تداعيات توقيف نون تفتح مجددا ملف انفجار المرفأ وتعمّق انقسام القضاء
إنتهت قضية توقيف الناشط وليم نون باطلاق سراحه بعد ظهر أمس بعد توقيفه لأكثر من 24 ساعة رهن التحقيق وما رافق هذا التوقيف من تحركات شعبية ومواقف، مما يؤشر الى عودة قضية انفجار مرفأ بيروت بقوة الى الواجهة سياسيا وشعبيا
ودافع مصدر قضائي عن قرار القاضي زاهر حمادة الرامي إلى استدعاء نون واحتجازه على ذمة التحقيق، وأكد لـ«الشرق الأوسط» أن «محضر التحقيق المفتوح لدى أمن الدولة منفصل عن حادث تحطيم زجاج قصر العدل». وقال: «هذه دعوى جاءت نتيجة ظهور نون وأبو صعب في مقابلة تلفزيونية وتهديدهما بتفجير قصر العدل بمادة الديناميت، وهذا أمر لا يمكن السكوت عنه». وإذ استغرب المصدر ما أسماها «التحركات الشعبوية» الداعمة لوليم نون، سأل: «لماذا لا يتظاهر هؤلاء للمطالبة بإطلاق الموقوفين ظلماً بملف المرفأ»، مشيراً إلى أن ««مجلس القضاء الأعلى بأغلبيته متضامن مع القاضي زاهر حمادة ويؤيد قراره».
اضافت” الشرق الاوسط”: ويعدّ القاضي زاهر حمادة من أبرز قضاة النيابة العامة في بيروت، وهو محسوب على الثنائي الشيعي، ويشغل مهمّة المحقق العدلي بجريمة خطف وإخفاء الإمام موسى الصدر، ولا يزال متمسكاً بتوقيف هنيبعل القذافي نجل الزعيم الليبي الراحل معمّر القذافي، كما سبق لهذا القاضي وفي سياق مهامه كمناوب في النيابة العامة، أن اتخذ إجراءات قضائية ضدّ كلّ التحركات التي اعتبر أن فيها اعتداء على قصر العدل.
وكتبت” الديار”: ما جرى في اليومين الماضيين ليس تعبيرا عن قضية توقيف شقيق احد ضحايا انفجار المرفأ وليم نون لاعتدائه على قصر العدل وشتم القضاء، بقدر ما يعكس احتقانا سياسياً كبيراً عبّرت عنه مواقف كثيرة، ومنهم من هدد باللجوء الى اساليب اخرى بدل الاحتكام الى القضاء الذي واجه مرة اخرى امس امتحانا صعبا مثلما حصل ويحصل معه في قضايا وملفات كبيرة، بدءاً من ملف الفساد المالي وتهريب الاموال، مرورا بقضية جريمة انفجار مرفأ بيروت، وانتهاء بالازمة الداخلية التي يعاني منها لأسباب عديدة.
ولعلّ ابرز مظاهر هذه الازمة البيان الذي صدر عن مجلس القضاء الاعلى واعلان رئيسه ان البيان «لم يصدر وفق الاصول القانونية المعتمدة»، ثم صدور بيان باسم «نادي القضاة» داعيا الى تصويب تحركات اهالي ضحايا انفجار المرفأ نحو المعرقلين الحقيقيين.
