولى لإستعادة الثقة الدولية مع المؤسسات والإدارات اللبنانية.
في ما يخص آلية التعامل مع “حزب الله”، اعتبر الشحيمي أنّ هناك تنسيقًا دوليًا حصل حيال المبادرة الفرنسية، وتفاهمًا استراتيجيًّا بين الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا حيال آليات التحرّك الفرنسي، مع اختلاف بسيط في طريقة التعبير، والتي تصب كلّها تحت عباءة هذه الاستراتيجية، بحيث تركت الولايات المتحدة فرنسا لاعبًا أساسيًّا على الساحة اللبنانية، احتراما لمعايير توازن القوى وتاريخ العلاقات الفرنسية في لبنان، كما أنّ الولايات المتحدة لا تعتبر لبنان ساحة نفوذ مباشر لها.
تتمحور الخطوات الاساسية بجملة نقاط، وفق الشحيمي، أبرزها لبننة “حزب الله”، إبعاد لبنان عن تداعيات الوضع السوري، والعمل على تطبيق الإتفاقيات الدولية وتطويرها لمصلحة الاستقرار اللبناني، بما في ذلك ترسيم الحدود البرية والبحرية وتنظيم المنطقة الاقتصادية. من ثمّ تحديد الأرضية الصلبة لطرح سلاح “حزب الله” في إطارالإستراتيجية الدفاعية للدولة اللبنانية، لذلك نرى ان هناك ليونة اميركية، ظهرت من خلال تعايش الولايات المتحدة الاميركية مع وجود “حزب الله” في الحكومات اللبنانية المتعاقبة منذ 2005، على رغم لوائح العقوبات وقوانين العقوبات كقيصر وماغنيتسكي.
أولوية فرنسا تكمن في انتشال لبنان من محنته المالية والاقتصادية. وعن عدم طرح إجرء الإنتخابات النيابية المبكرة، رأى الشحيمي أنّ الجانب الفرنسي ليس معارضًا لإجراء الإنتخابات، ولكن الإختلاف يتمحور حول توقيته، إذ تعتبر فرنسا ومن خلفها المجتمع الدولي أنّ الإنتخابات لن تثمر أي تغيير حقيقي وجدي في موازين القوى، بل سوف تنقل بعض التفوق العددي من كتلة الى أخرى، وهذا مردّه لأسباب عدّة، أبرزها عدم تنظيم الثورة لنفسها، وهي غير جاهزة لتكون البديل للحكم الحالي، وعليها تنظيم صفوفها لتتمكن من تحقيق خرق كبير يشكّل تغييرًا حقيقيّا.
أداء الإئتلاف الحاكم تحت المجهر الفرنسي ومن خلفه الدولي، وفترة التذاكي من قبل هؤلاء لا يمكن أن تطول، خصوصًا أنّ فترة السماح الفرنسية بدأت تنفذ، فهل تشهد الأيام المقبلة أسرع عملية تأليف حكومي في لبنان، أم سنكون أمام تضييع فرصة النجاة الأخيرة؟
24