من سوف ينتخب رئيس الجمهورية الجديد؟
كتب توفيق هندي في “اللواء“:
إذا ظلت الإوضاع وموازين القوى الخارجية والداخلية على حالها، لا شك أن الجواب على هذا السؤال هو أن حزب الله هو وحده من سوف ينتقي الرئيس ويجعل البرلمان ينتخبه. لماذا؟
1- لأنه يمتلك كامل السلطة في لبنان الذي يعيش حالة اللادولة. فالطبقة السياسية المارقة القاتلة بمكوناتها كافة الحليفة منها وغير الحليفة لا تجرؤ على مخالفة أوامره وخياراته وهي «تلعب» ضمن الهامش الذي يسمح لها به أن «تلعب» خدمة» لمصالحه.
2- لأن القوى المقاومة والثورية، حتى لو وحّدت صفوفها ووضعت خريطة طريق ناجعة لخلاص لبنان في ظل الأوضاع الخارجية الدولية والإقليمية غير المؤاتية، ليس بإستطاعتها أن تقلب الطاولة من خلال التحرك على الأرض أو من خلال المشاركة في الإنتخابات النيابية.
3- فبالنسبة لحزب الله، الحل إذا لزم الأمر وفقط إذا لزم الأمر، هو بالكي تحت أنظار المجتمع الدولي الذي، في هذه الحال، سوف «يتأسف ويشجب ويتباكى» ويتحدث بخبث عن مخالفة «شرعة حقوق الإنسان» ولكنه سوف يحاذر من إتخاذ موقف رادع مؤثرا» وبالحد الأقصى سوف يفرض عقوبات برهنت عقمها. لماذا هذا الموقف الدولي؟ لأن إدارة بايدن والإتحاد الأوروبي وعلى رأسهم فرنسا المحبة للبنان لا يريدون تعريض، ما يعتبرونه حتى الآن مصالحهم مع إيران، للخطر.
فحزب الله يبدي في الوقت الضائع وإلى أن تنتج مفاوضات فيينا حلا» يرضي إيران خلال مدة لا تتعدى ثلاثة أشهر (راجع مقالي في جريدة اللواء بتاريخ 25 أيلول)، قبولا» بإجراء الإنتخابات النيابية في موعدها وحتى قبل موعدها. كما أن حكومته (أي حكومة ميقاتي بنسختها الثالثة) تعد العدة لإجرائها.
بالتوازي، يدعو الغرب (ولا سيما أميركا-بايدن والإتحاد الأوروبي وعلى رأسه باريس) بشكل مكرر ولجوج لإجراء الإنتخابات النيابية، بحيث تخال للمرء أنه يريد الحفاظ على الديقراطية اللبنانية وهو يعلم تماما» أن لبنان تحت الإحتلال الإيراني من خلال حزب الله والطبقة السياسية المار قة الخاضعة له. والمضحك-المبكي أنه يطمئن اللبنانيين بأن الإنتخابات سوف تكون تحت الرقابة الدولية التي برهنت تكرارا» في البلدان التي «روقبت» إنتخاباتها، أنها عقيمة ولا قيمة لها.
فهذا الغرب المأزوم يظهر أمله بأن تفرز هذه الإنتخابات قيادات جديدة تكون بديلة عن الطبقة السياسية الفاسدة (وهو يهاجم هذه الطبقة شكليا» ولكنه يتعاطى معها فعليا»)، في حين أنه يعلم جيدا» أن هذه الإنتخابات سوف تجدد «شرعية ومشروعية» الإحتلال وتوابعه، وأن البرلمان الجديد سوف يشبه البرلمان السابق له مع تغيير طفيف لصالح المعارضة.
ولكن لماذا هذا التوقع (الذي قد يبدو سوداوي في الظاهر ولكنه موضوعي في الواقع) لنتيجة الإنتخابات؟
في واقع الحال، فإن الثنائي «حزب الله-الطبقة السياسية المارقة لا يزال يمتلك عناصر القوة التالية: غطاء السلاح الذي يؤمنه حزب الله لنفسه ولها، المال الوفير المتراكم منذ سنين من خلال نهب المال العام والخاص ومن خلال «المساعدات» الدسمة من الخارج، التنظيم الحزبي، إمتلاكها الخبرة الإنتخابية، إمتلاكها الماكينات الإنتخابية المجربة، الإمساك بإدارة العملية الإنتخابية، القانون الإنتخابي الذي يناسبها، المساعدة الهامة التي توفرها لها الدولة العميقة وأخيرا» غباء بعض الحالات الشعبية الغنمية التي تؤلّه «زعيمها» الفاسد وبعض القطاعات الشعبية التي «تنتخب مفيد» (voter utile)، أي المرشح الذي له حظ في النجاح والذي يمكنه أن يؤمن مصالحها.
