بعد زلزال باسيل: عونيون آخرون على طريق العقوبات
كتبت ملاك عقيل في “أساس ميديا”:
وَضَع رئيس الجمهورية ميشال عون نفسه في مواجهة ندّية مع الإدارة الأميركية عبر الطلب من وزارة الخارجية اللبنانية الحصول على الأدلة والمستندات من وزارة الخزانة الأميركية التي دفعت إلى فرض عقوبات على صهره النائب جبران باسيل، وتقديمها إلى القضاء اللبناني، مؤكّداً أنه “سيتابع هذا الملف شخصياً”.
موقفٌ سياسي لم يأخذ هذا الطابع من الحدّة و”الالتزام بمعركة ردّ الاعتبار” حين أدرج الوزيران السابقان علي حسن خليل ويوسف فنيانوس على لائحة عقوبات “قانون قيصر” في أيلول الماضي. هذه المرة يجري التعامل معها على أنّها النسخة الثالثة من “حرب تشرين إقصائية”، بحسب ما يؤكّد قريبون من باسيل.
تفترض مصادر موالية للعهد “بقانون ماغنتكسي، وفق روحيته وبنوده، أن يلاحق حركة الأموال المنهوبة والمهرّبة المقدّرة بمئات الملايين، والمسؤولين عنها، وليس معاقبة من “يلاحق” هؤلاء ويدفعهم إلى إعادة ما هرّبوه الى الخارج، ويفترض بالقانون أن يعاقب من اختلس وسرق لا من يدعو إلى محاسبة من قام بهذه الافعال”!
وتسلّم المصادر بواقع أنّ “العقوبات سياسية بامتياز، لكن سيردّ عليها بالقانون والسياسة عبر إعداد ملف متكامل لتقديم طعن بالقرار، وبالسياسة عبر الإصرار على السير بطريق الإصلاحات وعدم الخضوع لعملاء الداخل والخارج”، مشيرة إلى أنّ الخطوات التي بادر إليها الرئيس بالدخول على الخط مباشرة من خلال طلب الأدلة من وزارة الخزانة الاميركية، “هي أولى الخطوات نحو مواجهة القرار على مستوى “مؤسسة” رئاسة الجمهورية…”.
وقد عكست التغريدة الأولى التي نشرها باسيل فور صدور قرار العقوبات، المنحى الذي سيتلزم به باسيل. فهو سيلجأ إلى سياسة شدّ العصب المسيحي. ويقول المطلعون: “عون وباسيل ودائرة ضيقة كانت على علم بصدور العقوبات. لذلك، بدأ باسيل سلسلة اجتماعات ضيّقة كانت تدرس سبل المواجهة قانونياً وسياسياً، لتنظيم الخطاب الاعلامي و”نَفَس” الناشطين على مواقع التواصل ليذهب باتجاه عنوان “استهداف الزعامة المسيحية والدور المسيحي عبر استهداف باسيل”.
أما على مستوى مسار الحكومة، فتجزم المصادر الموالية للعهد أن “لا تعديل في مقاربة تأليف الحكومة”، مشيرة إلى دور “أكثر تصلّباً لدى رئيس الجمهورية في مقاربة جميع الملفات الداخلية ربطاً بهذا المعطى الدولي “غير الأخلاقي” الذي صوّر باسيل رمزاً لعهود متمادية من الفساد، فيما الفاسدون الحقيقيون يضحكون في عبّهم”!
“ميزة” العقوبات التي صدرت في الساعات الفاصلة عن الإعلان عن اسم رئيس الولايات المتحدة المقبل، وفي ذروة التأزم الحكومي في لبنان، أنّها شملت اسماً واحداً فقط، ودشّن من خلالها باسيل سلسلة عقوبات تحت عنوان “قانون ماغنتسكي”، الذي وقّعه دونالد ترامب بصيغته النهائية الموسّعة في آب 2016، قبل أسابيع قليلة من انتخاب عون رئيساً للجمهورية.
بعد أربع سنوات من عمر “الرئاسة العونية” حصل الزلزال. باسيل، وليس أيّ أحد آخر، هو أول من طاله القانون. الكلّ تقريباً كان يعلم أنّ الموسى سيصل إلى رقبة الشخصية الأقرب والأكثر التصاقاً برئيس الجمهورية.
تأجيل إصدار القرار بضعة أسابيع، فتح نافذة أمل لدى عون وباسيل بإعادة النظر فيه ليكون القرار الحاسم بعد الانتخابات الأميركية، هذا إذا لم يكن التراجع عنه نهائياً في حال وصول جو بايدن إلى البيت الابيض. لكنّ المطلعين يؤكدون أنّ “واشنطن اختارت فقط التوقيت الملائم لا أكثر، لأن القرار كان متّخذاً سلفاً. وقد أتى في ذروة وقوف باسيل بوجه ولادة الحكومة”!!
الجدير ذكره أنّه ليس أمراً عادياً انضمام لبنان، بعد مولدوفا وبلغاريا ولاتفيا وكمبوديا وصربيا وفنزويلا وغواتيمالا…، إلى لائحة الدول التي شملتها عقوبات ماغنتسكي عبر رموز للفساد فيها. مسار الرئاسة الأولى وما تبقي من عمر العهد بات أكثر سواداً.
