لا حكومة ولا رئاسة.. ماذا سيحصل في قصر بعبدا؟
كتب نقولا ناصيف في “الأخبار”:
قرابة أسبوعين مضيا على تسليم الرئيس المكلف مسودة الحكومة الجديدة إلى رئيس الجمهورية في 29 حزيران، دونما أن يطرأ أي تطور مجد. الرئيسان لا يلتقيان، والدائرون في فلكهما، نيابة عنهما، يحفران في خلاف غير مكتوم على تعذر تفاهمهما.
بكّر الرئيسان ميشال عون ونجيب ميقاتي في ما يقتضي أن يكون في منتصف الطريق على الأقل بينهما، لا منذ اليوم الأول. استعجل الرئيس المكلف مسودته، فاستعجل رئيس الجمهورية رفضها. مذذاك هما في شبه قطيعة. لا تكهنات وتوقعات جارية الآن سوى القول إن لا حكومة جديدة، ولا انتخابات رئاسية في موعدها. أدهى ما يتردد في السر، هو الاستفادة من المهلة الدستورية لانتخاب رئيس جديد للجمهورية، ما بين 31 آب و31 تشرين الأول، من أجل تنظيم خلاف آخذ في التزايد والتصاعد، من شقّين يبدوان متلازمين: بين عون وميقاتي حيال تأليف حكومة جديدة تحوطاً من احتمال شغور رئاسة الجمهورية بعد انقضاء الولاية الحالية، وبين ميقاتي والثنائي الجديد المرشح أن يجبهه وهو حزب الله والتيار الوطني الحر على مرحلة الشغور، خصوصاً إذا قيّض أو بات محتوماً على حكومة تصريف الأعمال تولي صلاحيات رئيس الجمهورية.
شقّا الخلاف هذان يقودان حتمياً إلى المأزق الذي يُخشى من تداعياته وأخطاره تحت حجة «الضرورات تبيح المحظورات»: ماذا إذا استجد في اللحظات الأخيرة مَن يعلو بصوته ونبرته ويتمسك ببقاء عون في منصبه إذا تعذر انتخاب خلف له في المهلة الدستورية؟
أكثر من مرة، في أكثر من مناسبة، قال رئيس الجمهورية إنه سيغادر قصر بعبدا في الساعة الصفر لنهاية ولايته. إلى وقت قصير مضى، تعامل الأفرقاء جميعاً تقريباً مع هذا الموقف على أنه قاطع ونهائي وحتمي. الولاية الدستورية بحسب المادة 49 ست سنوات كاملة، لا تنقص دقيقة ولا تزيد دقيقة. أما البديل من عدم انتخاب رئيس جديد، فهو المادة 62 بأن تفوّض صلاحياته إلى مجلس الوزراء مجتمعاً. مع أن الدستور بأحكامه النافذة يوجد حلولاً للمآزق، ويُفترض أنه لا يتسبب بها، إلا أنه في نهاية المطاف، من حيث لم يُرد أو يراد له، يصنع العقبات والسوابق.
في ظل اتفاق الطائف، خُرقت المادة 49 ثلاث مرات في أقل من ثلاثة عقود حيث يُظن أنها لن تخرق: تمديد ولايتي رئيسين متعاقبين عامي 1995 و2004 وانتخاب رئيس ثالث خلافاً لشروطها عام 2008. في المرات الثلاث تلك، أباحت الضرورات المحظورات. لكن على عاتق المرجع القادر على الفرض وتعريفه هو «المصلحة العليا».
ليس أدلّ على أن البلاد مقبلة على مرحلة أكثر تعقيداً وابتكاراً للمآزق، من بضعة معطيات جاري الحديث عليها في السر والعلن:
أولها، تسلّم حكومة مستقيلة، وإن تحت مسمّى حكومة تصريف الأعمال لإضفاء القليل القليل المتبقي من شرعيتها على أعمالها، صلاحيات رئيس الجمهورية بعد نهاية ولاية الرئيس الحالي، لا يحظى سلفاً بقبول عام. لا المادة 62 تسلّم حكومة مستقيلة المنصب الدستوري الأعلى في البلاد، ولا الأفرقاء الواسعو التأثير في صدد الموافقة على توليها حكم البلاد – وإن مجتمعة – في مرحلة استحقاقات محلية وإقليمية لا تحتمل التساهل وغضّ الطرف. أضف حجة جديدة كان عون أورد جزءاً منها قبل أشهر، وهي أنه لن يسلّم إلى فراغ. ثم أعاد في ما بعد التأكيد أنه سيغادر الرئاسة بعد نهاية ولايته، دونما أن يربط مغادرته بما سيليها. الحجة المكملة لتلك أن الفراغ لا يُسلَّم إلى فراغ سبقه. هي أولى الضرورات تبيح المحظورات.
