إنعكاسات خطيرة على الأوضاع المعيشية بانتظار اللبنانيين!
كتب خالد أبو شقرا في “نداء الوطن”:
إرتفعت الأسعار في الاسواق المحلية سريعاً، متأثرة بالتطورات التي يشهدها النفط على الساحة العالمية. الاستجابة الفورية والحادة في الاسعار لا تشذ عما حفظه اللبنانيون أباً عن جد مِن أنه «إذا حبلت باسطنبول بتخلّف عنا». فالموروث الشعبي الذي كان يدل في أيام السلطة العثمانية على ضعف المناعة الوطنية تجاه الاحداث الخارجية، ما زال ينطبق لغاية اليوم «حفراً وتنزيلاً» على مختلف الأمور، وتحديداً منها الاقتصادية.
تأثيرات تخفيض مجموعة «أوبك بلاس» الكميات المنتجة بمقدار 2 مليون برميل لشهري تشرين الثاني وكانون الاول، لن توفر دولة من احتمال ارتفاع أسعار مختلف السلع والخدمات. وقد أثار القرار إستياء أكبر الاقتصاديات العالمية مبرزاً عجزها عن مواجهته بالطرق العادية. إلا أن في لبنان الوضع مختلف. فعدا عن عجز مسؤوليه الفاضح عن اتخاذ أي إجراءات وقائية على غرار الدول المتقدمة، فان بلد الارز «يحرق» الكميات الكبيرة المستوردة من المشتقات النفطية والتي تقدر بين 6 و7 ملايين طن، ولا ينتج منها إلا الدخان والمزيد من التلوث. فلا صناعات ثقيلة أو حتى خفيفة ينتج عنها قيمة مضافة، ولا مساحات شاسعة تتطلب إضاءتها، ولا تدفئة وتبريد مركزيين، ولا مرافئ عملاقة توجب خدمتها… كل الاستهلاك يذهب على بنزين السيارات، التي لم تنجح الدولة بتطبيق خطة نقل عام. وعلى مازوت المولدات الخاصة بسبب تعطيل معامل الكهرباء المركزية.
البنزين يتجاوز 700 ألف ليرة
الإنعكاس الاول لتخفيض إنتاج البترول عالمياً ترجم ارتفاعاً في أسعار مختلف المشتقات النفطية. إذ أدى ارتفاع سعر الكيلوليتر المستورد من مادة البنزين بما يقارب 10 دولارات إلى زيادة سعر الصفيحة محلياً بقيمة 11 ألف ليرة، ووصولها إلى 710 آلاف. اما صفيحة المازوت فارتفعت 21 ألف ليرة، نتيجة زيادة ثمن الكيلوليتر المستورد بنحو 23 دولاراً، وأصبح سعرها 831 ألف ليرة. في حين أن سعر قارورة الغاز وصل إلى 431 ألف ليرة.
تدهور سعر الصرف
الإنعكاس الثاني تمثل في زيادة الطلب على الدولار لشراء نفس كمية المحروقات. ولا سيما بعدما أثبتت المشتقات النفطية ضعف مرونتها نتيجة عدم توفر البدائل للمواطنين. إذ إن ارتفاع أسعار البنزين بين منتصف العام 2021 والعام الحالي بنسبة 400 في المئة، لم يؤد إلى انخفاض الاستهلاك بأكثر من 14 في المئة. وعليه ستؤدي العلاقة الطردية بين أسعار النفط العالمية وسعر صرف الدولار في الاسواق المحلية إلى تعميق انهيار سعر صرف العملة الوطنية. وستكون نتائجهما مضاعفة على آلية تسعير مختلف السلع والخدمات.
تذويب الزيادات
الإنعكاس الثالث يتمثل في تهديد الارتفاعات المستمرة في أسعار النفط، والمتوقع أن تصل إلى 120 دولاراً للبرميل، بامتصاص كل الزيادات التي أقرت للقطاعين العام والخاص على الرواتب، وبدل النقل في موازنة 2022. فكلفة التنقل اليومي المحددة بـ 95 ألف ليرة والتي لا تدفع بانتظام فقدت جدواها، ومجمل الرواتب مع الزيادات سيقل عن 150 دولاراً بالنسبة لغالبية الموظفين. وعليه ستستمر دورة التعطيل وإقفال المؤسسات وتراجعها الدراماتيكي»، يقول الخبير الاقتصادي والمالي د. حسين طرابلسي. فـ»الزيادات والمساعدات الاجتماعية التي أقرت استنفدت وخسرت جزءاً من قيمتها أول مرة عندما جرى الحديث عنها. ومن ثم فقدت الجزء الثاني عند إقرارها. ومع إعطائها تكون خسرت أكثر من 300 في المئة من قيمتها نتيجة الارتفاع في الاسعار واستمرار القدرة الشرائية بالانهيار».
الصراع على ما تبقى من موارد
الإنعكاس الرابع والاشد خطورة يتمثل في «تصارع مختلف القطاعات، ولا سيما التي تمثل موظفي القطاع العام، على أخذ حصة أكبر مما تبقى من أموال وموارد في بلد مفلس»، يقول النقابي د. غسان صليبي. «في حين أن المقاربة الوحيدة الممكنة التي توصل الجميع إلى حقهم هي العمل المشترك والمفاوضة مع السلطة حول سياساتها الاقتصادية والاجتماعية المتعلقة بالتعافي. وهذا ما لا نراه يحصل في لبنان. وطالما لا تشترك النقابات والهيئات العمالية بشكل تنظيمي في رسم السياسة الإقتصاديّة الإجتماعيّة على مستوى الوطن، تبقى المواقف على شكل ردّ فعل تجاه وضع اقتصادي معيّن». وبرأي صليبي فان «دور النقابات في هذه المرحلة يكون بتعزيز الحوار الاجتماعي وتوسيعه بين بعضهم البعض ومع السلطة، بما يؤمن الخروج باتفاقيات تأخذ بعين الاعتبار نسب الغلاء وتدهور القدرة الشرائية للرواتب والاجور، وتحفظ في الوقت ذاته توازن الاجور وقدرة الاقتصاد على تحملها. وهذا يتم على المستوى العام من خلال مؤسسات الحوار الاجتماعي في البلد، أو من خلال مفاوضات العمل الجماعية التي تقوم بها النقابات في مختلف القطاعات».
