“المجمع الانتخابي”.. 538 شخصا يحسمون من يحكم أميركا
من المعروف ان الولايات المتحدة تشتهر بنظامها الانتخابي الذي قد يبدو معقدا، والمصمم إرضاء للولايات التي كانت ولا تزال تحتفظ بنفس استقلالي أكبر، وجلها في الجنوب، الذي حارب من أجل “الكونفدرالية”، في ستينيات القرن التاسع عشر.
إليكم فكرة “المجمع الانتخابي”، الذي يحدد فعليا هوية الفائز برئاسة البلاد، ورمزية عدد مقاعده الـ538، وترتيب الولايات الأمريكية بحسب ثقلها فيه.
“الولايات المستقلة”.. انتخابيا
ولتبسيط نشأة “المجمع الانتخابي” وآلية عمله، فعلينا أن نتخيل أن كل ولاية أميركية دولة مستقلة، بذاتها، وأن المتسابقين نحو سيادة البيت الأبيض هم مرشحون لرئاسة كل دولة من تلك الدول على حدة، قبل تحديد هوية الفائز بالمحصلة.
لكن ترجيح كفة مرشح على حساب آخر بعد إجراء الاقتراع “المنفصل” في جميع الولايات، لا يمكن أن يتم من خلال اعتبار عدد الولايات التي يفوز بها وحسب، إذ إنها تتباين من حيث عدد السكان، وهو ما يقتضي منح الولايات أوزانا مختلفة تعكس حجمها السكاني.
وفي حال فوز أحدهم بأغلبية في أي ولاية فإنه يحصد نصيبها كاملا، كما لو أنه قد فاز برئاستها.
وجاءت من هنا فكرة “المجمع الانتخابي” الذي يضم ممثلين لكل ولاية، يعكس عددهم حجمها السكاني، على أن يبلغ مجموع مقاعده 538. وبذلك، يصبح عدد أصوات المجمع الانتخابي التي يتوجب على المتنافس الحصول عليها لحسم الفوز هو 270، أي النصف+1، على الأقل.
ويتم اختيار الأشخاص الـ538 خلال الأشهر الأخيرة من الانتخابات عبر توافق بين الأحزاب، ويكون دورهم شكليا إلى حد كبير، ولكنه حاسم، ولا يتعلق بأشخاصهم بل بالمنظومة التي جاءت بهم.
وتاليا قائمة بالولايات مرتبة بحسب التمثيل في المجمع الانتخابي:
“المعضلة”
يتسبب هذا النظام دائما بفجوة بين عدد الأصوات المباشرة التي يحصل عليها كل مرشح، وعدد المقاعد التي يحصدها في المجمع الانتخابي.
وبحسب المادة الثانية من الدستور الأميركي، فإن الناخبين في كل ولاية، لدى تصويت أغلبيتهم لأحد المرشحين للرئاسة، ولو كان ذلك بفارق صوت واحد، فإن رصيد الولاية بالمجمع الانتخابي، الذي يعكس عدد سكانها، يصب كله في صالح ذلك المرشح، في تجاهل لأصوات بقية الناخبين (كأنها دولة مستقلة فاز برئاستها وحدها).
وإذا صوّت جميع سكان نيويورك الـ19.5 مليونا، للمرشح الديمقراطي جو بايدن، على سبيل المثال، فإنه سيحصل على 29 صوتا بالمجمع الانتخابي، فيما سيحصل الجمهوري دونالد ترامب، الساعي لولاية ثانية، على العدد ذاته حال فوزه بولايتي جورجيا (10.5 مليون) وفيرجينيا (8.5 مليون)، حتى وإن لم يشارك غير ناخب واحد في كل منهما.
وفي هذه الحالة، يكون ترامب ندًّا لبايدن رغم أنه يملك صوتين فقط، فيما يملك المرشح الديمقراطي 19.5 مليون صوت، وإذا فاز بولاية ثالثة تتمتع بثلاثة مقاعد فقط بالمجمع الانتخابي، ولو بفارق صوت واحد، مثل ألاسكا، فإنه يكون قد حسم الفوز عبر المجمع الانتخابي، مع فارق هائل في أصوات الناخبين المباشرة لصالح غريمه.
وشهدت البلاد خسارة المرشح الرئاسي الذي يحصد عددا أكبر من أصوات الأمريكيين أربعة مرات على الأقل، اثنتان منها في العقدين الماضيين، وآخرهم ترامب الذي انتزع الرئاسة، عام 2016، بحصده 304 من أصوات المجمع الانتخابي، مقابل 227 لهيلاري كلينتون، رغم أن الأخيرة نالت أصواتا مباشرة أكثر منه بنحو ثلاثة ملايين صوت.
وينتج عن هذا الإجراء أيضا تأثير غير متناسب على الانتخابات الرئاسية لصالح الولايات منخفضة السكان مثل ألاسكا وديلاوير ومونتانا وشمال وجنوب داكوتا وفيرمونت ووايومنغ، ذات الأغلبية البيضاء، على حساب الولايات السبع الكبرى: كاليفورنيا وتكساس وفلوريدا ونيويورك وإلينوي وبنسلفانيا وأوهايو، التي تضم وحدها نحو 40 بالمئة من سكان البلاد.
ولتوضيح ذلك، فإن فوز أحد المرشحين بتلك الولايات السبع جميعها (209 من أصل 538 صوتا بالمجمع الانتخابي)، وهو ما يصعب تحقيقه، سيضعه أمام اختبار الحصول على 61 صوتا أخرى بالمجمع الانتخابي لضمان الفوز، وهي أصوات موزعة على عدد كبير من الولايات الصغيرة سكانيا وذات التوجهات المحافظة عموما، ما يحكم بالفشل على أي برنامج انتخابي لا يأخذ بالاعتبار توجهات التجمعات المحافظة، ويحرم التكتلات الكبيرة من حق التأثير المتناسب مع حجمها.
وبشكل عام فإن الأميركيين البيض المحافظين ينتشرون بولايات كثيرة ذات كثافة سكانية محدودة وسط البلاد وجنوبها، وهو ما تظهره الخريطة التالية، فيما تتركز الكثافة السكانية المتنوعة بعدد أقل من الولايات على ساحلي البلاد الشرقي والغربي وحول البحيرات العظمى.
وجرت محاولات عديدة لتعديل هذه الفقرة من الدستور، والسماح للناخبين بالتصويت مباشرة للرئيس، قدم آخرها عام 2004، لكن ذلك، وإن تم تمريره بمجلسي النواب والشيوخ الفدراليين، فإنه يتطلب مصادقة مجالس ثلاثة أرباع ولايات البلاد لتمريره، أي 38 ولاية، باعتباره تعديلا دستوريا، ما سيبقي البلاد رهنا للتجاذبات الحادة ويضعها أمام الأخطار المترتبة على الاستقطاب والاحتقان، فضلا عن فقدان الثقة بالعملية الانتخابية.
المصدر: عربي 21