وفي غمرة هذه التطورات المتصلة بملف انفجار المرفأ الذي حضر مجدداً، اعربت مصادر سياسية لـ «الديار» عن تخوفها من ان يكون ما جرى جزءا من «ان يحضّر الشارع على وقع الازمة السياسية والرئاسية الى مسرح عمليات لمزيد من التوترات على الارض»، محذرة من الانزلاق الى لغة الشارع في ظل العجز السياسي والخلاف الحاد حول سائر الملفات الحيوية المطروحة
وربطت مصادر مواكبة للإجراءات القضائية ما يحصل على الأرض بـ«الانقسام القائم داخل مجلس القضاء الأعلى حول ملفّ المرفأ». وأشارت لـ«الشرق الأوسط» إلى أن توقيف نون «كرّس الانقسام بين أكثرية أعضاء مجلس القضاء التي تريد تعيين محقق عدلي رديف يتولى البت بإخلاء سبيل الموقوفين، وبين رئيس مجلس القضاء القاضي سهيل عبود الذي يعترض على هذا التوجّه، ويرفض تعيين القاضية سمرندا نصار المقربة من التيار الوطني الحرّ». وأكدت أن القاضي عبّود «مصرّ على إيجاد مخارج قانونية لملفّ المرفأ»، وقالت إنه «بصدد البحث عن خطوات تفضي إلى البت بمصير الموقوفين، خصوصاً أن هناك تدخلات سياسية ودبلوماسية منها الزيارات المتكررة للسفيرة الأميركية في لبنان إلى مجلس القضاء، ومطالبتها بالبتّ بمصيرهم، خصوصاً أن من ضمنهم شخصاً يحمل الجنسية الأميركية».
وكتبت” النهار”: لم تقف التداعيات البالغة السلبية وطنياً وسياسياً ومعنوياً وشعبياً لتنمّر فضائحي مقيت لسلطة أمنية – قضائية على أخ شهيد من شهداء انفجار مرفأ بيروت فحسب، بل سرعان ما تمددت إلى رأس هرم السلطة القضائية حيث طاولت الشظايا مجلس القضاء الأعلى بنفسه في خلاف علني نادر. ذلك أنه بعد يومين من اللعب والتلاعب بنار توقيف الناشط وليام نون وتموجات هذا التطور سلباً في الاحتجاجات الشعبية في الشارع وعلى المستوى النيابي والسياسي والحزبي والشعبي والحقوقي والقضائي بدا مساء أمس، وعقب الإفراج عن نون، أن أسوأ تداعيات ونتائج هذه الرعونة السلطوية تمثلت في افتضاح التخبط والانقسامات والتباينات داخل الجسم القضائي نفسه، بما يفضح التداخلات السياسية والتلاعب السياسي بالسلطة القضائية. وهو تطور يتخذ ذروة سلبيته وآثاره المؤذية نظراً إلى توقيته عشية وصول الوفود القضائية الأوروبية إلى لبنان التي ستتحول إلى شاهد حي على التخبط الهائل الذي يضرب القضاء فيما هي تلوذ بمعونته لتحقيق مهمة التحقيقات والاستجوابات في ملفات فساد.
التشظي القضائي بتداعيات توقيف وليام نون كاد يغلب على وقائع اليوم الثاني من توقيفه وما شهده من ممارسات ومماحكات قضائية وأمنية خلال ساعات التوقيف، فيما بدا الشارع يغلي بالسخط والغضب والاحتجاجات حيال هذا الفصل من رعونة سلطوية تقاسمها جهاز أمن الدولة مع الجهات القضائية التي تورطت في الانقضاض على ضحية من ضحايا انفجار المرفأ بدلاً من الوقوف بمنتهى الحزم إلى جانبه ومنع الاقتصاص الانتقامي منه لمجرد أنه يطالب بالعدالة بصوت المواجهة المحقة. وتجلى انقسام القضاء في رفض رئيس مجلس القضاء الأعلى سهيل عبود بياناً صدر باسم المجلس ينحاز إلى القاضي الذي استباح حقوق أهل ضحايا انفجار المرفأ بالمطالبة بحقوق شهدائهم في كشف المتسببين بقتلهم
وقد أشار رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي سهيل عبود مساء في بيان لافت إلى “تناقل بعض وسائل الإعلام ما يُفيد بصدور بيان عن المجلس بتاريخ اليوم (أمس)”، موضحاً أن “أيّ بيان لم يصدر عن المجلس وفق الأصول القانونية المعتمدة”، مشيراً إلى “التداول بشأن إصدار بيانٍ متعلّق بما آلت إليه الأمور في المرحلة الأخيرة، ولم يُصَر إلى التوافق على مضمونه الذي كان ما زال قيد المناقشة”. وأكّد عبود أن “ما وصل إلى وسائل الإعلام إنما هو مشروع بيان لم يحظَ بالموافقة المفترضة لإصداره”.
