الرياض تنأى عن التدخل في ترشيحات الرئاسة وتحترم إرادة اللبنانيين
كتب محمد شقير في الشرق الأوسط:
تدحض مروحة الاتصالات واللقاءات التي يعقدها سفير المملكة العربية السعودية لدى لبنان، وليد البخاري، كل ما يشاع حول انكفاء المملكة عن الساحة اللبنانية؛ خصوصاً أن المملكة، كما يقول الذين يتواصلون باستمرار مع البخاري، تعتبر نفسها جزءاً من المجتمع الدولي الذي يسعى جاهداً لتأمين شبكة الأمان لدولة عربية شقيقة، لمنعها من الانزلاق الأمني وإقحامها في مسلسل من الفوضى يمكن أن يأخذها إلى المجهول.
ومع أن السعودية تنأى بنفسها عن التدخّل في بازار الترشيح لرئاسة الجمهورية لأنها ليست في وارد الدخول في لعبة الأسماء، فإنها في المقابل، بحسب ما يقول معظم الذين يلتقون السفير البخاري، لن تنخرط في تسوية إقليمية أو دولية تتعارض مع مصلحة اللبنانيين، وبالتالي لن تغطيها وهي تحترم إرادتهم في التغيير نحو غدٍ أفضل.
ويلفت هؤلاء إلى أن المملكة تتمايز عن معظم الأطراف الإقليمية بعدم وجود مشروع سياسي خاص بالبلد، ومن يدقّق في مواقفها حيال لبنان سرعان ما يكتشف أنها تتمسك باتفاق الطائف كونه الناظم الوحيد للعلاقات بين المكونات السياسية والطائفية وهي تترك للبنانيين تنقيته من الشوائب لمواصلة العمل ضمن المؤسسات الدستورية لاستكمال تطبيقه.
ويأتي تمسّك المملكة باتفاق الطائف بحسب هؤلاء انطلاقاً من أنه يشكّل صمام الأمان للحفاظ على وحدة لبنان وسيادته واستقلاله في مواجهة المشروعات التي لا تحاكي رغبة اللبنانيين بالتعايش تحت سقف الدولة الواحدة الموحّدة لأن مجرد اللعب بالنسيج اللبناني يأخذ البلد إلى متاهات تبقى مفتوحة على مشروعات غير قابلة للحياة.
ويتوقف هؤلاء أمام محطتين، كان للمملكة فيهما دور في إخراج لبنان من التأزّم السياسي والاقتصادي والاجتماعي الذي يتخبّط فيه بتهيئة الأجواء للانتقال به إلى مرحلة التعافي بإعادة إدراجه على خريطة الاهتمام الدولي باعتبارها الممر الإلزامي لإنقاذه.
فالمحطة الأولى جاءت حصيلة المحادثات التي أجراها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون خلال زيارته للسعودية مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، والتي أثمرت عن إرساء أسس التواصل السعودي – الفرنسي في اللقاءات التي تُعقد بين الجانبين من حين لآخر في باريس، ونتج عنها تشكيل صندوق مشترك لتقديم المساعدات الإنسانية إلى عدد من المرافق الحيوية في لبنان التي تمر في حالة من الترهّل على خلفية الأزمات الكارثية التي تحاصرها تحت ضغط تدهور الأوضاع في لبنان.
لكن التواصل السعودي – الفرنسي لم يبق محصوراً بتقديم المساعدات الإنسانية التي لن تمر عبر القنوات الرسمية، وإنما أخذ يتطور تدريجاً باتجاه التفاهم على مقاربة موحّدة تتعلق بإنجاز الاستحقاق الرئاسي بانتخاب رئيس للجمهورية في موعده الدستوري.
وفي هذا السياق، يؤكد معظم الذين يواكبون عن كثب الاهتمام السعودي – الفرنسي بضرورة انتخاب الرئيس في موعده وقبل انتهاء ولاية الرئيس الحالي ميشال عون في 31 أكتوبر (تشرين الأول) الحالي، أن التواصل القائم بين الرياض وباريس شكل انعطافاً فرنسياً لجهة انتخاب رئيس لم يسبق له أن انخرط في فساد مالي أو سياسي من دون التطرُّق إلى اسم المرشح الذي تنطبق عليه المواصفات، ومنها السيادية، لأن الإصلاح لا يمكن أن يتحقّق من دون تمكين الدولة من بسط سيطرتها على الأراضي اللبنانية كافة.
