هل يسمح البيت الابيض بحكومة في لبنان في الوقت الضائع؟
ما إن يضخّ أي جوّ إيجابي باقتراب تشكيل حكومة جديدة، حتى تخرج إلى العلن عراقيل تجعل عملية التأليف تراوح مكانها. الأمر الذي يستدعي في ظل حالة “الصمت” التي لم يعتدها اللبنانيون، تبادلاً للإتهامات التي لا يعبر عنها “على البلاطة” أي كما هي. بل يصاغ الردّ بطريقة تخفي بأكثر مما تعلن.
وبغض النظر عن تعمد “سادة الـتأليف” تكرار التأكيد على “الأجواء الإيجابية” لعملية التأليف، فإن الواقع يأتي منافياً لكل البيانات والتصريحات الإعلامية التي تحاول إشاعة العكس.
فمسار التأليف يخضع اليوم للكثير من العقبات التي يبدو أن لا حلّ سحرياً لها، خاصة أن العقوبات الأميركية على جبران باسيل جاءت لوضع العصي في الدواليب، والأخطر من ذلك، أنها أعادت خلط الأوراق تاركة الأفرقاء يعيدون حساباتهم ويعيدون قراءة دفاتر شروطهم.
هكذا، أتت زيارة موفد الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، بلا أي أمل في دفع عملية التأليف الى الأمام. بل العكس، جاءت في سياق الضغط الأميركي لاستيلاد حكومة بلا “حزب الله” عبر سيف العقوبات والتهديد بعقوبات أخرى جاهزة، وهو الشرط الأميركي الواضح، الأمر الذي يعني أن لا حكومة في الأفق. لماذا؟
تفصح كل المؤشرات إلى أن الموفد الفرنسي ووجه بواقع سياسي بات شديد التعقيد انطلاقاً من تمسك القوى اللبنانية برفع سقف مطالبها. ويقوم هذا التمسك في اتجاهين متقابلين يستندان إلى رفع حالة المواجهة الى الحد الأقصى. ففريق الثامن من آذار عبرّ من خلال إطلالة الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصر الله، عن نية واضحة بعدم الرضوخ للضغط الأميركي، وإن تضمنت الكلمة تمنياً بتأليف الحكومة بأسرع وقت. إلا أن الثناء على باسيل يعني في المحصلة دعم شروط ومطالب رئيس “التيار الوطني الحر” في عملية التأليف، والإيحاء بأن 8 آذار وتحديداً “حزب الله” لم يمرر أي صيغة حكومية تقفز فوق شروط “التيار”.
أما فريق 14 آذار، فإنه على شفى تكرار تجربة مصطفى أديب. فالرئيس الحريري قد يستند إلى جو الضغط لتحصيل تنازلات من عون و”حزب الله” تتيح له تأليف الحكومة كما يريد. وهذا ما لن يحصل في ظل رفع سقف المواجهة عند الخصوم.
وفي حال تم الإتفاق على صيغة وسط بين الطرفين، فإن عقبات أخرى ستعتري عمل “حكومة المهمة”، أولها البيان الوزاري والموقف من سلاح “حزب الله” وإسرائيل. وهو ما يتوقف عليه شكل التفاعل الخليجي مع الحريري وحكومته، والذي من المرجح ألا يشذّ عن السياق العام للصراع الأميركي – الإيراني في المنطقة.
وإزاء كل هذه المعطيات يبدو أن تأليف حكومة جديدة ينتظر أن تتضح أكثر صورة وموقف الإدارة الأميركية الجديدة، التي ستغرق هي الأخرى في مشكلات يعمل ترامب على افتعالها لتوريط خلفه.
وإذا سمحت الإدارة الأميركية بتمرير حكومة لبنانية في الوقت الضائع، فإن لا شيء يضمن ألا تعود حليمة إلى عادتها القديمة. أي حكومة اختصاصيين تركن للمحاصصة الطائفية والطريقة الفاشلة في إدارة ملفات بلد شعبه غارق في أزمات يظهر أن لا خروج منها إلا بقدرة قادر.
lebanon24.