قصة سيّدة في لبنان تُدمي القلوب.. هكذا تواجه أصعب “مجزرة” صحيّة!
نشر موقع “الحرة” تقريراً جديداً تحت عنوان: “مخاوف من “مجزرة” صحية في لبنان وسط الأزمات المتلاحقة”، وجاء فيه:
لم تكتمل فرحة نانسي الدويدي التي أنجبت قبل عشرين يوما توأمين، فإضافة إلى ولادتها المبكرة (في الشهر السابع)، وحاجة طفليها إلى عناية صحية أوجبت بقاءهما في إحدى مستشفيات لبنان، فُرض عليها تكبد عناء البحث عن عبوات حليب لهما بعد فقدانها من الصيدليات.
لجأت نانسي إلى مواقع التواصل الاجتماعي كما العديد من الأمهات في محاولة للعثور على ضالتهن سواء من حليب الأطفال أو الأدوية، وذلك بعد انقطاع معظمها من الصيدليات لاسيما تلك التي لا تزال مدعومة جزئياً، وتقول لموقع “الحرة”: “يحتاج طفلاي إلى نحو أربع عبوات حليب في الأسبوع، سعر الواحدة منها قبل رفع التسعيرة يوم أمس الخميس، 365 ألف ليرة، ما يعني أنه يترتب على زوجي تأمين نحو مليون ونصف المليون ليرة أسبوعياً هذا عدا عن رحلة البحث للعثور عليها، والتي تحتاج إلى جهد كبير كوننا في سباق مع الوقت لتأمين ولو عبوة واحدة قبل نفاد الكمية المتوفرة لدينا”.
قبل أيام، تفاقمت أزمة الأدوية وحليب الأطفال في لبنان، نتيجة ارتفاع سعر صرف الدولار الذي تجاوز عتبة الـ 46 ألف ليرة، ما دفع الشركات المستوردة إلى التوقف عن تسليمها للصيدليات، ومن سلّم منها فبكميات قليلة لا تكفي حاجة السوق، بانتظار وضع وزير الصحة في حكومة تصريف الأعمال فراس الأبيض مؤشر جديد للأسعار، حيث طالب نقيبا الصيادلة والشركات المستوردة للأدوية وأصحاب المستودعات في بيان مشترك بضرورة “إصدار وزارة الصّحة العامة مؤشراً أسبوعياً للأسعار، عملاً بالقرارات الوزارية المعنيّة”.
واعتبر النقيبان أن “عدم الأخذ بهذا الموضوع الفائق الأهمية سيؤدي إلى عدم تأمين استمرارية تزويد السوق بالدواء، وحتماً إلى تعثّر المؤسسات الصيدلانية عامة، وإلى عجزها عن متابعة تلبية حاجات المرضى اللبنانيين”، مشددان على أن “موضوع تحديث جداول أسعار الأدوية، لا يتعلّق فقط بالعملية المالية أو بمؤشرات الرّبح والخسارة، بل هو يهدّد قدرة المؤسسات الصيدلانيّة كافة على الاستمرار. فإذا استمرّت هذه المؤسسات ببيع الدواء على سعر صرف منخفض، فهي لن تعود قادرة على تجديد مخزونها. وإن تكرار هذه العملية سيؤدي إلى عواقب وخيمة، منها الإفلاس الحتمي للمؤسسات الصيدلانيّة وتوقفها التّام عن العمل”.
صرخة النقيبين لقيت آذاناً صاغية من قبل وزير الصحة، الذي رفع مؤشر سعر صرف الدولار الذي تصدره وزارة الصحة من 41 ألف ليرة إلى 45 ألف ليرة، ليكتب على المواطنين تحمّل المزيد من الأعباء، فقبل التسعيرة الجديدة عجز عدد كبير منهم عن تأمين ثمن الحليب أو الأدوية فكيف مع الارتفاع الجديد للأسعار.
“بورصة” أسعار
قبل يومين، قصدت نانسي المستشفى للاطمئنان على طفليها، فأطلعها الطبيب أنه بإمكانها اصطحاب رضيعتها التي لم تعد تحتاج إلى عناية صحية، على أن يبقى رضيعها لأيام إضافية، لكن يتوجب عليها دفع 50 مليون ليرة، وهو (فرق الوزارة)، تقول بغصة: “أطلعت المحاسب أني لا أملك المال، وعندما أؤمن المبلغ آتي لأخذها، وكذلك الحال في ما يتعلق بشقيقها الذي لا أعلم كم ستبلغ فاتورته الاستشفائية، أو فليبقيا في المستشفى حتى يكبرا وحتى يتمكنا من المشي والقدوم إلى المنزل”.
