البلاد إلى الفوضى… وميقاتي لإدارة الأزمة وانتخاب رئيس*
جاء في “الجمهورية”:
مع اضمحلال الأمل في انتخاب رئيس جمهورية جديد او تأليف حكومة جديدة تملأ الفراغ الرئاسي الذي بات حتمياً، حيث تنتهي الولاية الرئاسية الاثنين المقبل، تتجّه البلاد إلى الدخول في مرحلة من الفوضى السياسية والدستورية، إذا لم يسارع المعنيون إلى تلافيها والاتفاق على انجاز الاستحقاق الرئاسي. وقد برزت المؤشرات إلى هذه الفوضى من خلال ما شاع قرار لوزراء «التيار الوطني الحر» بمقاطعة حضور جلسات حكومة تصريف الاعمال والاجتماعات الوزارية، وكذلك مقاطعة زيارات رئيس الحكومة نجيب ميقاتي الخارجية، فيما تردّد انّ رئيس الجمهورية ميشال عون قد يوقّع مرسوم استقالة الحكومة المستقيلة اصلاً وتصرّف الاعمال منذ بداية ولاية مجلس النواب الحالي في ايار الماضي.
وقالت مصادر مطلعة لـ»الجمهورية»، انّ تلويح عون باحتمال إصدار مرسوم اعتبار حكومة تصريف الاعمال مستقيلة، هو دليل ضعف في الموقف وليس دليل قوة، لأنّ هذه الخطوة غير دستورية، فيما مرسوم قبول استقالة حكومة مستقيلة لا يصدر دستورياً إلّا مرفقاً بمرسوم تأليف الحكومة الجديدة تلافياً لأي فراغ حكومي.
وأضافت هذه المصادر، انّ موقف ميقاتي الذي ستتولّى حكومته صلاحيات رئاسة الجمهورية بالوكالة إلى حين انتخاب رئيس جديد، هو موقف قوي يستند إلى دعم مجلس النواب وتفهّم البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي وحزب «االقوات اللبنانية» وعلاقته الطيبة وغير السلبية معهما. كذلك يستند إلى الدعم العربي والذي يتصدّره الدعم المصري، وإلى الموقف الاميركي والفرنسي والغربي عموماً، الذي لا يريد حصول أي فراغ حكومي في لبنان إلى جانب الفراغ الرئاسي.
واكّدت هذه المصادر، انّ كل هذه العوامل تضمن عدم ذهاب الساحة اللبنانية الى فوضى، وتجعل رئيس «التيار الوطني الحر» في موقع المحتاج إلى تدوير الزوايا والخروج من دائرة الشخصنة في التعاطي مع القضايا المطروحة، علماً انّ اللقاء الذي انعقد بينه وبين الامين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله مساء الاربعاء لم ينته الى النتائج المرجوة على مستوى ما هو مطلوب لتسهيل انجاز الاستحقاقات المطروحة.
واكّدت المصادر، «انّ ميقاتي ليس لديه اي توجّه او نية لتحدّي احد او فرض خيارات على احد، كذلك ليس في وارد خوض كباش مع احد، وانّ ما يهمّه هو العمل على معالجة الأزمة او ادارتها بأفضل الطرق، إلى حين انتخاب رئيس جمهورية ووضع البلاد على سكة التعافي في ظلّ السلطة الجديدة التي ستقوم في ضوء تولّي الرئيس العتيد صلاحياته الدستورية».
بوادر انشقاق عوني
وفي غمرة التطورات المتسارعة التي تتحدث عن بوادر أزمة حكومية مع مغادرة عون قصر بعبدا إلى الرابية، كشفت مصادر مطلعة لـ»الجمهورية»، انّ رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل جمع 9 وزراء في غداء عمل أقامه في مركز قيادة التيار، خصّصه للبحث في قراره مقاطعة أعمال الحكومة ما ان تتولّى مهمّات رئيس الجمهورية وكالة، ابتداء من الثلثاء المقبل، إن لم يصدر مرسوم قبول استقالة ميقاتي عن رئيس الجمهورية.
وقالت المصادر نفسها، انّ الوزراء لم يوافقوا على فكرة باسيل ولم يتجاوب معه سوى اربعة منهم وبقي الخامس متردّداً، فيما تبين انّ المتبقين لن يلتزموا الطلب لانتفاء شروطه القانونية والدستورية، على ما نُسب إلى بعضهم.
