العلاقة المتوترة بين “التيار” و”حزب الله”.. مَن يحتاج إلى مَن؟
لو لم يكن رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل على يقين من أن حظوظه الرئاسية أصبحت تساوي صفرًا في حسابات “حزب الله” لما أصدر بيان “نعي” علاقته بالحزب، ولكان إنتظر وعدّ للعشرة قبل الإقدام على أي دعسة ناقصة، مع العلم أن لا أحد من قياديي “حزب الله” قد ابلغه بالمباشر أنه ليس ميشال عون، وأنه غير مستعد لتكرار هذه التجربة، التي يعتبرها كثيرون أنها تجربة فاشلة على كل المستويات. لكن الإيحاءات في بعض الأحيان تبقى أهمّ من الكلام المباشر، الذي عادة ما كان يتولاه الحاج وفيق صفا شخصيًا.
قد يكون ما قاله الوزير السابق وئام وهاب في حديثه الأخير من أنه يفضّل الوزير السابق سليمان فرنجية ليخلف الرئيس ميشال عون قد فُسّر على أنه رسالة من حارة حريك لباسيل، الذي عادة يفهم من الإشارة، ولم يكن ليحتاج إلى أن يتصل به الحاج صفا ليبلغه بأمر العمليات رقم واحد، وإن كانت إحالة المناقشات حول ورقة تفاهم مار مخايل إلى لجان المتابعة رسالة غير مشفرّة فهمها باسيل “على الطاير”، وقد نُقل عنه إمتعاضه لهذا الأمر وقوله بما معناه إن هذه الإحالة تعني في ما تعنيه موت هذه الورقة سريريًا ووضعها في الحجر الصحي ريثما يصبح الظرف مناسبًا أكثر.
فهل يعيد “حزب الله” حساباته السياسية في ضوء تجربة تحالفه مع “التيار الوطني الحر” على إمتداد ست عشرة سنة، وكانت له فيها محطتان أساسيتان: الأولى حرب تموز والغطاء المسيحي، الذي أمّنه له “التيار” كونه اكبر كتلة مسيحية شعبيًا. والثانية وقوف “حزب الله” إلى جانب العماد عون كمرشح وحيد لرئاسة الجمهورية، وكان له ما أراد، وهل يمكن إعتبار هذه التجربة بمثابة ردّ دين ليس أكثر من ذلك، خصوصًا بعدما تبيّن في الممارسة أن ثمة هوّة بينه وبين باسيل في مواقف كثيرة لم يكن راضيًا عنها، وهي لا تعبّر تمام التعبيرعن توجهاته السياسية، محليًا وإقليميًا، وهي بالتالي تتعارض مع مفهومه لقيام الدولة بدورها الطبيعي تجاه مواطنيها.
إن الغطاء المسيحي الذي أمّنه “التيار” لـ”حزب الله” كان دينا في رقبته وقد وفاه عندما أوصل العماد عون إلى سدّة الرئاسة الأولى، وهو لم يعد يحتاج إلى هذا الغطاء بعدما أصبحت له إمتدادات إقليمية وحضور فاعل في المنطقة على مستوى دولة بعد إنخراطه في الحرب السورية، وكان فيها رقمًا صعبًا، وهو بالتالي قد أصبح شريكًا أساسيًا في لعبة الأمم في المنطقة، ولم يعد يحتاج إلى أي غطاء محلي، مع إصراره على الحفاظ على “الستاتيكو” الراسخ بين المكونين الشيعي والسنّي في لبنان والقائم على مبدأ “إبعد عن الشرّ وغنيلو”، وإبعاد شبح التوتر قدر الإمكان.
أمّا”التيار”، وبالتحديد رئيسه، وبعدما بلغه إيمائيًا بعدم إستعداد وقوف “حزب الله” إلى جانبه في معركته الرئاسية، فيفضّل الإنكفاء إلى قاعدته الشعبية وإلى تصليب عصبه في وجه خصومه على الساحة المسيحية، وبالتحديد “القوات اللبنانية” التي تتخذ من معارضتها لسياسة “حزب الله” عنوانًا لشدّ أواصر قاعدتها الشعبية، وقد نجحت في ذلك إلى حدود معينة.
ولذلك نجد “التيار الوطني الحر”منحازًا إلى فرضية التنصل شيئًا فشيئًا وتدريجيًا من علاقته الوثيقة مع “حزب الله”، بإعتباره لم يعد ورقة رابحة في الخيارات الرئاسية بالنسبة إلى حظوظ رئيسه وطموحاته السياسية.
هذه فرضيات وقد يكون الواقع من منظار كل من “حارة حريك” و”ميرنا الشالوحي” مغايرًا لما يمكن أن يتمناه البعض.