المولدات والنقل
الإنعكاس الخامس سيكون على ارتفاع أسعار مختلف السلع والخدمات المرتبطة بالمحروقات بشكل مباشر. ويأتي في مقدمها فواتير المولدات الخاصة واسعار النقل.
وعلى الرغم من أن لبنان لن يكون الدولة الوحيدة التي ستتأثر بارتفاع اسعار المحروقات المحتمل، إلا أنه وخلافاً لمعظم الدول لا توجد في لبنان خطوط دفاعية وإجراءات وقائية تخفف من الصدمات المتأتية من تقلبات الاسواق العالمية»، برأي طرابلسي. فالدول تتحسب للأزمات بوضع خطط طوارئ اقتصادية. وهذا ما شهدناه بشكل واضح في زمن كورونا. ونشاهده اليوم في تدابير الدول الاوروبية بعمليات ترشيد الاستهلاك، وتخزين النفط والغاز بكميات كبيرة، وتنويع مصادر الطاقة، والانتقال إلى الطاقات البديلة وتأمين الحماية المجتمعية لمواطنيها، والتخفيف عن كاهلهم بقية الاكلاف المعيشية. «إنما في لبنان تنفق الدولة بلا انتاجية، وتفشل في وضع خطة اقتصادية، وتستسلم للمحتكرين سواء كانوا أصحاب مولدات أم تجار أزمات، وتغيب الرقابة بشكل شبه كلي، مع العلم أن الحلول التي من شأنها تقليل الاضرار على المواطنين ليست تعجيزية في حال عقد العزم على أخذ القرارات الصحيحة».
أمام هذا الواقع يبرز سؤال أساسي يتعلق بأسباب وقف العمل بآلية تحديد أسعار البنزين على أساس المعدّل الوسطي لسعر الطن عالمياً في الاسابيع الثلاثة الأخيرة التي تسبق صدور جدول تركيب الاسعار. فهذه الآلية وضعت أساساً لحماية الشركات وبالتالي المواطنين من مخاطر تقلبات الاسعار. وإذا كان المبرر التبدلات السريعة بسعر الصرف اليومي للدولار، ألا يجب في هذه الحالة توقف الوزارة عن إصدار «الجدول»، وترك الاسعار تتحدد في الأسواق وفقاً لقاعدة المنافسة الحرة؟
في الوقت الذي تغيب فيه الشفافية، وتنعدم البدائل المنطقية التي تحد من استهلاك المحروقات، وتتقلص التقديمات الاجتماعية، وتضعف المناعة الوطنية… فان أي ارتفاع ولو بسنتات قليلة في اسعار النفط العالمية، سينزل كالمطرقة على رؤوس اللبنانيين.
ارتفاع أسعار المحروقات وتعاميم “المركزي”
في سياق متصل أصدر مصرف لبنان قراراً وسيطاً حمل الرقم 13484، طلب فيه من المصارف إستثنائياً أخذ موافقته المسبقة لفتح الاعتمادات أو دفع الفواتير المخصصة لاستيراد المشتقات النفطية (بنزين، مازوت، غاز). وقد أرفق القرار بتعميم يلزم فيه المصارف على تكوين حساب خارجي حر من أي التزامات لدى مراسليه في الخارج، لا يقل في أي وقت عن 3 في المئة من مجموع الودائع بالعملات الاجنبية لديه كما هي في 30 أيلول 2022. وهذا يعود بحسب خبير المخاطر المصرفية د. محمد فحيلي إلى «انكشاف بعض المصارف التجارية اللبنانية أمام المصارف المراسلة في الخارج خلال الفترة الماضية، ما يعني تمنعهم عن تعزيز أرصدتهم التي تدعم الاعتمادات المفتوحة. الأمر الذي أثر على سمعة المصارف في الخارج من جهة، وتحول عبء تسديد الالتزامات على عاتق «المركزي» في بعض الحالات من الجهة الثانية. وهذا ما يفسر طلب «المركزي» أخذ موافقته المسبقة قبل فتح الاعتمادات، وخصوصاً للمستوردات النفطية. والتأكد بأن لا يكون المصرف مكشوفاً على المصارف المراسلة في الخارج». وعلى الرغم من أن عملية فتح الاعتمادات بين التجار والمصارف لا يجب أن تخضع لرقابة مصرف لبنان، خصوصاً إن كانت بالدولار النقدي غير المدعوم، إلا أن هناك قطبة مخفية تمثلت بوضع المصارف للمركزي كضمانة لتسديد المدفوعات المتأخرة الملزمة بها».
من الجهة الاخرى، ترى مصادر متابعة أن قرار المركزي يطرح تساؤلاً إن كان لا يزال يؤمن الدولارات للمستوردين على أساس سعر صرف السوق الموازية. ولهذا يحرص على عدم تضخيم الفواتير أو نفخها مع اتجاه الاسعار العالمية للارتفاع. وهذا ما يتطلب توضيحاً من مصرف لبنان والشركات المستوردة.