وعلى الرغم من نفي مصادر قصر بعبدا، نية عون إصدار مرسوم قبول استقالة الحكومة، اكثر من مرة طوال الايام الماضية، واعتبار مثل هذا الخبر «كاذباً»، فقد ترك تهديد عون امام مجموعة الإعلاميين المعتمدين في قصر بعبدا، بأنّه لم يكتشف في الدستور ما يحول دون هذه الخطوة، مزيداً من الضبابية حول مصير هذه الخطوة، وسط اكثر من رأي قانوني ودستوري، لأنّ قراراً من هذا النوع لا مسوغ قانونياً له، فالحكومة مستقيلة منذ تسلّم مجلس النواب مهامه في 22 ايار الماضي، وتُعتبر مستقيلة مرة ثانية فور انتهاء ولاية عون ليل الاثنين ـ الثلثاء المقبلين.
وكرّر عون امس القول: «ان لا إرادة لدى الرئيس المكلّف نجيب ميقاتي ولا لدى فريقه، في التأليف». وقال انّ ميقاتي «يلبّي مطالب كل الأحزاب والتيارات والتكتلات النيابية، ما عدا مطلب التيار الوطني الحر»، مشدّداً على «انّ من غير المقبول وضع وصاية على التيار او على تكتل «لبنان القوي».
وعن عدم قانونية إعلانه نيته توقيع مرسوم قبول استقالة الحكومة ما لم يتمّ تشكيل حكومة أخرى، أوضح عون «ان ليس هناك من نص دستوري يشترط ذلك، بل انّ المسألة متعلقة بالأعراف، ويمكن خرق العرف».
باسيل
من جهته، باسيل قال إثر زيارته البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي عصر امس في بكركي: «سنسعى في الايام المتبقية لتأمين أي نوع من التفاهم حول الرئاسة». واضاف: «الله يستر» ماذا يحضّرون في المستقبل خصوصاً لجهة قيام هذه الحكومة بمهمات أبعد من تصريف الأعمال ومن واجباتي التنبيه إلى ذلك»، مؤكّداً انّه «لا يمكن ان نقبل بحكومة فاقدة الشرعية البرلمانية والشعبية». وقال: «الفكرة بوضع اليد على البلد من خلال حكومة تصريف الاعمال هي فكرة كارثية ستجلب الفوضى، وهناك إرادة واضحة من قِبل ميقاتي وبدعم من بري والخارج وبعض المرجعيات، لحصول الفراغ الحكومي، ووضع اليد على المقام الاول في الجمهورية اللبنانية أي الرئاسة». ولفت الى انّ «هناك مخططاً للبنان وإرادة للوصول اليه، وهو ان لا يتمّ تشكيل حكومة». واكّد انّ «الأولوية المطلقة لانتخاب الرئيس. وللأسف بعد أيام سندخل في الفراغ الرئاسي الذي يتعاطى الجميع معه كأمر واقع من دون أن يبذل أي أحد الجهد للحوار والتفاهم».
نحاس يردّ
وردّ مستشار ميقاتي الوزير السابق نقولا نحاس على باسيل وقال في بيان: «إنّ الكلام، الذي قاله باسيل، هو تجنٍ على الحقيقة والواقع، لأنّ رئيس الحكومة قدّم تشكيلته الحكومية في التاسع والعشرين من حزيران الفائت على أساس أنّ الوقت الضيّق جداً للحكومة يفرض استمرار الفريق الحكومي ذاته مع تغيير بالحدّ الادنى، فرفض رئيس الجمهورية مناقشته بها. كما أنّ الشروط والمطالب الكثيرة والمتغيّرة التي وضعها النائب باسيل وتبلّغها الرئيس ميقاتي تباعاً من رئيس الجمهورية او من بعض سعاة الخير، تؤكّد بما لا يقبل الشك أنّ المطلوب حكومة يتمّ التحكّم بها، لا حكومة منتجة تقوم بالمهام الأساسية في حال حصول فراغ في سدّة الرئاسة».
الحوار
من جهة ثانية، وفيما تترقب الاوساط السياسية دعوة رئيس مجلس النواب نبيه بري رؤساء الكتل النيابية الى الحوار في شأن الاستحقاق الرئاسي بدءاً من الاسبوع المقبل، بدأت المواقف تتناقض حيال هذا الحوار بين مؤيّد ومعارض.
وفي هذا الاطار، يطلّ الأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله الساعة الثامنة والنصف مساء السبت في كلمة متلفزة، ينتظر ان يتناول فيها هذا الحوار ومجمل التطورات، في ضوء تعذّر تأليف حكومة جديدة وانتخاب رئيس جديد ضمن المهلة الدستورية. كذلك يُتوقع ان يتحدث عن مرحلة ما بعد الاتفاق على ترسيم الحدود البحرية.
