هل تثمر حركة باسيل عودةً لوزرائه إلى الحضن الحكومي؟
كتب اندريه قصاص:
مَن رأى رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل جالسًا وجهًا لوجه مع رئيس تيار المردة” الوزير السابق سليمان فرنجية لم يستغرب كثيرًا. وكذلك لن يستغرب أن يزور معراب من زار بنشعي بالأمس، وإن كان ذلك من سابع المستحيلات ، لأن رئيس “التيار البرتقالي” مستعد للجلوس مع أي كان، حتى ولو كان من ألدّ أخصامه في السياسة، ولكن ليس مع رئيس “القوات” الدكتور سمير جعجع. وقد يكون الشعور متبادلًا، “لأن معراب تعتبر ما يُسمّى بـ “مبادرة وطنية” يقوم بها باسيل ليست سوى المزيد من إلهاء اللبنانيين وتضييع الوقت ليس إلاّ”. فالقاصي يعرف ربما أكثر من الداني أن أي تحرّك داخلي في هذا التوقيت بالذات لن يجدي نفعًا، لأن هذا الداخل “مغلوب على أمره”، ولا حول ولا قوة له للتأثير على مجريات التطورات المتسارعة والخطيرة جدًا، والتي لها أبعاد دولية وإقليمية، وأكبر بكثير من تحرّكات لا جدوى منها ولا طائل.
لنفترض أن فرنجية سأل باسيل عن الأسباب الحقيقية لعدم دعم انتخابه لرئاسة الجمهورية، فبماذا يمكن أن يجيبه. وقبل هذا السؤال الافتراضي، كيف كان من الممكن أن يجيب من يحاول اليوم إثبات حضوره السياسي عن سؤال لرئيس الحكومة نجيب ميقاتي عن سبب عدم السماح لوزراء “التيار العوني” بحضور جلسات مجلس الوزراء، التي لا تُعقد إلاّ عند الضرورة القصوى. فمن يقاطع الجلسات الحكومية لأسباب واهية أمام هول ما يحصل في الجنوب من خطر إسرائيلي داهم، وما يعانيه لبنان من خطر وجودي على تركيبته الديموغرافية بسبب النزوح السوري الجديد والكثيف، كيف له أن يُقنع الآخرين بمبادرته، وهو الذي كان يرفض مبادرات الآخرين، وبالأخصّ في ما يتعلق بالأزمة الرئاسية المطوية والمنسية إلى أجل غير مسمّى.
ولكن يجب أن يعترف المرء أن لباسيل قدرة غير طبيعية على الإيحاء للآخرين بأنه قادر على تخطّي ذاته ومصالحه الشخصية عندما يتعلق الأمر بـ “المصلحة الوطنية العليا”، وبأن في استطاعته أن يكسر الحواجز السياسية. وما زيارته لبنشعي سوى لمزيد من ذرّ الرماد في عيون اللبنانيين، الذين لم تعد تنطلي عليهم هذه “الحركات”، والتي لا يمكن أن يُقال عنها سوى أنها “حركات في غير مكانها الصحيح، لأنهم يعرفون أن ما يُسمى بـ “مبادرة وطنية” لن يكون لها وقع فعلي على أرض الواقع، لأن “قرار الحرب والسلم” ليس في يد أي أحد في الداخل، ولا حتى في يد “حزب الله” في هذا الظرف الاقليمي الشديد التعقيد، على حدّ الذين لا يتفقون معه لا في السياسات العامة ولا في الاستراتيجيات، ويقولون بأن هذا القرار هو اليوم بين أيدي طهران المعنية الأولى بما يجري في غزة حاليًا وما يُرتكب من مجازر في حق أهلها، وما يمكن أن تؤول إليه الأمور في الجنوب في حال قرر العدو الإسرائيلي غزو غزة برًّا.
فالذين يطّلعون على بعض ما يدور من أحاديث بين باسيل ومن يزورهم لا يسعهم سوى الانبهار من قدرته على تطبيق السياسة اللبنانية بما فيها من هروب إلى الأمام، وما فيها من أمثلة لبنانية موروثة من حقبة الاحتلال العثماني للبنان، ومن بينها “الأيد يللي ما فيك عليها بوسا ودعي عليها بالكسر”، أو “مين ما أخد أمي صار عمي”. وغيرها الكثير من هذا النوع من الأمثال التي يبدو ظاهرها على عكس حقيقة بواطنها.
بعض الذين لم تبهرهم “حركات” باسيل وصفوا ما يقوم به بأنه “ظهور اعلامي” ليس إلاّ، وأن غاياته الأساسية بدأت تتكشف، وهي “القوطبة” على ما تقوم به السفيرة الأميركية من اتصالات لإقناع من يجب إقناعهم بالتمديد لقائد الجيش العماد جوزاف عون، وذلك عبر عزفه على وتر رئاسة الأركان، وما يعنيه هذا الأمر للزعيم الدرزي وليد جنبلاط.
إلاّ أن اللقاء الوزاري التشاوري، الذي عُقد بالأمس في السرايا ، بدعوة من الرئيس ميقاتي، كشف بما لا يقبل الشك بأن جميع الأطراف، من هم في الحكومة ومن هم خارجها، بأن الوضع دقيق جدًّا، وأن لا بدّ من أن يجلس اللبنانيون مع بعضهم البعض، أقّله لجهة التفكير في ما يُمكن أن يُتخذ من إجراءات للتقليل من الأضرار، التي قد تلحق بلبنان في حال لم يكن بدّ من تجنّبها.
فإذا كان حضور عدد من وزراء “التيار الوطني الحر” هذا اللقاء كمقدمة للعودة إلى الحضن الحكومي يكون “تقريش” مبادرة باسيل قد بدأ يثمر في مكان ما، على أن يبقى الأساس، وبالأخصّ في هذه المرحلة المفصلية، ذهاب الجميع إلى “ساحة النجمة” وانتخاب رئيس للجمهورية.