وفي مطلق الأحوال، حتى في حال حصلت القوى السيادية والثورية على الغالبية النيابية لن يغير هذا الأمر بحالة لبنان لأن السلطة الفعلية الحاسمة تظل بيد هذا الثنائي. فحتى لو نجحت المعارضة بالحصول على غالبية مقاعد البرلمان، لن يخرج لبنان من سيطرة حزب الله عليه لأن أي ميزان قوى هو داخلي وخارجي في آن ولأن المكون الرئيسي لأي ميزان قوى هو المكون العسكري-الأمني وليس المكون الشعبي أو البرلماني أو الإقتصادي أو… وقد إختبر لبنان هذه الحالة في ال 2005 وال 2009.
من ناحية أخرى، من هو مرشح حزب الله لرئاسة الجمهورية؟ الجواب : جبران باسيل. لماذا ؟
1- خيار حزب الله هو بين مرشحين إثنين، لا ثالث لهما : جبران باسيل أو سليمان فرنجية.
2- لن يختار فرنجية لأنه لن يجاذف بإغضاب عون ولأن حجم الحليف العوني مسيحيا» أكبر من حجم فرنجية ولأن مريدي فرنجية، بالرغم من إلتزامه الأكيد بخط الممانعة، هم بري والحريري وجنبلاط فضلا» عن علاقاته المباشرة المميزة مع حليف حزب الله بشار الأسد وفضلا» عن عدم ممانعة سعودية نتيجة علاقات تاريخية بين آل سعود وآل فرنجية.
3- أثبت عون كما باسيل إلتزامهما المطلق بحزب الله وإيران وسوريا-الأسد.
4- خّير باسيل بين أميركا وحزب الله. فإختار حزب الله دون تردد وعوقب أميركيا» نتيجة خياره. إن هذه العقوبات لا ولن تؤثر سلبا» على رئاسته. وها هو الغرب يتعاطى مع الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي المتهم بالإجرام والواقع تحت العقوبات الأميركية.
والسؤال كيف سيتمكن حزب الله بالمجيئ بباسيل رئيسا» للجمهورية؟
ثمة مساران يمكنه سلوك أحدئهما لتحقيق هذا الهدف :
1- أن يستقيل عون بسبب ألف حجة وحجة، قبل إنتهاء ولاية البرلمان الحالي، فيكون لهذا البرلمان أن ينتخب الرئيس فورا» وفقا» للمادة 74 من الدستور والتي تنص على الآتي :
« إذا خلت سدة الرئاسة بسبب وفاة الرئيس أو إستقالته أو سبب آخر فلأجل إنتخاب الخلف يجتمع المجلس فورا» بحكم القانون وإذا إتفق حصول خلاء الرئاسة حال وجود مجلس النواب منحلا» تدعى الهيئات الإنتخابية دون إبطاء ويجتمع المجلس بحكم القانون حال الفراغ من الأعمال الإنتخابية»..
2- أن تمدد ولاية البرلمان بسبب ألف حجة وحجة (أحداث أمنية، الإختلاف على القانون الإنتخابي الحالي أو على إجراء تعديلات عليه،…).
إن أي إعتراض على هذان المساران من بعض الطبقة السياسية المارقة سوف يعالجه حزب الله بطرقه المعهودة.
غير أن ثمة من قد يعترض على هذه المقولة بالقول أن حزب الله وحلفائه المباشرين في الغالبية النيابية لا يمتلكون غالبية الثلثين بل الغالبية المطلقة، أي أكثر من 65 نائبا»، وبالتالي ليس بمقدوره أن يؤكد فوز باسيل بالإنتخابات الرئاسية. ولكن ليس مستبعدا» أن تنضم كتلة جنبلاط (أو حتى كتلة الحريري) وبعض النواب «المستقلين» إلى موكب من يريدون إنتخاب باسيل، وذلك تحت وطأة سياسة يعرف حزب الله كيف يمارسها لإقناع مكونات الطبقة السياسية المارقة بما يريد.
وفي مطلق الأحوال، فلنلقي نظرة على المادة 49 من الدستور التي تحدد كيفية إنتخاب رئيس الجمهورية :
« ينتخب رئيس الجمهورية بالإقتراع السري بغالبية الثلثين من مجلس النواب في الدورة الأولى، ويكتفي بالغالبية المطلقة في دورات الإقتراع التي تلي».
الملاحظ في هذه المادة أنها لا تتحدث عن ضرورة نصاب الثلثين للجلسة الأولى لمجلس النواب المخصصة لإنتخاب رئيس الجمهورية. وليس من الصعب على حزب الله أن يطلب من الرئيس بري أن يجمع مكتب المجلس وأن يعطي تفسيرا» جديدا» لكيفية إنتخاب رئيس الجمهورية يقضي بإعتبار أن دورة الإقتراع الأولى تكون قد جرت حكما» مجرد أن يدعى البرلمان إلى جلسة الإقتراع حتى في حال لم يتأمن النصاب (الثلثين أو حتى الغالبية المطلقة)، وذلك بالرغم أن مكتب المجلس المجلس السابق قد أعطى تفسيرا» مغايرا» لهذه المادة.
المطلوب هو تكوين تجمع واسع سيادي ثوري وتغييري متنوع يتلاقى حول قواسم مشتركة لخوض غمار مسار خلاص لبنان بإنتظار تغير الظروف الدولية والإقليمية. وبإعتقادي أن الإنتظار لن يطول.