وفي المواقف ايضاً، أبدى رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع عدم ارتياحه تجاه دعوة بري الى الحوار بين الكتل لانتخاب رئيس للجمهورية. واقترح أن يدعو بري و»بأسرع وقت ممكن» كما قال، إلى جلسة لانتخاب رئيس للجمهورية «لا تكون صورية وتكون مفتوحة، حيث يتمّ خلالها الحوار بين الكتل وتنتهي بانتخاب رئيس».
وقال جعجع بعد اجتماع لتكتل «الجمهورية القوية»: «كنت تمنيت على بري بدلًا من توجيه دعوة للحوار في انتخاب رئيس للجمهورية أن يوجّه دعوة الى النواب الذين يعطّلون الجلسة ليحثّهم على عدم تعطيلها». وأضاف: «لا شيء يدلّ أن الفريق الآخر لديه نية بالحوار».
وقال عضو تكتل «لبنان القوي» النائب سيزار أبي خليل: «اننا بالمبدأ مع كل تواصلٍ بين اللبنانيين، ولا عداء مع أي جهة، على أن يُحدّد الموقف وفق شكل الدعوة الى الحوار وظروفها وبرنامجها»، مشيراً إلى أنّ «عدم تشكيل الحكومة يعني تعريض اتفاق الطائف للخطر، والضنين بهذا الاتفاق لا يضرب الدستور».
موقف سعودي
وعلى صعيد الموقف السعودي، اعتبر سفير خادم الحرمين الشريفين في لبنان وليد البخاري، في تصريح له عبر مواقع التواصل الاجتماعي: «هناك بونٌ شاسع بين نفي الواقع المأزوم وبين محاولة تبريره والافتئات عليه، صدقًا لم تُفاجئني تصريحات وإدعاءات عفى عليها الزمن، بقدر ما تفاجأت من توقيتها ومضمونها». واضاف: «السعودية تُثبت دومًا مدى التزامها بدعم لبنان واحترام سيادته وعدم التدخّل في شؤونه الداخلية».
الترسيم مع قبرص
من جهة ثانية، وفي خطوة اعتُبرت اسهل مما كان متوقعاً، فقد انتهت زيارة الوفد القبرصي الى بيروت بتجاوز كثير مما يجب معالجته لتصحيح الخطوط المرسومة بين لبنان والجزيرة، بعد انتهاء عملية الترسيم مع اسرائيل، وهو ما انعكس على الحدود الجنوبية – الغربية للمنطقتين الاقتصاديتين بينهما ايجاباً، في انتظار حل عقدة النقطة الشمالية الغربية مع سوريا.
وفي وقت لاحق من مساء أمس، تبلّغ رئيس الجمهورية من مستشاره لشؤون الترسيم نائب رئيس مجلس النواب الياس بوصعب، انّ نتائج زيارة الوفد القبرصي لقصر بعبدا ووزارة الأشغال العامة بعد الظهر بمشاركة أعضاء هيئة قطاع النفط وضباط من مصلحة الهيدروغرافيا في الجيش كانت ايجابية، ويمكن القول انّهم توصلوا الى «صيغة اتفقوا عليها لتنفيذها وفق الإجراءات القانونية المتبعة والمتعلقة بتعديل الحدود البحرية وفق المرسوم 6433 واعتماد النقطة 23 جنوباً، كنقطة حدودية عند مثلث المناطق الاقتصادية اللبنانية والاسرائيلية والقبرصية.
وعليه، قالت مصادر مطلعة لـ «الجمهورية»، إنّ ما بقي عالقاً يتصل بضرورة انتظار ان تكتمل المفاوضات مع الجانب السوري – والتي لم تبدأ بعد – لإنهاء البحث بالنقطة الفاصلة بين المناطق الاقتصادية الثلاث اللبنانية والسورية والقبرصية. وهو أمر انتهى الى صيغة تقول بضرورة ان تعتمد عملية الترسيم شمالاً «خط الوسط بين لبنان وقبرص» باستثناء النقطة الوحيدة العالقة بين الدول الثلاث.
