لبنان في “قصر المهاجرين”.. هل يُحدِث الزلزال ارتجاجاتٍ سياسيّة؟
جاء في “الراي” الكويتيّة:
… لبنان الرسمي في قصر المهاجرين بـ«اندفاعةٍ مفرطة» بدا معها أنه محا الخيْطَ الفاصلَ بين الدعم الإنساني لسوريا المنكوبة بالزلزال المدمّر وبين التطبيع السياسي مع نظام الرئيس بشار الأسد… ونائب وزير الخارجية الإيرانية كبير المفاوضين بالملف النووي علي باقري يضع «بلاد الأرز» في «مَرْكب واحد» مع طهران بمواجهة «الحصار الجائر والظالم» من «أعداء المنطقة»، ومحدّداً لـ«لبنان والمقاومة» ما هو أشبه «دفتر مهمات» يتقدّمها «أن يبقيا دائماً في موقع القوة والاقتدار في مواجهة مَن يحاول ان يفت من عضد المقاومة ويضعف من إرادة الشعب والدولة واللبنانية».
عنوانان بارزان أمس كسرا الانكفاءَ شبه التام للعناوين السياسية أمام هول الفاجعة الطبيعية التي ضربتْ تركيا وسوريا ولم تنجلِ بعد كل حصيلتها الدراماتيكية من الضحايا، وبينهم لبنانيون «انقضّتْ» عليهم الأرض، ليبقى العشرات في عداد المفقودين وتتراجع حظوظ بقائهم على قيد الحياة كلما انقضى الوقت.
وفيما كان اللبنانيون فخورين بمساهماتِ وحدات من الجيش والصليب الأحمر والدفاع المدني وفوج إطفاء بيروت التي أُرسلت إلى تركيا وسوريا في إنقاذ عالقين تحت الأنقاض، ويتابعون بفرحٍ أخبار انتشال أمّ وأطفالها الثلاثة (عائلة محمد مصطفى عجاج) وهم بصحة جيدة (في تركيا) وكذلك المواطن باسل حبقوق (كان عالقاً تحت أنقاض فندق في أنطاكيا) والعثور على الشابة فاطمة زكريا حيةً، فإنّ «أخبار الزلزال» لم تلبث أن نافستْها خطوةٌ من لبنان الرسمي في اتجاه نظام الرئيس الأسد تفيأت قرار الدعم الإغاثي للشعب السوري لفتْح مسارٍ من التواصل المباشر غير المسبوق مع دمشق وبـ «غطاء» من الحكومة ورئيسها نجيب ميقاتي ومختلف مكوّنات قوى الموالاة.
ولم تكن عابرةً زيارة الوفد الوزاري اللبناني الرباعي لدمشق ولقائه الرئيس السوري، فيما كان الزلزال يُحْدِث ارتجاجات سياسية دولياً، في ظلّ محاولاتٍ غربية لتفادي جعْل إغاثة الشعب السوري بوابةً لتعويم النظام ولـ «تَشَقُّق» جدار العقوبات الذي يشكله «قانون قيصر»، وعلى وقع تأكيد واشنطن أنها تعمل مع منظمات غير حكومية محلية في سوريا لمساعدة ضحايا الزلزال رافضةً أي علاقة بالحكومة في دمشق، في موازاة إعلان وزير الخارجية السوري فيصل المقداد «ان الدولة السورية مستعدّة للسماح بدخول المساعدات لكل المناطق، شرط ألّا تصل إلى الجماعات المسلّحة الإرهابية».
وعلى هذا «الصدَع» أتت زيارة الوفد اللبناني الذي كلّفه ميقاتي وترأسه وزير الخارجية عبدالله بو حبيب وضمّ وزير الأشغال علي حمية، وزير الشؤون الاجتماعية هكتور حجار ووزير الزراعة عباس الحاج حسن وكبار المستشارين والمسؤولين في الوزارات الأربع.
وبعد لقاء مع وزير الخارجية السورية فيصل المقداد أكد خلاله الوفد «تضامن لبنان مع الشعب السوري في هذه المحنة بالإمكانات المتاحة للمساعدة في مجالات الإغاثة»، كان اجتماعٌ مع الأسد لساعة من الوقت، تناول الدعم الإنساني، وتخلله تقديم التعازي باسم ميقاتي للرئيس السوري.
وعن اللقاء مع الأسد، قال وزير الشؤون الاجتماعية: «سردنا تاريخيّاً كيف وقفت سوريا إلى جانب لبنان، وكيف وقف لبنان بجانبها خلال الحرب، واستقبل النازحين من دون شرط أو قيد»، موضحاً أن الوفد أكد للأسد أنّنا «سنُكمل اليوم دعمَنا لسوريا، فالشرق الأوسط مناطق لقاء، ومن هنا خرجتْ الديانات السموية، وعلاقتنا كدول تتخطّى المصالح ومبنية على القيم».
ورغم أن الزيارةَ وُضعت تحت عنوان «عقد لقاءات مع المسؤولين السوريين تتناول الشؤون الانسانية وتداعيات الزلزال المدمّر الذي تضرّرت بسببه مناطق عدة في سوريا»، فإن تردداتها السياسية بدأت بالظهور في بيروت مع صدور أصوات تحذّر من استغلال المسألة الإنسانية في أجندات سياسية.
وإذ استوقف أوساطاً متابعة غياب وزراء «إغاثة» عن الوفد إلى سوريا، مثل وزير الصحة فراس أبيض، وأيضاً عدم مشاركة وزير الداخلية بسام مولوي، أو البيئة ناصر ياسين، في ما بدا «نأياً بالنفس» عن مسار تطبيعي يُخشى أن يكون مدجَّجاً بـ «ألغام» سياسية، غرّد النائب التغييري إبرهيم منيمنة، منتقداً «برسم الحكومة: هل زيارة الوفد الوزاري هي لتطبيع العلاقة مع نظام الأسد أم حرْصاً على الشعب السوري ولاغاثته؟ وإن كان لإغاثته ما جدوى زيارة قصر المهاجرين؟ ألم يكن الأجدى إرسال المساعدات والدعم الى المناطق المتضررة مباشرة؟ وهل هناك مَن يسعى لاستغلال المعاناة لأجندات سياسية إقليمية؟».
وكانت مصادر حكومية معنية استغربت ما اعتبرتْه «حفلة مزايدات واتهامات» انطلقت منذ الاثنين «وكأن البعض لا يريد أن يسمع الموقف الحكومي أو يتقصد إلقاء التهم جزافاً في هذا الملف واستغلال مأساة إنسانية كبيرة للتصويب السياسي الرخيص»، مشددة «على ان الموقف اللبناني الرسمي انطلق من اعتبارات إنسانية بحت، ولا علاقة له بالتأويلات السياسية التي يسعى البعض لإسقاطها على الخطوة، وخصوصاً أن الواقع اللبناني محكوم باعتبارات خارجية يصعب تجاوزها وتحتّم المقاربات الحذرة في كل المواضيع منعاً لتعريض لبنان لأخطار شتى هو في غنى عنها وعن تداعياتها عليه على مختلف المستويات».