عرب وعالم

من وساطة الصين بين السعودية وإيران.. من هم الرابحون والخاسرون؟

أعلنت السعودية وإيران، الجمعة، عن استئناف علاقاتهما الدبلوماسية المقطوعة منذ 2016، برعاية الصين، في خطوة قد تنطوي على تغييرات إقليمية دبلوماسية كبرى.

وجاء في بيان نشرته وكالة الأنباء السعودية (واس) ووكالة أنباء “إرنا” الإيرانية الرسمية، أنه على أثر محادثات، فقد “تمّ توصل المملكة العربية السعودية والجمهورية الإسلامية الإيرانية إلى اتفاق يتضمن الموافقة على استئناف العلاقات الدبلوماسية بينهما وإعادة فتح سفارتيهما وممثلياتهما خلال مدة أقصاها شهران”.

انقطعت العلاقات بين الرياض وطهران عام 2016، عندما هاجم محتجّون إيرانيون البعثات الدبلوماسية السعودية في إيران بعدما أعدمت المملكة رجل الدين الشيعي نمر النمر.

إعادة التوازن
ونقلت وكالة الأنباء الفرنسية عن الخبير تريتا بارسي من معهد كوينسي، وهو مركز أبحاث أميركي، أن “اتفاق تطبيع العلاقات هو نبأ سار للشرق الأوسط بما أن التوترات بين السعوديين والإيرانيين شكلت محرك انعدام الاستقرار في المنطقة”.

واعتبر بارسي أنه قد يكون للاتفاق انعكاسات إيجابية على لبنان وسوريا والعراق و”ربما الأهمّ، على اليمن”. وتتمتع إيران بنفوذ كبير في اليمن والعراق ولبنان كما أنها تدعم النظام السوري عسكريًا وسياسيًا.

بدورها، اعتبرت الخبيرة بنفشه كي نوش في معهد الشرق الأوسط ومقرّه واشنطن، أن هذا الاتفاق قد يساهم “في إعادة التوازن الأساسي للنظام الإقليمي في الشرق الأوسط، وهو ما تمنّته كافة الدول بما في ذلك إسرائيل”، على حد تعبيرها.

الصين وإيران
أعطت الوساطة الصينية بين السعودية وإيران الضوء الأخضر لدخولها إلى الساحة الدبلوماسية الإقليمية من الباب العريض برعايتها الاتفاق.

وفي السياق، قال دينيس بوشار المستشار لشؤون الشرق الأوسط في المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية (Ifri)، إن الاتفاق يمثل “تأكيداً لنفوذ الصين المتزايد في الشرق الأوسط، ليس فقط على المستوى الاقتصادي إنما أيضًا على المستوى الدبلوماسي”.

ويشكل الاتفاق أيضاً إنجازاً لإيران إذ إنه يحول دون عزلها نتيجة التطبيع بين الدول العربية والاحتلال الإسرائيلي، مقابل تراجع النفوذ الأمريكي في المنطقة لحساب الصين.

ولم تتردّد المعارضة الإسرائيلية في انتقاد حكومة بنيامين نتنياهو بعد الإعلان عن الاتفاق السعودي – الإيراني، معتبرة أنه يشكل “فشلًا تامًّا وخطرًا لسياسة الحكومة الإسرائيليّة الخارجيّة”. ولم تنجح الحكومة الإسرائيلية في ضمّ السعودية إلى اتفاقيات أبراهام المبرمة عام 2020 مع جارتي المملكة، الإمارات والبحرين.

وتعتبر دولة الاحتلال أن إشراك الرياض في اتفاقيات التطبيع لو حصل، كان سيسمح في إنشاء تحالف إقليمي ضد إيران التي يشكل برنامجها النووي تهديدًا مباشرًا بالنسبة لـ”إسرائيل”.

تحفّظات
رحبت الإدارة الأميركية بحذر بالاتفاق السعودي الإيراني، فيما شككت في رغبة إيران بالمشاركة فعليًا في خفض التصعيد، حيث قال الناطق باسم مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض جون كيربي: “سنرى… إذا كان الإيرانيون سيحترمون جانبهم من الاتفاق. فهذا ليس نظامًا يفي بكلامه عادةً”.

وإذ يبدو إعلان التطبيع انتصارًا لإيران، فإنه يُفترض أن يصمد أمام “اختبار الزمن”، بحسب الباحثة بنفشه كي نوش، لأنه سينبغي على الطرفين رفع “الكثير من التحديات” وتجاوز خلافات عميقة.

أما الأميركيون، الذين كانوا الفاعلين المركزيين في الشرق الأوسط على مدى ثلاثة أرباع القرن الماضي، وكانوا دائماً موجودين في الغرفة التي حدث فيها ذلك، فيجدون أنفسهم الآن على الهامش خلال لحظة تغير كبير.

في المقابل، فإن الصينيين، الذين لعبوا لسنوات دوراً ثانوياً فقط في المنطقة، حولوا أنفسهم فجأة إلى لاعب قوي جديد. أما الإسرائيليون، الذين كانوا يغازلون السعوديين ضد خصومهم المشتركين في طهران، فيشعرون بأنهم خسروا الرياض التي كانت تل أبيب تسعى إلى ضمها لتحالف إقليمي ضد إيران.

الملف اليمني
وقالت الخبيرة بنفشه كي نوش إن تهدئة التوتر في اليمن كان شرطًا مسبقًا طرحه السعوديون لإنجاز التقارب الدبلوماسي مع طهران.

وتقود الرياض تحالفاً عسكرياً داعماً للحكومة اليمنية المعترف بها دوليّاً، وتَتّهم طهران بدعم المتمرّدين الحوثيّين الذين يسيطرون على مناطق واسعة في شمال البلاد أبرزها صنعاء.

وفي أيلول 2019 استهدف هجوم، اثنين من أكثر مواقع النفط الاستراتيجية في المملكة العربية السعودية، بواسطة طائرات بدون طيار وصواريخ، أُطلقت وفقًا للولايات المتحدة من الأراضي الإيرانية، معتبرة أن هذا الهجوم، الذي لم يرد عليه الأميركيون، سلط الضوء على الضعف السعودي وغذى الاعتقاد في الرياض بأن الحرب ضد إيران ستكون مدمرة، مع اقتناع السعوديين بعدم التعويل على واشنطن في مواجهة طهران.
وعلى ضوء الاتفاق بين الرياض وطهران، فإنه من المتوقع أن يعرف الملف اليمني حلحلة على المستوى السياسي والعسكري، حيث سعت السعودية إلى التفاوض مع الحوثيين، قبل المصالحة مع إيران، من أجل وقف الحرب.

في المقابل، اعتبر دينيس بوشار أنه لا يزال يتعيّن إثبات تأثير هذا التقارب في اليمن الذي “لا يشكل موضوعًا أساسيًا بالنسبة لإيران”.

طموحات نووية
ويأتي الاتفاق بين طهران والرياض في وقت حرج بالنسبة للجمهورية الإسلامية، حيث تواجه إيران عزلة بسبب انتهاكاتها المتكررة لاتفاق برنامجها النووي، ما جعلها تلجأ إلى المصالحة مع جيرانها الإقليميين.

في المقابل، اعتبر الدبلوماسي السابق بوشار، أن الرياض تتقرّب من طهران “مدركةً أن سير إيران نحو النووي بات الآن حتميًا”.

إلا أن ذلك لا يغيّر أي شيء في السياق، حيث اعتبر بوشار “أننا حاليًا في منطق الخيار العسكري أكثر مما نحن” في منطق التهدئة. (عربي21)

Related Articles