قصة مبكية.. أبو يحيى قضى وأطفاله 6 ساعات تحت الأنقاض في غزة!
أبو يحيى.. مواطن فلسطيني في الـ42 من عمره، أب لأطفال ثلاثة، يروي تفاصيل ساعات عصيبة مرت عليه هو وأولاده تحت انقاض بيتهم الذي دمرته الطائرات الإسرائيلية فوق رؤوسهم.
البداية بحسب جريدة “الشرق” القطرية، حينما كان أبو يحيى جالسا في منزله الموجود في شارع الوحدة بمدينة غزة، يتابع الأخبار، وأطفاله الثلاثة نائمون، في غرفتهم.
يروي أبو يحيى تفاصيل تلك الدقائق فيقول: “سمعت صوت قصفٍ شديدٍ للغاية توهّجت معه جداران البيت كلّها حيث أسكن في الطابق الثالث، ثم اهتزّت من تحت أقدامي الأرضُ اهتزازًا عنيفًا والقصف لا يتوقّف، وتحركت الجدران وتمايلت فهرعت للغرفة التي ينام فيها أطفالي الثلاثة ليسقط سقف الغرفة فوقهم أمام عينيّ، وتنقطع الكهرباء وتسقط الأسقف كلها من فوقي وتحتي ثم تسقط وتسقط وتسقط لأصبح تحت الأنقاض”.
ربما كانت لحظات ما بعد السقوط هي الأصعب، فالإحساس بالعجز هو أصعب المشاعر ألما على القلب، خاصة حينما يكون في قلب أب تمنعه الأقدار أن يدفع شرا عن فلذات أكباده.
وهذا ما حدث مع “أبو يحيى”، حينما يقول: “سمعت صوت صغيري ذي العامين والنصف ينادي بوضوح: بابا.. ويصمت لبضع ثوانٍ ثم ينادي من جديد: بابا.. بابا، ثلاث مرات ثم اختفى الصّوت للأبد، كانت مشاعري تنتحب أمام ما يجري لفلذة كبدي، لكنني لم أملك قوةً لأن أردّ عليه أو أواسيه في محنته، ثم أيقنت أنه استُشهِد، باختفاء الصوت، ثم نادت ابنتي دانا بصوت مخنوق:” بابا.. بابا..” واختفى صوتُها هي الأخرى تمامًا”.
ويصف أبو يحيى حالة عجزه حتى عن الحركة، ووضعه الذي سقط عليه ليتصور معه الجميع حجم ما كان فيه من عنت ومشقة، يقول: “انهار البيت فوقنا في مشهدٍ لم أتخيله يومًا في حياتي، أصبحت تحت الأنقاض، لم أكن ممددًا إنما جالسًا باعوجاج وعمودي الفقري غير مستقيم إنما مُنْحَنٍ لليمين، فيما يتربع فوق رجلي اليمنى عمود البيت الضخم، وفوق ذراعي اليمنى نصف عمود مثبّت بالسّقف الذي يعلو رأسي ويجعله منخفضًا”.
لحظات لا يمكن تخيل أصعب منها، قلب يتمزق من العجز عن إنقاذ فلذات أكباده، وجسد ضعيف لا يقوى على ما هو فيه من مشقة ما يحمله فوقه، وظلام دامس، وساعات طوال لا يعلم ما سيأتي بعدها.
لكن الأمل فقط هو ما يتشبث به أصحاب الهمم، يقول أبو يحيى عن هذه الساعات الست التي قضاها: “كنت أسترجع شريط ذكرياتي مع أطفالي الخمسة فأسمع أصواتهم وهم يتحدثون ويلعبون ويتشاكسون ويغنون، استرجعت موقف يحيى ذي الخمس سنوات الذي اعتاد على تخبئة “ريموت التلفاز” في حقيبة الروضة الذي ينتظر التسجيل فيها بفارغ الصبر، وكذلك تذكرت الطاولة الصغيرة التي لم تتوقف دانا عن وضع حقيبتها فوقها حتى باتت الطاولة خاصة بها ولا يمسها أحد”.
وفجأة فتحت الأقدار لـ “أبو يحيى” باب نور، إذ سمع صوتا ينادي هل من أحياء، فاستجمع قوته التي خارت بفعل الأثقال التي يحملها، وحاول رفع صوته، فسمعه المنادون، وبدأو يحفرون للوصول إليه.
يقول أبو يحى عن لحظة خروجه: “مرت ساعتان وهم يحفرون إلى أن ظهرت فتحة صغيرة، خرجت منها أرفع شارة النصر بإصبعيّ، نعم إننا منصورون رغم جراحِنا وآلامنا وفقْدنا لأزواجنا وفلذات قلوبنا وأكبادِنا، إننا منصورون بكرامتنا وصواريخ مقاومتنا التي تُجبر المستوطنين المحتلين على الهروب إلى الملاجئ والاختباء لأيام طويلة رغم أن صواريخ مقاومتنا لا تقارن بقوتها وحجم تدميرها قوة الصاروخ الصهيوني، إننا منصورون لانتصارنا للمسجد الأقصى وحي الشيخ جراح والقدس الحزينة العاصمة الفلسطينية المُحتلة”.