حافظوا على قديم سياراتكم… تجديدها سيغدو مستحيلاً
كتب خالد أبو شقرا في “نداء الوطن”:
تركُ حبل الأزمة النقدية “مرخياً” على “جرار” الحلول الترقيعية، يهدد بتحويل لبنان إلى ما يشبه كوبا على صعيد تقادم السلع المعمرة. فرفع الدولار الجمركي إلى سعر منصة صيرفة، يعني التوقف عن استيراد السيارات الجديدة، والاكتفاء بتجديد القديمة. النتيجة ستظهر بعد عدد من السنوات حيث سيتحول البلد إلى ساحة خردة كبيرة، مع خزينة عامة فارغة.
على عكس كوبا التي توقف بها الزمن في العام 1959 على سيارات أميركية متينة الصنع، فان السيارات الصغيرة ذات المواصفات التجارية الرديئة التي تملأ الشوارع اللبنانية لن تصمد طويلاً. وتكون الحكومة بذلك أسقطت “عصفوري” تفعيل الدورة الاقتصادية، وتحصيل مبالغ أكبر من الايرادات الضريبية بحجر الدولار الجمركي الأعمى. وستتراجع مع سقوطهما مجموعة من المؤشرات الاقتصادية المالية والاجتماعية والصحية والبيئية. فنسبة التلوث سترتفع، ويغيب الامان عن الطرقات نتيجة تهالك السيارات وفقدانها عناصر الحماية، وتزيد الاعتداءات في وسائل النقل العام غير المتطورة، وسترتفع كلفة التأمين والاستشفاء.
النتائج السلبية
إحتساب الدولار الجمركي على سعر 8000 ليرة قد يكون مقبولاً، فيما “احتسابه على سعر منصة صيرفة، أو حتى 20 ألف ليرة سيكون مهلكاً لقطاع بيع السيارات المستعملة، المواطن، والمالية العامة على حد سواء”، بحسب رئيس “نقابة مستوردي السيارات المستعملة في لبنان” إيلي قزي. فـ”هذا القطاع الذي انخفض حجمه من 2200 معرض إلى حدود 550 معرضاً، كان يُدخل ملايين الدولارات إلى الخزينة”. وبالأرقام فان قطاع بيع تجارة السيارات المستعملة أمّن موارد مالية في أعوام ما قبل 2011 بقيمة 600 مليون دولار سنوياً، وكان يشكل المصدر الثاني للعائدات من المرفأ بعد قطاع النفط. فـ”من بعد ما أدخلنا بحدود 80 ألف سيارة في العام 2010، انخفض العدد إلى 40 ألف سيارة في العام 2019، ليعود العدد ويتقهقهر إلى حدود 5000 سيارة فقط في العام 2020″، يقول قزي. “مع العلم أن الاستيراد الفعلي للعام 2020 هو أقل من هذا الرقم، لان الكثير من السيارات كانت مطلوبة من الخارج قبل نهاية العام 2019 وتمت جمركتها في العام 2020”.
إغلاق الباب كلياً على الاستيراد
الانهيار الدراماتيكي لسعر الصرف الذي ترافق مع ارتفاع أسعار المحروقات في العام 2021، دفع بالمستوردين إلى التركيز على السيارات الصغيرة ذات محركات 4 و3 سيلندر، نظراً لتوفيرها الكبير في المحروقات. إلا أن حتى هذا النوع من السيارات لن يباع في حال اعتماد الدولار الجمركي على سعر 20 ألف ليرة. فالسيارات المستعملة تخضع لرسم جمركي، ورسم استهلاك داخلي، والضريبة على القيمة المضافة. إذا كانت قيمة السيارة أقل من 20 مليون ليرة (13300 دولار على سعر 1500 ليرة) فان الرسم الجمركي عليها يبلغ 500 ألف ليرة، فيما يصل رسم الاستهلاك الداخلي إلى 4 ملايين و500 ألف ليرة، وبعد احتساب الرسمين تضاف الضريبة على القيمة المضافة بنسبة 11 في المئة. ما يعني أن سيارة بقيمة 20 مليون ليرة كانت تكلف سابقاً رسوماً وضرائب بقيمة 7 ملايين و750 ألف ليرة. هذه القيمة ستصبح في حال اعتماد الدولار الجمركي على سعر 20 ألف ليرة توازي 103 ملايين ليرة. وعليه “لا يبقى لنا إلا أن نسكر ونذهب إلى البيت”، برأي قزي. وفي ظل عدم وجود خطة لتطوير النقل العام وارتفاع كلفة النقل الخاص، وسواد الفوضى فيه، فان الكثير من المواطنين سيعجزون عن الوصول إلى أعمالهم. الأمر الذي سيفاقم الأزمة ويقطع أوصال المناطق، ولا يؤمن أي قيمة مضافة للخزينة العامة.