ويكشف هؤلاء لـ«الشرق الأوسط» أن الجانب السعودي أثار في اللقاءات الثنائية التي تستضيفها باريس ما كان أعلنه الرئيس ماكرون في زيارته لبيروت بعد الانفجار الذي استهدف المرفأ بضرورة التوصل إلى عقد اجتماعي جديد كأساس لإصلاح النظام السياسي في لبنان؛ خصوصاً أن بعض الأطراف في الداخل راحت تروّج لوجود نية لدى فرنسا باستضافة مؤتمر للحوار، يشارك فيه أبرز المكوّنات السياسية والطائفية للبحث في اعتماد نظام جديد يقوم على مبدأ المثالثة، ويعتبر بمثابة مؤتمر تأسيسي.
ويؤكدون أن الجانب الفرنسي لم يتردّد في تحديد موقف قاطع أراد منه سحب كل ما تم تداوله حول رغبة فرنسا بحثّ اللبنانيين للتوصل إلى عقد اجتماعي جديد، وصولاً إلى نفي نية باريس باستضافة مؤتمر للحوار، يقود إلى اعتماد نظام لبناني جديد، يقوم على تطبيق المثالثة، ويقول إن لدى الرياض وباريس رغبة بعدم حرق ورقة الدعوة لمؤتمر حواري، على أن يُترك هذا الأمر للرئيس العتيد والحكومة الجديدة، وينقلون عن لسان مسؤول فرنسي بارز شارك في اللقاءات الثنائية قوله إن ما يقال حول هذا الموضوع ما هو إلا دسٌ رخيص. ويلفت هؤلاء إلى أن انتخاب رئيس من خارج منظومة الفساد السياسي والمالي يُفترض أن يمهّد للمجيء بحكومة جديدة تحمل برنامجاً للإصلاح بالتوافق مع المجلس النيابي، ويقولون إن الموقف الفرنسي القاطع بعدم استضافتها لمؤتمر حواري للبنانيين أدى إلى إسدال الستار على اللعب باتفاق الطائف وتجويفه من مفاعيله؛ خصوصاً أنه يحظى بدعم عربي ودولي، تجلى بتأييده من قبل مجلس الأمن.
أما بالنسبة إلى المحطة الثانية فهي تتعلق بالبيان السياسي المشترك الذي صدر عن وزراء خارجية الولايات المتحدة الأميركية، وفرنسا، والسعودية، على هامش مشاركتهم في اجتماعات الجمعية العمومية للأمم المتحدة، ما شكّل خريطة طريق للبنانيين، لا بد من اتباعها للعبور ببلدهم إلى مرحلة الإنقاذ، ويلتقي مع الموقف المشترك لباريس والرياض الذي يقطع الطريق على كل أشكال الاجتهاد وصولاً للعب على التناقضات الإقليمية والدولية التي لا أساس لها إلا لدى البعض في محور الممانعة الذي لا يزال يراهن على تغيير الهوية العربية للبنان والانتقال به من حاضنته العربية إلى حاضنة ترعاها إيران، ما ينأى به عن تحييده عن الصراعات الدائرة في المنطقة. كما يرى هؤلاء أن الخلاف بين الرياض وواشنطن حول الملف النفطي لن ينعكس سلباً على مفاعيل البيان الثلاثي الذي صدر عن وزراء خارجية الولايات المتحدة وفرنسا والسعودية، والذي لا يزال قائماً، ويؤكدون أن الأمر نفسه ينسحب على الحوار المتقطّع بين الرياض وطهران في بغداد الذي لن يبدّل من الموقف السعودي لإنقاذ لبنان، بخلاف ما يتردد بأن الوضع في لبنان ليس على سلّم الأولويات لدى المملكة.
لذلك يقول هؤلاء المواكبون إن الترويج لانكفاء السعودية عن لبنان ليس في محله، وإن من يقود مثل هذه الحملات يهدف إلى إخلاء الساحة لمصلحة محور الممانعة تارة ببثّ «معلومات» هي أقرب إلى الشائعات، مفادها أن لبنان ليس في أولويات السعودية بذريعة أن لديها هموماً أخرى، وتارة بالرهان على وجود تباين بين الرياض من جهة وباريس من جهة أخرى، برغم أن الشراكة الجامعة بينهما حول إنقاذ لبنان لن تتبدّل ولن تخضع لحسابات الأطراف التي تريد فرض مرشحها لرئاسة الجمهورية؛ خصوصاً أن لبنان بهمومه لم يغب عن الرؤية التي أطلقها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، والتي فيها مجموعة من البنود تشكل الخلاص للبنان.
وعليه، هناك من يعتقد أن للحرب الروسية – الأوكرانية ارتدادات على الداخل اللبناني، وتحديداً بالنسبة إلى انتخاب الرئيس، ومن زاوية أن دول الاتحاد الأوروبي ومعها الولايات المتحدة ستقاوم محاولة فرض رئيس يُصنّف على خانة التناغم مع موسكو.