عودة إلى صناعة الماضي… “إجا مين يعرفك يا خرّوب”
كتب رمال جوني في “نداء الوطن”:
دفعت الظروف القاسية الناس للعودة الى الماضي، ليس سهلاً على أحد أن يتخلّى عن العصرنة ويعيش حياة الأجداد، ولكن “الظروف بتحكم”. فالضائقة المعيشية أنعشت العديد من القطاعات وضخّت النبض في صناعات تقليدية طواها الزمن، فإذ بها تنشط.
دبس الخروب إحدى الصناعات التي دبّت الحياة داخلها، تعدّ بترول القرى هذه الأيام، فعسل الفقراء حجز مكانته داخل القطاع الصناعي المحلي بإمكاناته المحدودة، فالدولة لا تدعم شيئاً ولا تكلّف نفسها تأمين أبسط مقوّمات الصمود. رفع “أبو سكنة” الغطاء عن الدعم ونشط بصناعته وحيداً، معتمداً على إمكاناته المتواضعة. قبل 12عاماً إفتتح معصرته الصغيرة لصناعة دبس الخروب، كان وقتها الخروب محدوداً، بعد الإستغناء عن شجرته لصالح الكينا وغيرها، غير أنّ بلديات بدأت تشجّع على إعادة زراعته كنوع من الدعم الإقتصادي للقرى، فالخرّوب له مكانته على مائدة اللبناني لا سيّما في فترة الشتاء، وهو صحّي وفوائده جمّة، يكفي انّه بديل السكر، ومنذ ذلك الوقت نشطت صناعته، وبدأت تنتعش وتصدّر للخارج.
رحلة الخروب تبدأ بعد أن ينضج ثمره ويتحوّل لونه أسود. يُقطف في شهر أيلول، ويتمّ تجفيفه تحت أشعة الشمس. بعدها يُنقل الى المصنع حيث تكون فرّامة الخروب بانتظاره، تقطّعه وتفرمه ليعمل الغربال على تنقية كسر الخروب الصغيرة والكبيرة من شوائبها ويعربها ليذهب الكسر نقياً الى التخمير، حيث يتمّ وضع كسر الخروب الخالي من شوائبه في غرفة مُعتمة لمدة 60 يوماً ليختمر وبعد هذه المدّة ينقع في المياه لمدة ثماني ساعات يتمّ خلالها استخراج عصارته التي يمكن تحويلها شراباً مفيداً لأمراض المعدة، بعدها تكون النار في انتظار العصارة لكي تطبخه وتحوّله دبساً بعد مشوار أربع ساعات من الغليان على البخار الذي توفره آلة “الشوديير”. بعدها، يصبح الدبس جاهزاً للبيع الذي يسوق تحت اسم دبس الجبل الرفيع.
يستقطب المعمل حوالى 50 طناً سنوياً، وينتج ما يقارب الـ 30 طناً من الدبس، يباع الكيلو في السوق المحلي بـ15 ألف ليرة. شجرة الفقراء بحسب نذر “تدرّ الربح على المزارع، عدا عن كونها تدخل في علاج الكثير من الامراض إذ إن الخروب يحتوي على الفيتامين ب الذي يخفف من نسبة الضغط النفسي عند الفرد وينشّط عمل الخلايا في الجسم، ويساعد على حلّ مشاكل الغازات وعسر الهضم والامساك. حتى ان بذرها يدخل في مستحضرات التجميل”. ولا تتوقّف صناعته عند الدبس، فوِفق نذر “تطوّر، وبدنا ننتج منه بودرة الخروب التي تشبه القهوة ذات المذاق اللذيذ وتعد عصيراً بارداً أو ساخناً، كما وتدخل في صناعة الحلويات. رديف صناعة الدبس التي اخذت تنشط في الآونة الاخيرة على أيدي بعض النسوة ممّن وجدن فرص عمل لهنّ، في ظلّ الوضع الاقتصادي الصعب، وجدت أحلام حنجول في صناعة البسكويت فرصة ذهبية لها، فالظروف القاهرة دفعتها مع صبايا عدّة لتصنيع البسكويت من دبس الخروب، إختارت أحلام دبس الخروب لأنّه صحّي، وخصّصت منتجاتها المتنوّعة لمرضى السكري وكلّ باحث عن “حلو صحّي” كما تقول، بل تجزم بأنّ “الخروب أضفى نكهته الخاصة على منتجات مصنعها المتواضع”. مع ساعات الصباح الاولى تبدأ أحلام مع فريقها العمل، تعدّ الكعك بالشوفان والخروب، وبسكويت التمر والخروب، وغيرها من المنتجات التي حجزت لها مكاناً داخل السوق المحلي، “فالطلب كبير، بل زاد أضعافاً”، كما تقول، وهي المنهمكة في تحضير عجينة التمر. لا تخفي احلام إبنة الاربعة واربعين عاماً خشيتها من الآتي، فالصناعة في لبنان “مش مدعومة” فكيف بالصناعات الفردية، وتضيف: “المواد الأولية كلها ترتبط بالدولار، وغياب الدعم يدفع بالتكلفة الى الإرتفاع”، ومع ذلك تمضي احلام في مشروعها المتواضع الذي تبني عليه مستقبلها مع عدد من سيّدات بلدتها عربصاليم، حيث وفر المشروع فرصة عمل لأكثر من 5 سيدات، تمكنّ جميعاً من تأسيس ماركة صناعية بنتاجهن، وبحسب حنجول “المشروع ساهم في تعزيز الصناعة الداخلية للقرى، ودفع بكثيرات للتمثل بهنّ عبر تأسيس مشاريع فردية صغيرة لمواجهة الأزمة المعيشية”، وتؤمن بأنّ “الصناعات النسَوية ستكون رائدة، وتسعى لفتح مسار للتصدير الى الخارج، سيما وأنّ الخروب له رواج كبير في الاسواق التركية والعربية لارتباطه المباشر بصحّة الإنسان”.