اللافت أنّه لم ترافق أيّ اسم أدرِج على لائحة العقوبات الأميركية “دعاية منظّمة” تروّج للقصاص الأميركي بحقّ سياسي لبناني كما حصل مع رئيس التيار الوطني الحرّ.
منذ أشهر والتسريبات تؤكد انضمام وزير الطاقة والخارجية السابق إلى سرب المعاقَبين أميركياً. علي حسن خليل، وفق المعلومات، صُدِم حين أعلن عن اسمه مع وزير الأشغال السابق على لائحة مكتب مراقبة الأصول الأجنبية في وزارة الخزانة الأميركية (أوفاك) بتهمة “ضلوعهما في عمليات فساد، وتعاونهما مع حزب الله، ومساهمتهما في تمويله”، وذلك بسبب العلاقة “الجيدة التي تربطه بالجانب الأميركي”، على ما تؤكد مصادر مطلعة.
بالتأكيد، تختلف الرسالة إلى حزب الله، عبر باسيل، عن تلك التي مرّرت عبر فنيانوس وعلي خليل، وعبرهما إلى المنظومة الداعمة للحزب. مع تفصيل يجدر التوقف عنده: ففي الزيارة الأخيرة لديفيد شينكر الغاضب على باسيل إلى لبنان لم يستثنِ الأخير سليمان فرنجية، حليف حزب الله التاريخي والاستراتيجي، من لقاءاته، فيما كانت الإدارة الاميركية قد أدرجت قبل أسابيع مساعده فنيانوس على لائحة عقوبات قانون قيصر!
لكثير من الأسباب، تأخذ العقوبات بحق نائب البترون بعداً استثنائياً سيطبع ما تبقى من ولاية “الجنرال”. خلف باسيل يقف ميشال عون، وهو “رأس الدولة”، والحليف المسيحي الأول لحزب الله، وأكبر كتلة نيابية ومسيحية في البرلمان، ومشروع شبه جاهز لرئاسة الجمهورية، وتيار يرفع شعار الإصلاح ومكافحة الفساد منذ عودة زعيمه من المنفى عام 2005، ويضع السير بالتدقيق الجنائي شرطاً لولادة الحكومة.
واستبق ذلك بتقديم التيار الوطني الحرّ، على مدى السنوات الماضية، رزمة سميكة من القوانين الإصلاحية ومكافحة الفساد. واستدعت هذه القوانين تحديداً جفاءً ظاهراً بين باسيل وحزب الله، وحرباً صامتة بينه وبين الرئيس نبيه بري، وسقوطاً مدوّياً للتسوية الرئاسية مع سعد الحريري، وفتحاً للنار بوجه حاكم المصرف المركزي رياض سلامة.
كلّ ذلك، لم يمنع مساعد وزير الخارجية الأميركي ديفيد شينكر من القول في ردّه على سؤال حول سبب اختيار باسيل لفرض العقوبات عليه فيما الطبقة السياسية في لبنان تعجّ بالفاسدين ومستغلي النفوذ والسلطة والمستفيدين من المال العام بالقول: “جبران باسيل ليس الوحيد ممن استفادوا من مناصبهم، لكنّه الأكثر فظاعة بينهم”!
سلّم شينكر بالطبع بحقّ باسيل بالطعن بالقرار، لكنّه أكّد “أنّها عملية صعبة تحتاج إلى أشهر من التحضير، وإعادة النظر من قبل الوكالات والمحامين. وإن تغيرّت الإدارة الحالية أو استمرت، هناك خط عام في السياسات الأميركية بدعم الإصلاحات والشفافية ومكافحة الفساد ودعم المساءلة. وهي من الأمور التي تعتبر حسّاسة في نجاح الحكومة في الإفراج عن المساعدات الأميركية، ورزمة صندوق النقد وغيرها، وباسيل لم يكن داعماً”.
وهذا كلام أميركي يرفع الفيتو على باسيل إلى مصاف القرار بحظر وجود حزب الله داخل الحكومة، ويؤشّر إلى صعوبة رفع التهمة عنه، أقلّه ليس قبل حلول الاستحقاق الرئاسي في لبنان عام 2022. يقول مطلعون إنّ “الحضور السياسي راهناً في الحكومة لشخصيات موالية لباسيل يعني وجود حاجز أمام وصول المساعدات الى لبنان… تماماً كحزب الله. أما في موضوع رئاسة الجمهورية، فنحن أمام انقلاب أطاح بباسيل، وأخرجه من نادي المرشّحين المحتملين”.
لن تكون العقوبات الأولى ولا الأخيرة بحقّ باسيل. الأميركيون يقولونها صراحة. ولن تقف بالتأكيد عند عتبة اللقلوق. من الآن وحتى العشرين من كانون الثاني المقبل تاريخ انتهاء ولاية دونالد ترامب يتوقع صدور رزمة إضافية من العقوبات تتأرجح بين ماغنتسكي وقانون قيصر بحقّ شخصيات تدور في فلك المقاومة وأخرى محسوبة على المحور العوني الخالص.