“لعنة النزوح”.. لاجئو إريتريا هربوا إلى تيغراي فلاحقتهم الحرب
من بين آلاف الفارين من النزاع المستمر منذ خمسة أسابيع في منطقة تيغراي الإثيوبية، هناك بضع عشرات من الرجال والنساء والأطفال من إرتيريا المجاورة والتي يوصف نظامها حكمها بالاستبدادي والقعمي.
وكان هؤلاء الإريتريون يعيشون كلاجئين بالفعل في تيغراي بشمال إثيوبيا، حيث كان الإقليم ملاذا آمنًا لهم خلال سنوات الصراع في إريتريا، قبل أن تمزقه الحرب.
فحين شنّت حكومة رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد عملية عسكرية ضد الحزب الحاكم في منطقة تيغراي، تحطمت كل آمال اللاجئين الإريتريين في إيجاد الأمان مع تصاعد العنف حول مخيماتهم.
وقال خضر آدم لوكالة فرانس برس في مخيم للاجئي تيغراي في شرق السودان “وصل الجنود فجأة إلى مخيمنا وبدأوا في إطلاق النار. … كان الوضع خطيرا جدا وكان هناك الكثير من إطلاق النار”.
وقال آدم إنه استقر مع عائلته في الأصل في أحد مخيمات اللاجئين بمنطقة شيرارو في تيغراي بالقرب من الحدود الإريترية قبل نحو عامين.
فقد ظلت إثيوبيا وإريتريا في حالة حرب طيلة سنوات.
ومنذ توليه رئاسة الحكومة في 2018، استبعد أبي تدريجيا “جبهة تحرير شعب تيغراي” من المنظومة السياسية والأمنية في أثيوبيا بعد أن كانت تسيطر عليها منذ نحو ثلاثين عاماً.
وعقد السلام أيضاً مع إريتريا المجاورة العدوة اللدودة لجبهة تحرير شعب تيغراي بعد حرب دامية بين البلدين بين 1998 و2000، وكان ذلك سبب حصوله على جائزة نوبل للسلام.
بعد التحول الدرامي في التحالفات، أطلقت قوات أبيي عمليتها في تيغراي في الرابع من نوفمبر، وبعد أن كان الإريتريون يتمتعون بالحماية في إثيوبيا لفترة طويلة، أصبحوا مستهدفين.
منذ ذلك الحين، تمكن عدد قليل من اللاجئين الإريتريين من الفرار إلى السودان.
وفي هذا الصدد، أعربت الأمم المتحدة عن مخاوفها على سلامة أولئك الذين ما زالوا في تيغراي، موطن حوالي 96 ألف لاجئ إريتري يعيشون في أربعة مخيمات.
لاجئ مرة أخرى
كان آدم (30 عاما) الذي فرّقته أعمال العنف في تيغراي عن زوجته وطفليه البالغين من العمر ثلاثة أعوام وعام، من بين العديد من اللاجئين الإريتريين الذين قابلتهم فرانس برس في مركز استقبال اللاجئين الجدد من إثيوبيا في بلدة حمداييت على الحدود السودانية الشرقية.
وعن المشهد في تيغراي، قال آدم: “بعض الجنود كانوا إريتريين وبعضهم من الجيش الفدرالي (إثيوبيون)”، مشيرا إلى أنهم “كانوا يطلقون النار على جميع الناس .. نساء ورجالاَ وأطفالاً”.
والجمعة، قال متحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية: “أخذنا علما بتقارير موثوقة عن تدخل الجيش الإريتري في تيغراي ونعتبر ذلك تطورا خطيرا”، مطالبا بانسحابهم الفوري.
وفي المقابل، ندد السفير الإثيوبي لدى الولايات المتحدة فيتسوم أريغا على تويتر بما أسماه “كذباً”.
ويشعر آدم “بالقلق والحزن لكوني لاجئاً مرة أخرى. كنت هناك لاجئاً، وهنا أيضاً لاجئ .. هذا حقا صعب”.
وعزا آدم أسباب فراره من إريتريا إلى سياسة التجنيد الإلزامي.
وقال: “لقد أجبرونا على أداء خدمة وطنية إلزامية في إريتريا، لهذا السبب قررنا الذهاب إلى إثيوبيا”.
وكانت إريتريا تبرر نظام التجنيد الإلزامي بالحرب التي كانت تخوضها ضد إثيوبيا، وعلى الرغم من انتهائها وعقد اتفاق سلام، لا يزال هذا الأمر قائما.
ووفقا لمنظمات حقوقية، قد تمتد الخدمة الوطنية في إريتريا في كثير من الأحيان لسنوات وأي محاولة للهروب من التجنيد أو العصيان قد تؤدي إلى السجن والتعذيب.
“آمن في السودان”
إلى جانب حوالي 36 إريتريًا آخرين، وجد آدم مأواه في مخيم استقبال حمداييت، حيث تبقيهم سلطات المخيم منفصلين عن اللاجئين الإثيوبيين.
