قانون الشراء العام ينهي عهد عمولات الوزير والصفقات المشبوهة ..هل يطبّق؟
أُقرّ قانون الشراء العام في الجلسة التشريعية، وهو يشكّل مطلبًا دوليًا وشرطًا لأيّ تمويل واستثمارات أجنبية، ويعتبر من أهمّ القوانين التي أقرت في لبنان، لماذا؟
بكل بساطة لأنّ قانون الشراء العام يُخضع كل مشتريات الدولة بدءًا من الحاجيات المكتبية اليومية، وصولًا إلى المشاريع الكبرى، كالمدارس والمستشفيات والمطارات ومحطات الطاقة والقطارات والمرافىء وغيرها، إلى آلية شفافة، تنهي عهود صفقات التراضي وفوضى المناقصات التي ترسو على متعهد محظوظ، والتي أدّت إلى هدر المال العام ومراكمة الثروات الخاصة.
القانون مطلب دولي
“القانون عصري، يأتي بعد 62 عامًا على استخدام قانون قديم، يحاكي مبدأ الشفافية في المناقصات العمومية، تمّ وضعه بالتعاون مع منظمة التعاون الإقتصادي والتنمية (OECD) والبنك الدولي الوكالة الفرنسية للتنمية(AFD) والإتحاد الأوروبي. يوحّد نظام الشراء في الدولة، بدل أن تعمد كل إدارة لشراء لوازمها بمعزل عن المؤسسات الأخرى، يتم إجراء مناقصة واحدة لكل الأصناف التي تحتاجها كل إدارات الدولة، بما يتيح الحصول على أسعار جيدة، والأهم إقفال الباب على المحسوبيات والصفقات المشبوهة وشبهات الفساد التي شابت منظومة الشراء العام، وكل من يتعامل بالمال العام سيكون خاضعاً لهذا القانون” يقول مقدم الإقتراح ورئيس اللجنة التي درسته النائب ياسين جابر في حديث لـ “لبنان 24”.
القانون ينهي العمولات الشهيرة
المجتمع الدولي لم يشترط إقرار هذا القانون فحسب، بل واكب مساره، منذ أن بدأت اللجنة الفرعية بدراسته، وكان الموفد الفرنسي السابق بيار دوكان يجري اتصالات دورية بالنائب جابر ليسأل عن مسار القانون، كذلك البنك الدولي والإتحاد الأوروبي والمسؤولين الأميركيين المعنيين بالملف اللبناني، بحسب ما كشف جابر، معتبرًا أنّه في قائمة أهم القوانين التي أُقرّت لمستقبل لبنان، بالإضافة إلى قانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص “وفخور بأنّني قدّمتهما كاقتراحات قوانين وعملت عليهما. فلبنان لن يكون لديه فرنك في موازنته، وكل الإستثمارات والمشاريع ستكون بناءً على شركات أجنبية، والأخيرة لا يمكن أن تدخل باستثمارات وتمويل، بغياب قانون شفّاف يمنح فرصًا متكافئة، وينهي حاكمية الوزير المطلقة في وزاراته وفي مسار المناقصات وشبهاتها”.
إيطاليا تسأل عن مصير مناقصة الغاز
يكشف جابر عن واقعة حصلت تُثبت شبهات الفساد في المناقصات، التي وصل صيتها إلى العالم “منذ شهر إلتقيت نائبة وزير خارجية إيطاليا نيابة عن الرئيس نبيه بري، فضلًا عن الملف الحكومي، كانت حريصة عن سؤالنا عن مصير المناقصة التي أجراها لبنان عام 2018 لاستقدام بواخر غاز، بحيث فازت الشركة الإيطالية ENI المتحالفة مع قطر بتروليوم، وتمّ تجاهل فوزها بالكامل”. قانون الشراء العام أتى لينهي هذا التفلت في الصفقات العمومية، وعمولات الوزير التي لم تعد خافية على أحد في الداخل والخارج.
وفق قانون المناقصات المعمول به في لبنان، كان مبدأ التصنيف يقفل الباب على الأجنبي، “القانون الجديد ألغى هذه الإشكالية، بحيث أتحنا إمكانية ( (DBOT Design Build Operate Transfer بما يسمح للشركة الراغبة أن تقدّم التصاميم. وأدخلنا كذلك مفهومًا حديثًا، هو مفهوم التأهيل، بحيث تتم دعوة الشركات ومعرفة أهليتها، إذ لا يكفي أن تكون الشركة مصنّفة بل مؤهلة للمشروع”.
