بايدن والعقوبات على الحزب: مستمرة ولكن!
كتب ابراهيم ريحان في “أساس ميديا”:
بعد “الملحمة الانتخابية” غير المسبوقة في التاريخ الحديث للولايات المتحدة الأميركية، كان لا بدّ من قراءة نتائجها وخلاصاتها وانعكاستها على لبنان والمنطقة، وهل سنشهد تغيّرات كيبرة جرّاء تبدّل قيادة الإدارة الأميركية.
السّفير عبدالله بوحبيب، الذي ترأس البعثة الدبلوماسية اللبنانية في وقتٍ سابق لدى واشنطن، انطلاقًا من خبرته الواسعة في معرفة “خبايا” السياسة الأميركية بشكل عام وتجاه الشّرق الأوسط وتعقيداته بشكل خاص، فنّد نتائج الانتخابات الرئاسية وانعكاساتها على الشرق الأوسط والداخل الأميركي. واعتبر في حوار خاصّ بـ”أساس” أنّ الشرق الأوسط لن يشهد تغيّرًا جذريًا خصوصًا المناطق التي تشهد حروبًا ونزاعات من سوريا إلى ليبيا مرورًا باليمن، وكذلك الدول التي تُعتبر “ضعيفة” مثل لبنان والعراق، وذلك بعد أن تحسم نتائج الانتخابات الفوز لمرشّح الحزب الديمقراطي نائب الرئيس السابق جو بايدن. كاشفًا أنّه يترسّخ في دوائر القرار في الولايات المتحدة رأي يفيد أنّه لا يمكن لأيّ شخصية تدخل المكتب البيضاوي أن تحرز تقدّمًا واضحًا في سبيل معالجة القضايا العالقة في الشرق الأوسط، وذلك بعد تأكّد الولايات المتحدة من انعدام المخاطر على هدفيها في الشّرق الأوسط، وهما:
1- أمن إسرائيل، التي بات من اليقين “استحالة” أن يقوم أعداؤها بشنّ حربّ “اجتثاث” عليها.
2- النفط، وقد اعتبر السفير بوحبيب أنّ دول الخليج العربي فقدت “غطاء الحماية المطلقة” من واشنطن. وذلك بعد أن باتت الولايات المتحدة مكتفية ذاتيًا في مجال الطاقة.
واعتبر بوحبيب أنّ إدارتي الرئيس المنتهية ولايته دونالد ترامب وسلفه باراك أوباما كانتا تخطّطان، بل تريدان الهروب من حروب ونزاعات الشّرق الأوسط، غير أنّ العكس حصل، مع استمرار الحملات الجوية الأميركية والإبقاء على القوات الأميركية في أكثر من بلد في المنطقة. وأنّ واشنطن ستبقى مؤثرة في الشّرق الأوسط حاضرًا ومستقبلًا. وهذا التأثير مستمرّ منذ ما بعد الحرب العالمية الثانية بشكل كبير، وسيبقى ويستمرّ بوجهيه السلبي والإيجابي إلى وقت ليس بقريب.
وعن أولويات إدارة جو بايدن، قال السفير بوحبيب لـ”أساس”: إنّ الرئيس المنتخب سيصبّ كامل تركيزه على معالجة الملفات الداخلية والقضايا الشائكة، وتخفيف الانقسام العامودي بين الأميركيين، الذي بدأ مع انتخاب دونالد ترامب رئيسًا للبلاد. ويشير إلى أنّ أولويات بايدن الخارجية ستكون إعادة العلاقات الطبيعية مع الدول الأوروبية وفي مقدّمتها ألمانيا وفرنسا، والعمل على معالجة الإشكالات والخلافات التجارية مع الصين، بالإضافة إلى تثبيت ودعم الاتفاقات الدولية التي كان ترامب قد انسحب منها أو لوّح بذلك أثناء تولّيه مقاليد الحكم لـ4 سنوات في البيت الأبيض. ويعتبر أنّ الأمر المُسلّم به أنّ منطقة الشرق الاوسط لن تكون ضمن سلّم أولويات إدارة بايدن الديمقراطية، على اعتبار أن لا خطر على ما تعتبره الولايات المتحدة باكورة مصالحها الاستراتيجية في الشّرق الأوسط.