وكان البيان المشار اليه صدر باسم مجلس القضاء الأعلى “مستغرباً ومستنكراً التدخل والتهجم على عمل القضاة، ومؤخراً، إجراءات النيابة العامة الاستئنافية في بيروت، من مرجعيات يفترض بها احترام عمل القاضي الذي يحتكم إلى ضميره وعلمه القانوني”. “ورفض التعرض والتطاول من أي جهة كانت على القضاء وكرامة القضاة في معرض ممارسة واجباتهم كسلطة دستورية مستقلة”. وذكّر “أنه لطالما كان حاضراً وحريصاً على تلقي أو مراجعة لمتابعتها ضمن الأصول القانونية وليس في الشارع أو في الإعلام”. ورأى “أن الغاية التي يسعى إليها أحد المواطنين مهما كانت شريفة ومحقة لا تبرر الوسيلة غير المشروعة والمعاقب عليها قانوناً، مشدداً على أن القضاء لم يكن يوماً، ولن يكون مكسر عصا لأحد
وأفاد مصدر قضائي أنّ القاضي زاهر حمادة اشترط صدور بيان عن مجلس القضاء الأعلى يغطّيه ليقبل بإطلاق نون، ووُزِّع البيان من دون إقراره أصولاً، وهذا ما دفع رئيس مجلس القضاء الأعلى سهيل عبود لإصدار البيان التوضيحي.
في المقابل اتخذ مجلس نقابة المحامين في بيروت موقفاً صارماً وحاداً بعد اجتماعه بصورة طارئة برئاسة النقيب ناضر كسبار وحضور جميع الأعضاء، إثر توقيف وليام نون “وما رافقه من أعمال شدّة وعنف وقسوة بحق مقامات ورجال دين ونواب والمحتجين”، مطالباً القيادات الأمنية بفتح “تحقيق فوري” لمعاقبة الفاعلين، ومحذّراً من “مغبة العودة إلى النظام البوليسي، وهو أمر ترفضه رفضاً قاطعاً نقابة المحامين في بيروت، المدافعة الدائمة عن الحريات العامة في لبنان”.
واعتبرت النقابة في بيان أن “الظاهرة التي حصلت غريبة عن التقاليد اللبنانية، والقيم التي قام عليها وطن الحريات وحقوق الإنسان، إذ وبدلاً من توفير العدالة، التي لا يزال قسم منها معتكفاً، والأمن والأمان والاطمئنان، نراهم يعاقبون الضحايا في قبورهم، وأهلهم في كراماتهم، والذين يطالبون بأقل حقوقهم ألا وهي كشف الحقيقة”.
ورأى المجلس أنه “وبدلاً من الإفساح في المجال للتحقيق وكشف الحقيقة، يجرّون الأمور إلى نزاعات جانبية لا طائل منها سوى إلهاء الرأي العام، وقهر الشعب اللبناني المسالم، وتحييد الأنظار عما يحصل من انتهاكات وفساد وهدر وتجاوزات وتقصير”.
وأكّدت نقابة المحامين “وجوب احترام صرح قصر العدل والقضاء وضرورة تطبيق القوانين وحسن سير العدالة إلا أنها ترفض الاستنسابية والتدخّلات السياسية في تطبيق القانون”، مشدّدة على “رفض تعطيل التحقيق والمحاسبة بجريمة العصر والامتناع عن توقيف المجرمين الفعليّين في حين أنها تطالب بتوقيف من يطالب بالعدالة”.
المصدر lebanon24