بين الواقع والمرتجى… كوريا الجنوبية بلد لم يعد ينجب أطفالا
كتبت “الجزيرة”:
بمعدل خصوبة أقل من طفل لكل امرأة، تعد كوريا الجنوبية الأدنى بين دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OCDE)، وذلك لأن ثلثي الشباب في هذا البلد يقولون إنهم لا يريدون أطفالا بسبب تكلفة التعليم وسوق العمل غير المتكيفة وعدم المساواة بين النساء والرجال.
هكذا لخصت مجلة “لوبس” (L’Obs) الفرنسية أزمة انخفاض عدد سكان كوريا الجنوبية، منطلقة من أقوال بعض الشباب مثل طالبة السينما سومين (تم تغيير الاسم الأول) التي تقول “لا أعتقد أنني سأكون قادرة على كسب ما يكفي من المال لإنجاب طفل. فإذا كان لدي واحد، أود أن يحصل على أفضل بيئة عمل ممكنة، في حين أن تكلفة التعليم في كوريا الجنوبية مرتفعة جدا”.
ومثلها -كما تقول مراسلة المجلة في سول كامي رويز- لا يريد 65.4% من الشباب الكوري الجنوبي (بين 19 و34 عاما) أطفالا، حسب مسح أجرته مؤسسة كوريا للسكان والصحة والرعاية في أيلول الماضي.
وفي الوقت الذي يستمر فيه تزايد سكان العالم، ليتجاوز 8 مليارات إنسان اليوم الثلاثاء ، تكاد كوريا الجنوبية تخلو من سكانها، بعد وصول معدل الخصوبة، أي عدد الأطفال الذين تنجبهم كل امرأة في المتوسط في حياتها، إلى أقل من طفل واحد منذ عام 2018، محيث يتواصل الانخفاض للعام السادس على التوالي، ليبلغ 0.81 عام 2021، وهو أدنى معدل بين أعضاء منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، حيث يبلغ المتوسط 1.59.
وقد أضحت عواقب هذا الانخفاض ملموسة -كما تقول المجلة- إذ تشهد البلاد منذ عام 2020 انخفاضًا في إجمالي عدد سكانها الذي يمكن أن يتناقص إلى النصف تقريبا في حدود 2100، حسب توقعات الأمم المتحدة، ليعود إلى ما يقرب من 20 مليونا.
8 مليارات اليوم.. هل هذا يكفي؟
بالدعم الاقتصادي والحملات الإعلامية والسياسات الوطنية، تحاول حكومة سول عبثا -كما تقول المراسلة- معالجة هذا الوضع الذي تتعدد عوامله؛ من المخاوف الاقتصادية إلى ارتفاع تكلفة التعليم بشكل خاص، بسبب نظام الدروس الخصوصية الإضافية الغالية.
وتؤكد طالبة السينما “سومين” أنها قد تغير رأيها وربما ترغب في إنجاب طفل لاحقا، غير أن الجانب الاقتصادي ليس السبب الوحيد لقرارها فهي تريد أيضا أن تعيش حياتها، لأن والديها ضحيا لها بالكثير من حياتهما، وهي مثل 44% من الكوريين الجنوبيين لا يريدون إنجاب أطفال، قائلين إنهم “لا يريدون التضحية بحياتهم”.
وتقول الشابة أون هاي (اسم مستعار) إن “أصدقائي يكذبون في المقابلات بشأن رغبتهم في إنجاب الأطفال، خوفا من الحرمان من الوظيفة”. وبالفعل وحسب دراسة حديثة أجراها معهد أبحاث سياسة رعاية الطفل، فإن 48.8% من أمهات الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 6 سنوات يتركن العمل للولادة وتربية أطفالهن.
فجوة بين الرغبة والواقع
أما في السنوات الأخيرة -كما تقول المراسلة- فقد اتخذ السؤال منعطفا سياسيا منذ عام 2017 عندما حددت اللجنة الاستشارية للشؤون الوطنية قضية انخفاض الخصوبة على أنها “أولوية” للبلد، وبالفعل أنفقت الحكومة الكثير لمحاولة زيادة عدد المواليد، خاصة بتقديم الدعم الاقتصادي للأسر التي لديها أكثر من طفل واحد.
ومع ذلك، يوضح عالم الاجتماع يون سيو يون أن قلة من الناس يقررون إنجاب الأطفال بفضل المساعدة المالية، مشيرا إلى أنه يجب استهداف السكان الذين يرغبون في إنجاب الأطفال، ولكنهم لا يستطيعون ذلك بسبب البيئة غير المواتية، لسد الفجوة بين رغبتهم والواقع، من أجل إيقاف هذا النظام الذي فرض على المرأة أن تختار بين وظيفتها وطفلها.
وإذا كانت الخطوة الأولى هي النجاح في زيادة مشاركة المرأة في سوق العمل، فإن يون سيو يون يصر على أهمية إشراك الرجال في العمل المنزلي، قائلا “إذا عدّ المجتمع الأدوار المتساوية للرجال والنساء قاعدة فإن ذلك سيخلق بيئة مواتية للأسرة، مثل الاستقرار الزوجي وإمكانية إنجاب مزيد من الأطفال”.”الجزيرة”
المصدر: الجزيرة