ضحية انفجار 4 اب وابنها يقول لـ “لبنان 24″… “اشتقتلها ولو بقيت معنا ما كنت برضى تعيش الذل اللي عم نعيشو”
“مش مسامحن” بهذه العبارة يبدأ “ايلي الحاج” كلامه وفي عينه يأس واضح من البلاد وعبادها وكل تفصيل مرتبط بال 10452 كلم مربع.
لم يكن هذا الشاب اللبناني راضيا عن واقع بلده قبل انفجار مرفأ بيروت في الرابع من اب ٢٠٢٠، لكنه بعد هذا التاريخ تحوّل الى رافض يحاول الهروب الى حيث الامان والسلام والسكينة.
كيف لا، ولبنان افقده كل من أحب، لاسيما والدته “زينة الحاج”، التي قضت بالانفجار في منزلها في الجميزة، بعد ساعة واحدة من مغادرتها عملها في شركة “كهرباء لبنان” في مار مخايل،
لم تكمل زينة ارتشاف فنجان قهوتها، سلبتها نيران الانفجار القهوة والركوة والفناجين وشلّعت جدران منزلها وابعدتها عن اولادها الذين ربتهم بدموع الأعين،
سلبها الانفجار سنين عديدة كانت بانتظارها، سنين الحصاد والراحة، اذ كانت تنتظر لترى احفادها بأم العين وتستريح من وظيفتها بعد سنوات طوال من الكد والتعب والعمل.
بكل الاحوال، ليست المعاناة جديدة على هذه العائلة، لا بل يمكن القول ان عائلة “سليم الحاج” هي عائلة لبنانية نموذجية من حيث اختبار كل اساليب العذاب الممكنة في هذا البلد،
فبعد “حرب الالغاء” الذي خاضها الوالد” سليم” بكل شجاعة الى جانب احد الاحزاب انذاك، كان النزوح مصير العائلة التي تمركزت في قلب العاصمة بيروت،
وهناك رحلة الشقاء في العمل والبحث عن الحياة لثلاثة اولاد كبيرهم نبيه، الذي هاجر الوطن منذ اكثر من 16 سنة، ليأتي انفجار المرفأ ويحوّل هجرته ابدية سرمدية، اذ وحسب ما يقول شقيقه “حلف يمين ما يرجع عالبلد”
أما صغيرة البيت فهي “نادين”، الذي يقول شقيقها ايلي، كيف كنت ساحتمل الفاجعة لو ان نادين كانت برفقة امي في ذاك اليوم المشؤوم، لا بل كيف كان سيحتمل شقيقنا الكبير الكارثة لو كنت وشقيقتي برفقة والدتنا،
انها لمفارقة غريبة، فقد كان بامكانهم ان يقتلوننا جميعا، فجميعنا بالنسبة لهم كالنمل، يمكنهم ان يدوسوا علينا دون ان يشعروا حتى بوجودنا
فالمهم بالنسبة لهم، بالنسبة للمسؤولين هو ان يستمروا على قيد الحياة بفرح وبحبوحة وراحة بال، ونحن الشعب تفصيل وورقة رابحة احيانا وخاسرة احيانا أخرى.
وعند سؤاله عن اعلان يوم الرابع من اب، يوم حداد وطني، يقول ايلي ” بماذا ينفع هذا الاعلان، وكانهم يريدون ان يذكروننا دائما بمصائبنا والمنا،
ما نريده فعلا هو الانتقام، ما نريده هو محاسبة كل من تثبت ادانته في هذا الملف الاسود،لا بل نريد تعليق مشنقة لكل مرتكب في هذه الجريمة الانسانية الكبيرة، وللوصول الى هذه المرحلة، نحن بحاجة الى تحقيق دولي، فالقضاة في لبنان، وبرأيي الخاص محكومون بالطائفة والسياسة والمذهب وغيرها من عوامل، نحن نفتقد للقضاء المستقل،
وحسب تطلعاتي لن يصل القاضي “البيطار” الى اي مكان في تحقيقه، لا بل لن يصل ملف انفجار المرفأ الى اي مكان، فنحن في لبنان نعيش الجرائم ولكن لا نعرف العدالة”.
وعن المنزل والعودة اليه، يقول ايلي ” رممنا المنزل، الزجاج والجدران وكل ما يلزم، وهنا لا بد ان اقول كم هو معيب تصرف البعض في موضوع الترميم،ومحاولة التمنين ، في الوقت الذي نجد انفسنا عزلا، فقدنا ارواحا واملاكا وبيوتا بما فيها ومَن فيها .
وبالعودة للحديث عن المنزل، ينقصه اليوم الكثير من الاثاث والمواد الكهربائية، حتى يعود قابلا للحياة، ولكن عن اي حياة يمكن الحديث في هذا المنزل،منزل الطفولة والشباب والعائلة والحب، فيه نفسه فارقت (ست الحبايب) الحياة، سرقوا حياة والدتي وذكرياتي انا واخوتي،فنحن اليوم، ما عدنا نرغب بالعيش هنا، نحاول جاهدين لم شمل العائلة والالتقاء في مكان ما على هذه الكرة الارضية.في مكان يسمع الوجع ويلتفت الى الظلم، فبعدما بتنا وحيدين دون اب وام، بات اللقاء معا هو الشفاء الوحيد لاوجاعنا والامنا”.
ويستذكر ايلي، والده الحزبي العتيق معتبرا “ماذا ربح والدي من الاحزاب و”بواريدها”، لن نعيد تجربته، فجميعهم يرونا فينا ادوات لتنفيذ مصالحهم.
كما يخاطب والدته معبرا لها عن اشتياقه لها “اشتقنالك يا امي، اشتقنا لاهتمامك وحبك وعطفك علينا، اشتقنا لاحاطتك لنا، لكنني اعرف انك في مكان افضل بكثير، فلا يمكنني ان اتخيل انك معنا اليوم وتقفين في طوابير الذل عند محطات البنزين والصيدليات والسوبرماركات وفي كل قطاع حيوي يحتاجه المواطن حتى يستمر بحياته.
ويختم ايلي ” اشتقتلك يا امي، ولكن لو كنت معنا اليوم ما كنت برضى تعيشي الذل والوجع والقهر اللي عم بعيشو كل مواطن، محل ما انت افضل بكتير”