تتساءل نانسي: “من أين لي الملايين لدفعها، وزوجي قصّاب يوميته 300 الف ليرة، بالكاد تكفي ثمن عبوات الحليب التي يحتاجانها، مع العلم أن لدينا كذلك ثلاث طفلات علينا تأمين أقساطهن المدرسية وطعامهن وكسوتهن، إضافة الى بدل ايجار البيت البالغ مئة دولار وغيرها الكثير من الحاجيات”.
تعبّر ابنة طرابلس (سكان برجا في محافظة جبل لبنان، مسقط رأس زوجها)، عن استيائها من رفع أسعار حليب الأطفال والأدوية، قائلة: “أي سلطة هذه التي تعجز عن إيجاد حلول لأزمة مستمرة منذ ثلاث سنوات، وتتعمّق كل يوم أكثر، وكيف سنتمكن من الصمود والانهيار وصل إلى حدود لم يعد بإمكان المواطن تحملها، وفوق هذا رفع وزير الصحة بكل بساطة مؤشر أسعار الأدوية، بدلاً من أن يلجم المسؤولون الارتفاع الخيالي لسعر صرف الدولار، لا بل بشرنا الوزير أنه سيتم وضع تسعيرة اسبوعياً، ما يعني أن الأسوأ بانتظارنا”.
“مجزرة” صحية
في المقابل، فقد أمضت الصحافية كلاديس صعب متنقلة من صيدلية إلى أخرى وهي تبحث عن أدوية لها ولوالدتها وشقيقها، وتقول: “ما يحصل مجزرة بحق المرضى، فالأمر لا يقتصر على المسكنات، بل يطال أدوية الأمراض المزمنة كالضغط والقلب والسكر، فحتى بديلها المحلي غير متوفر بعد رفع الدعم الجزئي عنه حيث يعتمد في تصنيعه على مواد أولية مستوردة، وكأنه لا يكفينا الأسعار الخيالية التي وصلت إليها حتى تفقد مجدداً من الأسواق”.
تنتظر كلاديس سفر أحد معارفها إلى تركيا لتوصيه بشراء الأدوية التي تحتاجها وعائلتها، ورغم وجود شركات استنهزت الأزمة لجني الأرباح، حيث تأخذ على عاتقها تأمين البدائل للمواطنين إلا أنه كما تقول “أخشى من طرق أبوابها فلا أعلم من أين تأتي بالدواء ومدى فعاليته، لاسيما وأنها شركات غير مرخص لها من قبل وزارة الصحة، كما أن معظمها يستورد الأدوية من إيران وسوريا”.
قبل فترة، اضطرت كلاديس كما تقول إلى شراء دواء سكر محلي الصنع إلا أنه “تسبب بعوارض جانبية لي كالغثيان، ذهب ثمنه البالغ 500 الف ليرة أي حوالي 11 دولار هباء، وبعد رحلة بحث منهكة توصلت إلى صيدلاني يمكنه استيراده من فرنسا بسعر 55 دولار”. واللافت كما تقول أن “معظم الأدوية جرى شطب تسعيرتها التي سبق أن تم وضعها على العبوة، ما يعني أنها كانت متوفرة في الصيدليات وجرى حجبها عن المرضى بانتظار رفع وزارة الصحة لمؤشر الأسعار، ومنها ما اقترب تاريخ انتهاء صلاحيتها وهذا دليل آخر على تمنّع الصيدليات عن بيعها لتسجيل مزيد من الأرباح في بورصة الأسعار”.
أحد الصيادلة أكد لموقع “الحرة” أن الأدوية وحليب الأطفال غير المدعومين متوفران، على عكس المدعوم جزئياً منهما، وبعد اصدار مؤشر جديد للأسعار، ننتظر أن تسلمنا الشركات المستوردة حاجتنا”، آملاً ألا تتكرر المشكلة من أجل صحة المرضى أولاً وتمّكن الصيدليات من الصمود في ظل الأوضاع الصعبة التي تمر بها كل القطاعات.
وتستورد شركات الأدوية الدواء بالعملة الأجنبية، حيث تقوم وزارة الصحة كما يشرح نقيب مستوردي الأدوية كريم جبارة “بتحديد سعره ومؤشر تسعيرة صرف الدولار وارباح الصيادلة” مضيفاً في حديث لموقع “الحرة” أن “المشكلة تكمن في عدم ثبات سعر صرف الدولار في السوق السوداء، وهو مشكلة مالية يجب معالجتها من اجل كل القطاعات وليس فقط القطاع الصحي”.