ثانيها، ليس رئيس الجمهورية وحده رفض مسودة الرئيس المكلف للحكومة الجديدة. انضم إليه حزب الله في رفضها، خصوصاً تسميته وزيراً جديداً هو وليد سنو لحقيبة الطاقة تدور من حوله لدى الحزب شكوك وريبة، أعرب ميقاتي لاحقاً عن استعداده للتخلي عنه. ثم أتى بيان 4 تموز الصادر عن رئيس الحكومة ووزير الخارجية عبدالله بو حبيب ينتقد إطلاق حزب الله ثلاث مسيّرات ويتنصل من أي مسؤولية عنها، كي يضاعف الحزب في ظنونه ومخاوفه من ميقاتي على أبواب مرحلة جديدة يفترض أنه سيكون على رأسها، في المهلة الدستورية لانتخاب الرئيس الجديد أو بعدها.
الواضح كذلك، في حسبان الجميع وخصوصاً حزب الله، أن الرئيس المكلف هو حالياً أحد أقوى اللاعبين وليس حتماً الأوحد. لا أحد سواه رئيساً للحكومة، مستقيلة أو عاملة، ولا أحد قادراً على الاستغناء عنه. لكن أحداً غير قادر في المقابل على أن يحيله على الصورة التي لا يريدها ميقاتي لنفسه.
ثالثها، غموض الاستحقاقات المصيرية الإقليمية تحمل حزب الله على التريث في الإقبال على نظيرتها المصيرية اللبنانية كرئاسة الجمهورية، كما على رفض أي أمر واقع يُفرض عليه في إدارة السلطة في لبنان في هذه الغضون. وهو ما ينطبق على أي حكومة جديدة لا تبعث على الاطمئنان لديه. كان تلقى من الرئيس المكلف بضع إشارات سلبية، أدخلته للتو في صلب مواجهته. مآل ذلك أن لا انتقال لصلاحيات رئيس الجمهورية إلى حكومة تصريف أعمال عند وقوع الشغور، إما بالحؤول دون اجتماعها بسحب الوزراء الموالين للثنائي الشيعي وحلفائه والتيار الوطني الحر أو ببقاء رئيس الجمهورية في قصر بعبدا. في ذلك أيضاً ضرورة إضافية تبيح المحظورات.
رابعها، ظهور مفاجئ لخطوات غير منتظرة في هذا التوقيت، ليست على صلة قريبة أو مباشرة بالاستحقاقين، إلا أنها ذات دلالة تمهد لخطوات مفاجئة أخرى. من بينها ما يتردد في مجالس مغلقة عن جهود يبذلها النائب جبران باسيل لإخراجه من عقوبات منظمة «أوفاك»، يقال إن بلورتها تحتاج إلى ثلاثة أو أربعة أشهر، ما يدعو إلى التريث في انتخاب رئيس جديد. المفارقة أن الخطوة هذه، تزامنت مع معلومات ذكرت أن ملف «متعهد الجمهورية» جهاد العرب، المعاقب بدوره لدى المنظمة الأميركية، يوشك على الإقفال خصوصاً أن الاتهامات المساقة إليه والمعاقب عليه بسببها مالية مرتبطة بفساد، ما يحيل التسوية ذات شق مالي. ملف داني خوري يراوح مكانه. أما الأكثر مدعاة للمفاجأة، فهو معلومات تفيد بأن النائب علي حسن الخليل المعاقب هو الآخر منذ 8 أيلول 2020، كلّف مكتب محاماة الدفاع عنه لدى السلطات الأميركية بمبلغ أولي قيل إنه مليون ونصف مليون دولار.