لبنان

احتدام “حرب الكمائن” الرئاسيّة… والاحتقان الشعبيّ يشتدّ!

جاء في “الراي” الكويتية:

على وقع احتدام «الحرب الباردة» الرئاسية وانتقال أطرافها إلى مرحلةٍ أقسى من «عض الأصابع» تحت ستار مبادراتٍ وكمائن سرعان ما ظهّرت مراوحةَ المبارزات في هذا الاستحقاق في حلقةِ التعقيدات نفسها، يتخذ «التدافعُ الخشن» بين «الدولار الأسود» وبين الليرة منحى هستيرياً انزلقتْ معه العملة الوطنية نحو «سِباقٍ ثلاثي» على خفْض قيمتها، رسمياً مرّتين من 1507 ليرات إلى 15 ألفاً لسعر صرْفها، ومن 38 ألفاً على منصة مصرف لبنان (صيرفة) إلى 42 ألفاً، وفي السوق الموازية إلى أعتاب 65 ألفاً وهو رقم قياسي لم تعرفه منذ انطلاق الانهيار المالي خريف 2019.

ومع كل ارتفاعٍ جنوني، يقسو معه الدولار أكثر على الليرة، تزداد المخاوف من الاحتقانات المتصاعدة في الشارع الذي تتربّص به اختناقات معيشية في كل أوجه يومياته الموجعة، وسط خشية متعاظمة من أن يتحوّل هذا الواقع الضاغط، في ذاته أو بـ «كبسات زرّ» خفية، عنصر تفجير للوضع اللبناني برمّته وحمّال أجندات سياسية – رئاسية إما لفتْح مسْربٍ لإنهاءٍ قريب للفراغ في رئاسة الجمهورية «على الحامي» وعلى قاعدة مرشّح يُروَّج أنه بات، أو على وشك، يملك 65 صوتاً، وإما لإبقاء هذا الاستحقاق أسير «سيف مصلت» وفتيل قابل للإشعال في «التوقيت المناسب».

ويربْط مصرف لبنان أي تدخّل جديد لمحاولة لجْم الدولار بتوقيف كبار الصرافين غير الشرعيين الذين يشكلون «الثقب الأسود» الذي يبتلع ما يضخّه من عملة خضراء لتهدئة روع الدولار، وهو ما يُخفي وفق بعض الأوساط أن «المركزي» بات «مربوط اليدين» في مدى قدرته على تأخير الارتطام المريع.

ومع اقتراب «الإعصار» المالي من مرحلة ذروة جديدة، لم يحمل الملف الرئاسي ما يشي بإمكان اجتراح «معجزة» توفّر «هبوطاً آمناً» للجميع في ظل مؤشرات مخيفة إلى تحلُّل الدولة ومؤسساتها.

وفي حين تتجه الأنظار إلى الحركة التي ستكون البطريركية المارونية محورها الأسبوع المقبل وسط استعداداتٍ لاجتماعٍ للنواب المسيحيين معاً أو لكل كتلة على حدة، ترجمةً للبيان الذي صدر عن القمة الروحية المسيحية وتفويض البطريرك مار بشارة بطرس الراعي «دعوة النواب المسيحيين إلى اللقاء في بكركي، وحضهم على المبادرة معاً، مع النواب المسلمين، وفي أسرع وقت لانتخاب رئيس للجمهورية اللبنانية»، فإن ثمة صعوبة في تَصَوُّر أن يخلص مثل هذا الحِراك إلى توافق على اسم واحد يكون المنطلق لجمْع الكتل غير المسيحية حوله، وسط خشية من أن يؤدي مثل هذا الفشل إلى «توثيق» أن المسيحيين يتحمّلون المسؤولية الأولى في استمرار الشغور، وإزاحة الأنظار عن الجوهر السياسي للأزمة وما تختزله من صراع على تموْضع لبنان الاستراتيجي.

وكان بارزاً أمس موقف للنائب وائل أبوفاعور بدّد الكثير من التسريبات عن خلاصات لقاءات رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط المتعددة الاتجاه وكان آخِرها مع الرئيس نبيه بري ومن التساؤلات حول مدى «ثبات» الأخير على دعم ترشيح سليمان فرنجية وموقفه من «الثلاثي» الذي يقترحه الزعيم الدرزي لتسوية رئاسية، أي قائد الجيش العماد جوزف عون والوزير السابق جهاد أزعور والنائب السابق صلاح حنين.

فأبوفاعور أعلن «أن الأمور ليست سهلة وجنبلاط ليس واهماً بأن الأوضاع سهلة وهناك مجموعة تشابكات محلية وغير محلية وصراع على موقع الرئاسة وليس جميع الأطراف تُعلن ما تُضمر من مواقف سياسة»، لافتاً إلى «أن جنبلاط يحاول مع جميع الأطراف السياسية ولكن الأمور حتى اللحظة لا تبدو واعدة على المدى القريب»، ومشيراً إلى «أن الاسم الاكثر تداولاً هو اسم قائد الجيش وهو ليس الاسم الوحيد الذي يتم التداول به والسؤال هو هل يكون قائد الجيش رئيساً للجمهورية أو لا يكون»؟

وكشف أنه «في خانة الأسماء التوافقية يُطرح اسم قائد الجيش، وسليمان فرنجية يُطرح كمرشح لفريق ما، ومن الواضح ان الرئيس نبيه بري يفضل فرنجية ويدعم وصوله الى رئاسة الجمهورية».