لبنان: العقوبات مستمرة ولكن!
من هذا المنطلق، اعتبر السفير بوحبيب أنّه لدى واشنطن في لبنان قضيتين رئيسيتن في الوقت الحالي، الأولى هي حزب الله، الذي يواجه عقوبات فرضها الكونغرس الأميركي. ولذا، لا يستطيع الرئيس المنتخب إيقافها، إلا أنّه يستطيع التخفيف من وتيرتها، وهذا هو الأرجح.
أمّا القضية الثانية، فهي الحكومة اللبنانية. وبهذا الإطار، أكّد أنّ الولايات المتحدة لا تتدخّل مباشرة بهذا الملف، الذي هو هذه المرة ليس أميركيًا ولا سعوديًا ولا حتّى إيرانيًا، بل هو لبناني بامتياز، إذ يتوقّع أن تكون الحكومة المقبلة هي الأخيرة لعهد الرئيس ميشال عون. وعليه، يريد رئيس الجمهورية أن يضمن استمرارية تياره السياسي في الحكم لاحقًا، بينما يسعى الرئيس المكلّف لأن يحكم سيطرته عليها.
إيران: العودة إلى اتفاق 2015 له ثمن…
وعن الملف النووي الإيراني، وانسحاب ترامب أحادي الجانب منه عام 2018، قال السّفير بوحبيب لـ”أساس”: إنّ بايدن يريد العودة إلى اتفاق أوباما مع طهران التي تطالب برفع العقوبات التي فرضها ترامب عليها بعد خروجه من الاتفاق، إلّا أنّ بايدن سيستغلّ هذه العقوبات للحصول على ثمن من إيران سيكون أقل من الذي كان يطالب به سلفه. ومن المرجّح أن يكون ثمن رفع العقوبات، هو التفاوض على برنامج الصواريخ الباليستية التي تطوّرها إيران، كما أن الذهاب للجلوس على طاولة المفاوضات سيكون أخفّ من الشروط الإثناعشر لإدارة ترامب التي صاغها وزير خارجيته مايكل بومبيو، إذ إن بايدن قد يطلب من إيران تخفيض نسبة تخصيب اليورانيوم التي رفعتها تدريجيًا إلى 20% بعد انسحاب ترامب من الاتفاق إلى المستوى الذي كانت عليه عندما كان الاتفاق النووي يسير بشكل طبيعي أي 3.5%.
الإخوان: بايدن سيبدأ من حيث ترك أوباما
واعتبر السفير بوحيبب أنّ قضية “الإخوان” في البلاد العربية، وخصوصًا في مصر وليبيا وتونس، مرتبطة بشكل مباشر بتركيا وقطر وعلاقات واشنطن معهما. وهنا تجدر الإشارة إلى أنّ علاقة الرئيس السابق باراك أوباما بالرئيس التركي رجب طيّب أردوغان كانت جيّدة في بداية ولايته إلا أنّها انتهت سيئة مع نهايتها. ومن هنا يُتوَقّع أن يبدأ بايدن علاقته بأردوغان من حيث تركها أوباما.
وقال بوحبيب إنّ تنظيم الإخوان مرتبط بواحد من 4 محاور تتنافس في منطقة الشّرق الأوسط: المحور الخليجي – الإسرائيلي، محور إيران – سوريا – حزب الله، محور تركيا – قطر – الإخوان، ومحور يُحتمل صعوده وبروزه، ويضمّ مصر والعراق والأردن.
