الثرثرة… كيف يمكن معالجة هذه الآفة؟
الثرثرة من أكثر الأسباب التي تؤدي إلى الانفصال وتدمير الصداقات والروابط الأسرية، لكونها تتسبّب في أحيان كثيرة بإهانة شخص ما في غيابه، أو حتى تكشف تفاصيل حياته وأسراره.
ويمكن تسمية الثرثرة “بالنميمة” حين يبدأ الحديث أولًا بموضوعات صغيرة وبسيطة، لكن القيل والقال يعمل على زيادة الموضوعات وتزييفها بسبب انتقال الكلام من شخص إلى آخر وانتشار الأخبار الكاذبة.
سمات الثرثار
توضح المتخصصة في علم النفس السلوكي عبير الكوش أن الشخص الثرثار في علم النفس من أسهل الشخصيات التي يمكن تحليلها، مشيرة إلى أن الدراسات والبحوث أثبتت أن الشخص الثرثار له الصفات التالية:
يعمل الشخص الثرثار دائمًا على سرد كل تفاصيل حياته، سواء كانت إنجازات أو خيبات أمل، فهو يخبر الجميع بالتفصيل عما يحدث في حياته من دون أن يسأله أحد أو يهتم بمعرفة ما يحدث.
من المتوقع ارتفاع فاتورة الهاتف المحمول للشخص الثرثار، لأنه لا يتوقف عن الكلام، سواء في اللقاءات المباشرة بينه وبين الناس أو حتى في المكالمات الهاتفية، لأنه لا يشعر بالتعب أو الملل.
قد يتعرّض لكثير من المواقف المحرجة عندما يخبره أحدهم أنه ثرثار، وأن كلماته مزعجة، وأنه يحتاج إلى التوقّف عن الكلام.
من السمات الشهيرة للشخص الثرثار أنه لا يستطيع الاحتفاظ بالأسرار، وهو لا يريد أن يؤذي شخصًا معينًا أو يكشف أسراره، ولكنه لا يفكر في ما يقوله بسبب حبّه للكلام.
نصائح تخلصك من الثرثرة
أما أهم النصائح التي تساعدك على التخلص من هذه المشكلة، حسب الكوش، فهي الآتية:
من أهم خطوات العلاج الاعتراف بالمشكلة، والرغبة الشديدة في التخلص منها بمساعدة صديق أو قريب.
عدم تكرار القصص ذاتها مع الأشخاص أنفسهم، فهذا الأمر سيصيبهم بالملل، ومن ثم ينبغي عدم تكرار الحكايات القديمة في كل مرة.
فكر جيدًا قبل أن تتحدث، اجعل جملك قصيرة وواضحة ومرتبطة مباشرة بما تقوله، حتى لا تضيّع وقتك ووقت الآخرين معك.
لا تقاطع غيرك أثناء حديثه، واحترم وجهة نظره في الموضوع من دون أن تقاطعه، وأعط مساحة كافية للرد.
غالبًا ما يكون الشخص الثرثار غير واثق بنفسه، لذلك يحاول جذب الانتباه إليه من خلال سرد مغامراته وقصصه البطولية أينما ذهب، فمن الضروري التوقّف عن التلفيق واختراع القصص والتركيز على مواهبك وتنميتها.
الابتعاد عن العناد والتشبث بالرأي في محاولة إقناع الآخر بوجهة نظرك، فهذا أمر خاطئ.
عليك مراقبة كلامك جيدًا قبل التفوّه به، فقد تؤدي الثرثرة إلى تدميرك وإنهاء حياتك المهنية وخسارة علاقاتك الاجتماعية.
وترى الكوش أن وسائل التواصل الاجتماعي أسهمت بقوة في انتشار النميمة، فباتت أسرع بكثير من قبل وعلى جميع المستويات، بسبب امتلاك جميع الناس هواتف ذكية ومواقع متعدّدة لتبادل المعلومات والنشاطات التي يقومون بها. وتكمن خطورة هذه الوسائل في معاودة تداول الخبر والبناء عليه والحكم على الأشخاص، قبل التأكد من صحة الخبر.
كلام لا فائدة منه
أظهرت دراسات علم النفس أن كثيرا من الكلام، أو ما يسمى بالنميمة، يتشكل طبيعيا لدى الشخص عند فتح المحادثات أو مشاركة المعلومات مع الآخرين، حسب تقرير نشره موقع مجلة “تايم” (TIME) الأميركية.
ووفقًا لبعض الإحصاءات والبحوث التي أجراها عالم النفس ديفيد لودن، يمكن للثرثار أو الثرثارة الاستمرار في الحديث لمدة تصل إلى 52 دقيقة متواصلة، وبطريقة مملة جدا، كما أن 9% فقط من الكلام مفيد، والبقية مجرد كلام لا يستحق الاستماع.
الثرثرة ليست سلوكا سيئا!
تعرّف ميغان روبنز، وهي أستاذة مساعدة في علم النفس وأحد الباحثين المشاركين، الثرثرة بأنها ليست سلوكا سيئا بتاتا، فالثرثرة المحايدة -من وجهة نظرها- تساعد على بناء الصداقات والشعور بالمجتمع المحيط بنا، بالإضافة إلى تعلم المعلومات الحيوية التي يمكن أن تساعدنا في تشكيل حياتنا الاجتماعية، حسب تقرير نشره موقع “إيه بي إيه” (apa).
وأشار التقرير إلى أن الجنسين يثرثران بالقدر ذاته تقريبًا إلا أن النساء يثرثرن بحياد أكثر من الرجال، أما الرجال فأكثر ثرثرة من النساء في القضايا المتعلقة بزملاء العمل، فبينما تميل النساء إلى الحديث الإيجابي عن زملائهن وزميلاتهن، يسعى الرجال إلى التحدث سلبا عن منافسيهم.
في كتابه “الثرثرة: الصوت في رأسنا، أهميته، وكيفية تسخيره” الصادر عام 2021، يقول عالم النفس والأكاديمي في جامعة ميشيغان الأميركية إيثان كروس، الذي يعد أحد أبرز الخبراء في مجال دراسات العقل الواعي، إن بحوثًا كثيرة تظهر أننا أفضل بكثير في تقديم المشورة للآخرين من أنفسنا.
ويضيف أن من المفيد التفكير في نفسك كما لو كنت شخصا آخر، وتتمثل إحدى طرائق القيام بذلك في استخدام “الحديث الذاتي البعيد”، وكذلك في “تدريب نفسك كما لو كنت تنصح صديقا؛ استخدم اسمك الخاص: فلان، كيف تفعل هذا؟ وقد تكتشف أن الأمر بسيط، مثل إخبار نفسك: يمكنني القيام بذلك”.
ويُطمئن كروس قراء كتابه بأن ثرثرتهم الداخلية الصامتة مع أنفسهم لا تدل على أنهم من غريبي الأطوار، لأن الكل يتحدث مع نفسه في الخفاء، لكن الفارق هو في درجة قوة هذه الأحاديث أو ضعفها، فضلًا عن طبيعتها ومدى تأثيرها في ذهن الفرد وسلوكه.(الجزيرة)