إجراءات ميقاتي
وفي خطوة لافتة تزامنت وانطلاق زيارة الوفد القبرصي إلى لبنان، أصدر رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي قراراً يقضي بتشكيل لجنة برئاسة وزير الاشغال العامة والنقل علي حمية، وتتضمن ممثلين عن وزارتي الطاقة، والدفاع، بالإضافة إلى ممثل عن هيئة إدارة قطاع البترول في لبنان، حيث تكون مهمتها إجراء ما يلزم في سبيل التحضير والإعداد لمشاريع تحديد المنطقة الاقتصادية الخالصة من الجهتين الغربية والشمالية مع كل من قبرص وسوريا.
وقالت مصادر مطلعة لـ «الجمهورية»، انّ نتائج خطوة ميقاتي لن تظهر في وقت قريب، في انتظار المحطات المقبلة المتعلقة بسير المفاوضات مع سوريا ـ إن اقلعت في وقت قريب ـ كما بالنسبة الى المرحلة المقبلة من المفاوضات مع القبارصة، على رغم مما عبّرت عنه من تجاذبات بين المتابعين لهذا الملف وترقّب نتائجها، وخصوصاً إن تمّ تفسيرها رفضاً من ميقاتي لمهمة اللجنة التي شكّلها مطلع الاسبوع في شأن المفاوضات مع سوريا برئاسة بوصعب، لتبقى النتيجة المرتقبة مرتبطة بحجم التجاذبات المقبلة بينهما.
لا حاجة لوسيط
وكان عون قد أطلق قبل ظهر أمس مسار التفاوض مع قبرص لمعالجة وضع الحدود البحرية بين البلدين. وقال خلال استقباله وفد الجمهورية القبرصية، انّ «الهدف من اللقاء هو الاتفاق على معالجة الموضوع العالق في رسم الحدود البحرية، بعدما انتهينا من رسم الحدود البحرية الجنوبية». واعتبر انّ «بين لبنان وقبرص، لا حاجة لوجود وسيط، لأننا بلدان مجاوران وصديقان، وهذا ما يجعل مهمتنا سهلة في إزالة الالتباسات الناشئة»
الموقف الاسرائيلي
من جهة اخرى، وغداة توقيع وثائق ترسيم الحدود البحرية في مقر قيادة قوات «اليونيفيل» في الناقورة، رأى رئيس وزراء إسرائيل يائير لابيد، أنّ «اتفاق ترسيم الحدود البحرية مع لبنان «ضربة كبيرة» لحزب الله». واعتبر أنّ «إسرائيل نجحت في ثني ذراع «حزب الله» بترسيم الحدود البحرية».
وأشار وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس إلى أنّ «اتفاق ترسيم الحدود البحرية مع لبنان، قد يمهّد الطريق أمام مزيد من الإيجابية في الشرق الأوسط».
وإلى ذلك، انتقد زعيم المعارضة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين إسرائيل ولبنان. واعتبر في تغريدة على «تويتر»، أنّ رئيس الوزراء الاسرائيلي يائير لابيد «خضع في النهاية لتهديدات حزب الله»، مؤكّداً أنّه إذا وصل الى السلطة في الانتخابات المقبلة «فإنّ الاتفاق لن يكون ملزماً» لحكومته. واضاف: «لابيد استسلم بطريقة مخزية لتهديدات (الامين العام لحزب الله السيد) حسن نصرالله، وهو يعطي لحزب الله منطقة سيادية تابعة لإسرائيل مع حقل غاز ضخم هو ملك لكم مواطني إسرائيل وهو يقوم بذلك من دون جلسة في الكنيست أو استفتاء عام».
وشدّد على أنّ رئيس الوزراء الحالي غير مخول لمنح من وصفها بـ»دولة عدو، مساحة سيادية وأملاك سيادية هي ملك لنا جميعاً، وإذا ما تمّ تمرير هذه الخدعة غير القانونية فإنّها لن تكون ملزمة لنا».
الاتحاد الاوروبي
وفي المواقف الدولية، أعلن المتحدث باسم الاتحاد الأوروبي للسياسة الخارجية والأمن بيتر ستانو في بيان، «ترحيب الاتحاد بتوقيع اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل»، مشيراً إلى أنّ «الاتحاد يهنئ البلدين بهذا الإنجاز التاريخي، ويثني على دور الولايات المتحدة في تسهيل المفاوضات». وأشار إلى أنّ «هذه الاتفاقية التاريخية ستسهم في استقرار وازدهار البلدين الجارين والمنطقة»، لافتاً إلى أنّ «الاتحاد يشجع الأطراف على مواصلة التزاماتهم البنّاءة، وهو على استعداد لمواصلة تطوير شراكاته مع كل من البلدين، ودعم الجهود الرامية إلى التعاون الإقليمي لمصلحة الجميع».