وفي موازاة ذلك، وعلى وقع ازدياد مؤشرات تصدُّع التفاهم بين التيار الوطني الحر بقيادة جبران باسيل وبين «حزب الله»، زار وفد من الحزب ضم رئيس الكتلة النائب محمد رعد و4 نواب آخرين الرئيس السابق ميشال عون، في محطة بدت في إطار محاولة «تضميد جراح» تفاهم 6 فبراير الذي وقّعه عون مع السيد حسن نصر الله في كنيسة مار مخايل قبل 17 عاماً.

وإذ شدّد عون خلال اللقاء على «أهمية الشراكة الوطنية واستكمال مشروع بناء الدولة ومكافحة الفساد وصون حقوق المواطنين»، أكد رعد «أننا نقلنا إلى الرئيس عون تحيات حارة والسلام من السيد نصرالله واخوانه في القيادة وأعربنا مجدداً عن تقديرنا الكبير للعلاقة الثابتة الوازنة في ما بيننا، التي عزّزت الشراكة الوطنية وحمت السلم الاهلي وحصنت السيادة الوطنية عبر ردع جدي وحقيقي وفّره التزام معادلة الجيش والشعب والمقاومة، التي دفعت عن لبنان مخاطر الغزوة التكفيرية الارهابية الجامحة كما دفعت وتدفع عنه مخاطر الاعتداءات والانتهاكات الصهيونية».

أضاف: «لا بد من الاشارة هنا إلى أن هذه العلاقة التشاركية وفّرت مناخاً مؤاتياً لبناء مشروع الدولة وفق ما نصّت عليه وثيقة الوفاق الوطني والتي لم ترق لكثر.

اليوم نحن على بعد اربعة ايام فقط من مناسبة إرساء هذه العلاقة التشاركية المهمة التي تكرست بدءاً من 6 فبراير قبل 17 عاما ومازالت، نؤكد عزمنا وحرصنا على مواصلة هذه العلاقة مع التيار الوطني الحر وفق الأسس التي ساهم الرئيس العماد عون في إرسائها والتي تقوم على الصدق والوضوح والشجاعة في مقاربة المختلف بروح حوارية جدية ووطنية و تفهم متبادل بعيداً من الضوضاء والصخب».

وختم: «ان بلدنا اليوم بحاجة الى تضافر جهود الجميع وفق هذه الأسس للنهوض من الأزمة الراهنة واستئناف مسيرة بناء الدولة لوطن حر سيد مستقل منفتح على العالم على قاعدة الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة».

ووسط الصخب الداخلي وفيما برزت أمس زيارة السفير السعودي وليد بخاري لقائد الجيش في اليرزة، انهمكت بيروت برصد نتائج زيارة وزيرة الخارجية الفرنسية كاترين كولونا لكل من السعودية والإمارات حيث حملت الملف اللبناني إلى جانب ملفات الساعة الساخنة في المنطقة والعالم، مؤكدة في حديث صحافي أن «هدف باريس الأول الاستمرار في مساعدة اللبنانيين ودعم المؤسسات التي تضمن سيادة لبنان واستقلاله»، مكررةً دعوة بلادها الطبقة السياسية إلى تسهيل انتخاب رئيس للجمهورية، وتسهيل قيام حكومة تعمل على تنفيذ الإصلاحات كخطوة أولى نحو الإنقاذ.

وإذ جاءت هذه الحركة الفرنسية عشية اللقاء الخماسي الأسبوع المقبل بين كبار موظفي الإدارات الفرنسية والأميركية والسعودية والقطرية والمصرية والمخصص للملف اللبناني، باشر السفير المكلف بتنسيق الدعم الدولي للبنان بيار دوكان لقاءاته في بيروت «في إطار مهمة تتعلق بدعم فرنسا للنهوض بقطاع الطاقة في لبنان وتقييم الوضع في ما يخص مشروع شبكات الربط البيني في مجال الطاقة، لاسيما استجرار الغاز من مصر والكهرباء من الأردن».

وبعد لقائه رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، أكد دوكان انه «يزور لبنان في إطار جولة قادته الى مصر والأردن في اطار السعي لدعم لبنان في مجال الطاقة».

وتابع أنه «سيزور الولايات المتحدة خلال أسبوعين للبحث مع المسؤولين الأميركيين في السبل الآيلة الى تحييد ملف الكهرباء عن قانون قيصر بما يتيح مساعدة لبنان في حل أزمة الطاقة».

ولفت «الى ضرورة تنفيذ الشرطين اللذين طلبهما البنك الدولي للمساعدة في قطاع الطاقة وهما التدقيق في حسابات كهرباء لبنان والبدء بتشكيل الهيئة الناظمة للكهرباء، وفق القانون الساري المفعول».

وشدّد «على وجوب استكمال الخطوات المطلوبة لتوقيع الاتفاق النهائي مع صندوق النقد الدولي الذي يمثل بالنسبة لفرنسا وللمجتمع الدولي الممر الأساسي لاعادة التعافي الى الاقتصاد اللبناني والحصول على مساعدات تتعدى ما هو متوقع الحصول عليه من صندوق النقد. هذا الاتفاق يُعزّز الثقة الدولية بلبنان وبمؤسساته وبالعمل الحكومي».

Related Articles