تلويح بفوضى ووعيد بمعارك.. “حروب” باسيل لا توفّر الأخضر واليابس!
في مؤتمره الصحافي الأخير، هاجم رئيس “التيار الوطني الحر” الوزير السابق جبران باسيل الجميع بلا استثناء، من دون أن يسمّي أحدًا، ربما عملاً بمقولة “كلن يعني كلن”، التي لا ينفكّ يهاجم القيّمين عليها، رفضًا لما تحمله من “تعميم” يقول إنّه “ظالِم”، وهو المصِرّ على تمييز نفسه عن “المنظومة”، رغم انخراطه في الحكومات المتعاقبة، بل “سيطرته” عليها، واحتكارهم أهمّ حقائبها، منذ سنوات وسنوات.
هاجم باسيل رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع، حتى إنّه “ساوى” بينهما، بعدما طالته “سهامهما” في خطابين منفصلين في الآونة الأخيرة، رغم محاولة إعلام “التيار الوطني الحر” القول إنّه لم يكترث بما قالاه، بل لم يجد “ضرورة” للاستماع إليهما، مفضّلاً حضور المهرجان على “تضييع الوقت”، وهو ما دحضه ردّه غير المقتضب على ما أدليا به، وبدا أنه “استفزّه” في مكانٍ ما.
وعلى جري عادته، لم يكن ممكنًا لـ”هجوم” باسيل أن يكتمل، من دون أن يشمل باقي القوى السياسية، التي لم يترك بينها حليفًا أو صديقًا، فكان “تصويبه” على رئيس الحكومة المكلّف نجيب ميقاتي، وتهديده باعتبار حكومة تصريف الأعمال “مغتصبة سلطة” خلافًا للدستور، ولو اجتمع الكلّ على دعمها، حتى إنّه أراد أن “يشرّع لنفسه” خطوات يعترف سلفًا بأنّها “فوضى دستورية”، على قاعدة “البادي أظلم”!
خصوم باسيل.. “ليتواضع”!
صحيح أنّ خصوم باسيل، ممّن كانوا ينتظرون أن يتصدّى للدفاع عن نفسه، بعد خطابات الأيام الأخيرة، من خلال “هجوم جماعي” كالذي لجأ إليه، يفضّلون عدم الدخول في “سجال مباشر” معه، قد يكون هو بالتحديد ما يريده، إلا أنّ هناك بينهم من يعتبر أنّ الرجل “تخطّى حدوده”، على أبواب “نهاية العهد”، وهو ما تجلّى في مؤتمره الصحافي الذي كاد يشمل فيه حليفه الوحيد، “حزب الله”، بهجوم “استباقي” إذا لم “يبصم” على كلّ ما يريده.
يسال هؤلاء عن “الصفة” التي استند إليها باسيل ليدلى بما أدلى به، وأوحى لكثيرين أنّه “مرجعية المرجعيات”، أو ربما “مرشد الجمهورية”، خصوصًا عندما “يشطب” دور مجلس النواب عن بكرة أبيه، فيمنح لنفسه حقّ “تفسير الدستور” فرديًا، ليتحدّث عن “فوضى دستورية” لا محلّ لها مبدئيًا من الإعراب في ظلّ نظام برلماني، ليعتبر حكومة شرعية وفقًا للدستور، وقد شارك بنفسه في تشكيلها، “مغتصبة للسلطة” بكل بساطة.
يدعو خصوم باسيل رئيس “التيار الوطني الحر” إلى أن “يتواضع ويعرف حجمه”، فهو رئيس حزب وتكتل نيابي، لا أكثر ولا أقلّ، بمعزل عمّا إذا كان تكتله هو الأكبر كما يزعم، أم لا كما يدّعي خصومه، إلا أنّ هذا “التفصيل” لا يغيّر في الواقع شيئًا، ولا يعطيه “الحق” في اختصار كل السلطات بنفسه، حتى إنّ لعبه دور “رئيس الظلّ” كما فعل لسنوات، ينتهي عمليًا مع انتهاء الولاية الرئاسية عند منتصف ليل 31 تشرين الأول المقبل.
ماذا يريد باسيل؟
أبعد من ذلك، ثمّة علامات استفهام تُطرَح عمّا يريده باسيل عمليًا، ولماذا يدفع نحو “مجهول” قد لا تحمد عقباه بهذا الشكل، بل يسعى لتكريس “فراغ” يعرف أنّ الحكومة، أي حكومة، يمكنها أن تملأه، بموجب الدستور، بعيدًا عن اجتهادات “غب الطلب”، لأنّ الدساتير في جوهرها ترفض الفراغ، ولأنّ الحكومة، أي حكومة، تبقى “شرعية”، إلى أن تشكّل حكومة جديدة، ولو بصلاحيات ضيّقة ومحدودة بتصريف الأعمال، وقد خبر لبنان هذه الحالة مرارًا وتكرارًا.
وإذا كان باسيل فعلاً لا يريد أن تستلم حكومة تصريف الأعمال الصلاحيات الرئاسية، وفي حال كانت نيّته “صافية”، فإنّ الأوْلى به أن يعمل على “تسهيل” تشكيل حكومة أصيلة جديدة، أو “تعويم” حكومة تصريف الأعمال، كما قال في إحدى مقابلاته الأخيرة، وهو ما لم يحصل، بدليل أنّ كل المؤشرات تؤكد أنّه من “يعطّل” تشكيل الحكومة، التي لا تزال “مسودّتها” مع رئيس الجمهورية منذ اليوم الأول لتكليف الرئيس نجيب ميقاتي.
إلا أنّ سؤال “ماذا يريد باسيل؟” قد يكون أكثر من مشروع بالنظر إلى “أداء” الرجل، فالواضح بحسب ما يقول العارفون، إنّه لا يريد أن يخسر “الامتيازات” التي حصل عليها خلال “العهد”، وهو لذلك يريد حكومة تكون له فيها “حصّة الأسد”، وإلا فهو لا يتردّد في المجاهرة برغبته بتكرار “سوابق تاريخية” غير حميدة، أودت بالبلاد في المجهول والحرب، علمًا أن دعوته لـ”نظام جديد” قد لا تكون تفصيلاً في هذا الإطار.
الأكيد أن لا فوضى دستورية ولا من يحزنون كما يلوّح باسيل في ظلّ نظام برلماني خالص. فالدستور واضح، وينصّ على أنّ الحكومة، أي حكومة، تستلم الصلاحيات الرئاسية. وفي حال الاختلاف في هذا التفسير، فإنّ مجلس النواب هو المخوّل بالحسم، وليس من حقّ أيّ فرد أن “يفرض” رؤيته، أو ربما مصلحته. فما الذي يريده باسيل إذًا؟ سؤال “معقّد”، إلا أنّ الإجابة عليها لن تكون صعبة، وفقًا لـ”النوايا”، التي يُخشى ألا تكون “صادقة”!