بالنسبة إلى السيارات المستعملة التي تفوق قيمتها 20 مليون ليرة فان رسم الاستهلاك الداخلي وحده يصبح 45 في المئة من مجمل قيمتها، تضاف على القيمة الجمركية للسيارة بنسبة 5 في المئة، ومن ثم يتم احتساب الضريبة على القيمة المضافة على كامل المبلغ. ما يعني أن الرسوم الضريبية على السيارات التي تفوق قيمتها 20 مليون ليرة تتراوح بين 45 و60 في المئة من قيمتها.
تراجع الاستيراد لا يفيد
على المقلب الآخر تبرز وجهة نظر مؤيدة تفيد بأن تخفيض الاستيراد إلى ادنى مستوياته يساهم بالحفاظ على ما تبقى من دولار. وبالتالي يساعد على تحسين العجز في ميزان المدفوعات. فهل تنطبق هذه النظرية على واقع التضخم الإنكماشي الذي يمر به لبنان؟
مدير المحاسبة السابق في وزارة المالية، د.أمين صالح يعتبر هذا الكلام “عذراً أقبح من ذنب”. والدليل، أن “الاستيراد انخفض من 19.5 مليار دولار في العام 2019 إلى 11 مليار دولار حالياً، في المقابل ارتفع العجز بالموجودات الصافية للعملات الأجنبية في المصرف المركزي إلى 14 ملياراً و270 مليون دولار. ما يدل على ان تخفيض الاستيراد لا يحل أزمة نزيف الدولار. والمشكلة الأساسية ليست في عجز ميزاني المدفوعات والتجارة فقط، اللذين كانا يُمولان من التدفقات النقدية الواردة، إنما في تحويل المصارف وكبار المودعين في الاعوام 2020 و2021 و2022 ودائع بالعملة الاجنبية وارباحها بالعملة إلى الخارج. فحصل تدفق نقدي معاكس لم يقابل بتحسين التدفقات الواردة.
هذه التغييرات في النظام الاقتصادي لا يمكن أن تعطي ثمارها ما لم تترافق مع تغييرات هيكلية في النموذج المعتمد ككل. فـ”المطلوب قبل زيادة الرسوم والضرائب معالجة الدين العام والمالية العامة”، بحسب صالح، و”من ثم الانتقال تدريجياً من اقتصاد قائم على الريع والفوائد إلى اقتصاد قائم على الانتاج. هو تحول يتطلب سنوات طويلة”.
المشكلة في الدين العام وفوائده
أمام هذا الواقع سيؤدي فرض الضرائب إلى نتائج سلبية، وسينعكس إقفالات في المؤسسات وتسريحاً للعمالة وسيطرة الاقتصاد الأسود غير النظامي. ومن وجهة نظر صالح فان “الكتلة النقدية الهائلة التي ستضخ بالسوق بالليرة نتيجة هذه الموازنة تقدر بـ49 ألف مليار ليرة، ستدفع إلى المزيد من الطلب على الدولار والسلع، فتتضخم الاسعار من جهة وتنهار الليرة أكثر ويتجه الاقتصاد إلى المزيد من الانكماش. فيما سيذهب من هذه الأموال 7700 مليار ليرة فوائد دين عام ستخرج من لبنان. فالموازنة تتضمن زيادة في فوائد الدين على سندات اليوروبوندز بمقدار 900 مرة. حيث ارتفعت المبالغ المخصصة من 120 مليار ليرة إلى 1200 مليار ليرة.
الحل لم ولن يكون بزيادة الضرائب في موازنة فاقدة للشرعية، برأي صالح، ذلك أنه “من غير المقبول إقرار موازنة قبل إتمام قطع الحساب للعام 2021”. وفي جميع الاحوال فان الحل يكمن في استرجاع فوائد الدين، والاموال المحولة، واعادة هيكلة الدين والنظام المصرفي حتى ننطلق بالبلد. وأي موازنة خلاف هذه المبادئ ستكون تدميرية.
الجدير بالذكر أن قيم السيارات المستعملة بغض النظر عن القيمة المشتراة بها لا تقيّم بحسب سعر الصفقة، إنما بحسب كتب تتبلغها إدارة الجمارك على أساس القيم المنشورة عن هذه السيارات، في منشورات دولية مثل الـBlue Book للسيارات المستوردة من أميركا و Super Schwache Liste لتلك المستوردة من أوروبا، والمعرَّضتين للتعديل بصورة دورية (مرتين على الأقل في السنة).