اعتبر السفير بوحبيب أنّه لدى واشنطن في لبنان قضيتين رئيسيتن في الوقت الحالي، الأولى هي حزب الله، الذي يواجه عقوبات فرضها الكونغرس الأميركي. ولذا، لا يستطيع الرئيس المنتخب إيقافها، إلا أنّه يستطيع التخفيف من وتيرتها، وهذا هو الأرجح
وقال السّفير اللبناني الذي سبق ومثّل لبنان في “عاصمة القرار” إنّه من المهمّ للرأي العام في لبنان والعالم العربي متابعة التطوّرات في الولايات المتحدة وخصوصًا مجريات الانتخابات الرئاسية التي سُجّل عدة ملاحظات حولها أبرزها:
أولًا، الاقتراع: اعتماد 3 طُرق لاختيار الرئيس المُقبل لأميركا، واختلاف الطُرق المتبعة مع اختلاف الولايات. فقد شهدت دورة الـ2020 الانتخابية اقتراع ما يقارب 50 مليون ناخب في يوم “الثلاثاء الكبير” (3 تشرين الثاني)، و35 مليونًا اقترعوا قبل موعد 3 تشرين الثاني وذلك لأنّ صناديق الاقتراع فتحت أبوابها للناخبين قبل موعد الانتخابات الرسمي، بالإضافة إلى ممارسة 65 مليون ناخب أميركي الاقتراع عبر البريد. وهؤلاء زاد عددهم بضعة ملايين عن الدورات السابقة بسبب تفشّي فيروس كورونا.
وفي الوقت عينه، اقترع الناخبون الأميركيون لاختيار كامل أعضاء مجلس النواب وثلث أعضاء مجلس الشيوخ الفيدراليين، واختيار حكام بعض الولايات والمجالس المحلية.
ثانيًا، قوة المرشّحين: تتشكّل قوة الرئيس ترامب بشكل رئيسي من عناصر ومناصري الحزب الجمهوري، وسكان الأرياف، الإنجيليين المؤيدين للصهيونية، والطبقات الدنيا من ذوي البشرة البيضاء، خصوصًا الذين لا يحملون شهادات جامعية. وكذلك اعتمدت قوة ترامب الانتخابية هذا العام على ذوي الدخل العالي، وكان لافتًا حصوله على تأييد شريحة من الناخبين المتحدّرين من أصول لاتينية وخصوصًا في ولاية تكساس، وهم الذين لم يدعموا الجمهوريين في الدورات السابقة.
أمّا بايدن، فقد اعتمدت قوته الانتخابية على دعم الحزب الديمقراطي ومناصريه، وسكان المدن، ومن الأميركيين من أصول أفريقية، ومن ذوي البشرة البيضاء من حملة الشهادات الجامعية، والناخبين من أصول آسيوية ولاتينية وخصوصًا المكسيكية، والمتحدّرين من أميركا الوسطى، واليهود الذين ينتسب أغلبهم إلى الحزب الديمقراطي ويمنحونه أصواتهم في كلّ استحقاق انتخابي.
ويقول السّفير عبدالله بوحبيب لـ”أساس”: إنّ ترامب وإن خسر هذه الدورة الانتخابية، إلا أنّه استطاع أن يكرّس نفسه جزءًا من الحياة اليومية للمواطنين الأميركيين، بعد نجاحه الواضح في زيادة مؤيديه هذه الدورة مقارنة بانتخابات 2016. وهذا ما منع الحزب الديمقراطي من تحقيق “فوز كاسح”. ويرى بوحبيب أنّ ترامب قد يبقى زعيماً مُطلقًا للجمهوريين خلال السنوات المُقبلة إذا ما قرّر ذلك، كما ظهرت قوته في السيطرة الحازمة على قواعد الحزب ما أكسبه ولاءً شبه كامل لدى الجمهوريين، معتبرًا أن لا مرشّح جمهوري يمكنه النّجاح مستقبلًا في السباق الرئاسي بحال لم ينل موافقة الرئيس دونالد ترامب الذي لولا جائحة كورونا لكان فاز بولاية ثانية على الأرجح.
ورأى بوحبيب في حواره مع “أساس” أنّ الرئيس المنتخب جو بايدن لم ينجح في إعادة استقطاب القواعد العمالية التي كانت توالي الديمقراطيين سابقًا، إلّا أنّ بايدن نجح في تعويض هذه القاعدة بالدعم القوي من نساء المدن والضواحي من حملة الشهادات الجامعية اللواتي كان معظمهنّ قد اقترع لترامب عام 2016.