وبحسب مدير المخيم يعقوب محمد، فإن الإريتريين، بأمان في السودان، مثلهم مثل الإثيوبيين.
لكنه أبدى قلقه على الإريتريين الذين ما زالوا في تيغراي، بعد ما نقله اللاجئون أنفسهم ووصفوه بـ”هجوم” على مخيمات اللاجئين في شيرارو.
ويقول محمد لفرانس برس “لقد فر الناجون لإنقاذ حياتهم، تمكن بعضهم من الوصول إلى السودان، لكن لا نعرف أين يوجد الآخرون”.
وقال المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين فيليبو غراندي، الجمعة، إنه “قلق للغاية بشأن سلامة ومعيشة اللاجئين الإريتريين في إثيوبيا” المحاصرين في صراع تيغراي.
وأضاف في بيان: “خلال الشهر الماضي تلقينا عددا هائلا من التقارير المقلقة عن مقتل واختطاف لاجئين إريتريين في تيغراي وإعادتهم قسرا إلى إريتريا”.
قبل النزاع، قدمت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين وجهات إغاثة أخرى المساعدة للاجئين الإريتريين في المخيمات في إثيوبيا.
إلا أن ذلك توقف بإجلاء معظم موظفي المفوضية خوفًا على سلامتهم، وتقييد إثيوبيا الوصول إلى تيغراي.
وقال منسق الطوارئ بالمفوضية أندرو مبوغوري لفرانس برس من ولاية القضارف السودانية، القريبة من المخيمات، إن اللاجئين الإريتريين يجدون أنفسهم في وضع صعب للغاية في تيغراي.
وقال مبوغوري: “تخيل أنك لاجئ في بلد يندلع فيه صراع فتجد نفسك في ورطة مزدوجة ..(الإريتريون) يواجهون الكثير من الصعوبات”.
عندما كنا “نعيش بسلام”
يجلس شيشاي يعقوباي، البالغ من العمر 46 عاما، على مقعد تحت شمس الظهيرة الحارقة مع رفاقه من اللاجئين الإريتريين ويقول إنه وصل إلى حمداييت بعد أيام فقط من اندلاع العنف في تيغراي.
ومثل آدم، لا يعرف يعقوباي مكان زوجته وأطفاله الأربعة، رغم أنه يعتقد أنهم ربما لا يزالون في مخيم “هيتساتس” بالقرب من شيرارو في تيغراي، حيث كانوا يعيشون.
وقال لفرانس برس من خلال مترجم: “كنا نعيش بسلام. ولكن فجأة جاء جنود إريتريون وفدراليون وبدأوا في إطلاق النار على المدنيين. … بعد ذلك هربت من المخيم وانفصلت عن عائلتي”.
تحول كبير في الصراع
إذا تأكد وجود الجنود الإريتريين في تيغراي، قد يمثل ذلك تحولًا كبيرًا في الصراع الذي دفع بالفعل ما يقرب من 50 ألف شخص إلى الفرار من تيغراي إلى السودان، وفقًا لاحصاءات الأمم المتحدة.
ومع عودة العلاقات الإثيوبية الإريترية، قد لا ترغب إريتريا في أن تستضيف إثيوبيا أي منشقين أو فارين، بحسب ويليام دافيسون، المحلل المخضرم في الشأن الإثيوبي، بمركز أبحاث مجموعة الأزمات الدولية.
وقال لفرانس برس: “بعض اللاجئين الاريتريين الذين انتهى بهم المطاف في إثيوبيا كان من الممكن اعتبارهم فارين من التجنيد (الإلزامي)… قد ترغب الحكومة الإريترية في معاقبتهم على ترك الجيش … وبسبب تحسن العلاقات، اكتسبت اريتريا قدرة أكبر على التأثير على الحكومة الإثيوبية حتى لا تستضيف المنشقين”.
وفي حديثها لفرانس برس من منزلها في السويد، تعتقد الصحافية السويدية الإريترية ميرون إستيفانوس أيضًا أنه يتم استهداف الهاربين من التجنيد.
وقالت استيفانوس: “التركيبة السكانية في المخيمات، مع تهرب الكثير من الناس من الخدمة الوطنية الإريترية، تجعلهم هدفًا”.
وصلت رهوة، الفتاة الإريترية التي تبلغ من العمر 19 عامًا، إلى إثيوبيا في أوائل عام 2020.
وداخل ملجأ بائس، كانت الفتاة التي ترتدي حجابا قطنيا أحمر وتكحل عينيها تقيم مع مجموعة من النساء والأطفال.
وقالت رهوة لفرانس برس، بمساعدة المترجم “لا يزال والداي في إريتريا ويريدان أن أعود”.
وتوضح رهوة أنها تركت المدرسة، ما قد يكون سببا في تجنيدها تلقائيًا في الجيش.
وأضافت الشابة: “لكنني لا أريد ذلك. لا يمكن أن أفعل ذلك”.
المصدر: فرانس برس