تبدو الحاجة للقانون ملحّة في الوقت الراهن، بحيث تتقدم شركات ألمانية وروسية وغيرها لإعادة أعمار مرفأ بيروت، وهنا دعا جابر لفتح المجال من خلال الإعلان عن مشروع إعمار المرفأ “ولتتنافس الشركات العالمية بكل شفافية. كذلك الحال بموضوع إنشاء مصفاة نفطية، بحيث تقدّمت شركة روسية، يجب في هذه الحال أن يجتمع المجلس الأعلى للشراكة والخصخصة، ويعلن أنّ لبنان بصدد إنشاء مصفاة ولتتقدم الشركات الراغبة، بدل أن تحصر بشركة واحدة”.
منصّة للإعلان عن المناقصات ونتائجها
القانون الجديد ينهي الضبابية في الإعلان عن المناقصات، بحيث كانت تنشر في الجريدة في وقت محدد بينما القانون الجديد يوضح جابر “اعتمد نظام المنصة، وبات لزامًا الإعلان عن كلّ المناقصات في لبنان، بحيث تُنشر حكما على المنصة وتنشر نتائجها كذلك، بالتالي أضحى هناك مكان واحد لمعرفة كلّ ما يتعلق بالمشتريات العامة، تحت طائلة إلغاء المناقصة في حال لم تنشر، بخلاف ما كان يجري، بدليل عقد سوناطراك السري بمدة تزيد عن 15 عامًا”.
هيئة للشراء العام من المؤهلين
القانون الذي يعمل التيار الوطني الحر على الطعن به، ينص على تشكيل هيئة مستقلّة للشراء العام من خمسة أعضاء، يعينون في مجلس الوزراء، لكن وفق آلية شفافة وليس بشكل عشوائي يوضح جابر”بحيث يتقدم الراغبون بطلبات إلى مجلس الخدمة المدنية، تدرس الملفات وتُجرى المقابلات من قبل لجنة، تضم رئيس مجلس الخدمة المدنية ورئيس هيئة التفتيش المركزي ورئيس ديوان المحاسبة، إضافة إلى رئيس هيئة مكافحة الفساد، يتم اختيار المؤهلين وتُرفع الأسماء إلى مجلس الوزراء، وملزم أن ينتقي منهم. يبدو أنّ آلية التعيين هذه لم تعجب البعض، وطلب هؤلاء أن يُتاح للوزير المعني إضافة عدد من الأسماء، وعندها تنتفي الآلية. كما خلقنا هيئة الاعتراضات وهي مؤلفة من خبراء تنظر في الإعتراضات بسرعة، وتحسمها خلال عشرة أيام، خصوصا أنّ الإعتراض قد يستغرق سنتين في مجلس شورى الدولة، وفي حال أثار قرار الهيئة اعتراض الفرقاء، عندها يتم الذهاب إلى شورى الدولة”.
مرحليًا مدير إدارة المناقصات يشغل رئاسة الهيئة
ولعدم تعطيل تنفيذ القانون بحجة آلياته التطبيقية، أدخلنا أحكامًا للفترة الإنتقالية، بموجبها تصبح إدارة المناقصات الحالية بمثابة الإدارة الجديدة لهيئة الشراء العام، لحين الإنتهاء من الملاكات، وعليه يصبح مدير إدارة المناقصات رئيس الهيئة في الفترة الإنتقالية، لإقفال الباب على إمكانية تعطيل آلية المناقصات، وبالتالي المراسيم السابقة سارية لحين صدور مراسيم بديلة”.
قانون الشراء العام وقانون الشراكة يكمّلان بعضهما البعض، ويشكّلان مرتكزًا إصلاحيًا حقيقيًا في لبنان ينهي عهد العمولات والصفقات المشبوهة، “ولكن تبقى العبرة في التطبيق” يقول جابر، متحدّثًا عن رحلة القانون الطويلة وصولًا إلى إقراره في الهيئة العامة “منذ سنتين تحدّثنا مع الزملاء حول وجوب صياغة قانون للشراء العام، ثم علمنا أنّ معهد باسيل فليحان يحضّر قانون حديث مع المجتمع الدولي، بعد استقالة الحكومة على خلفية ثورة 17 تشرين واستحالة تقديم مشروع قانون من الحكومة، قدّمته كاقتراح قانون، وكان الرئيس نبيه بري عامل مساعد من خلال تحويله مباشرة إلى اللجان المشتركة بدل أن يدرس في لجان عدّة، بدأنا رحلة مناقشته بورش عمل، جمعنا خلالها كلّ هيئات المجتمع الدولي والنقابات بمشاركة مئة شخصية، ثم ناقشناه على مدى 45 جلسة في اللجنة الفرعية في المجلس النيابي، والزملاء أبدوا كل حماسة رغم تحديات كورونا، بحيث أصيب أربعة من اعضاء اللجنة، ورغم تضرر مبنى المجلس من جرّاء انفجار المرفأ استكملنا درس الإقتراح، أنجزناه وأُحيل إلى اللجان المشتركة، بحيث أبدى نائب الرئيس إيلي الفرزلي الحرص على إقراره “.
lebanon24.