الطبابة “سوق سوداء”… والإنهيار وشيك!
جاء في “المدن”:
بات خبر خلو الصيدليات من الأدوية أمراً طبيعياً تطبعنا عليه وعلى غلاء فاتورة الاستشفاء في المستشفيات والمختبرات. وها نحن نتطبع مع نفاد الأدوية الحيوية في المستشفيات، وصولاً إلى تحمّل أوجاع عملية جراحية، بعدما بدأت تنفد أدوية البنج.
وفق ما أبلغني أحد المعنيين في كبرى المستشفيات في بيروت، فإن الإدارة اتخذت قراراً غير معلن بوقف التعامل مع الجهات الضامنة كلها، بسبب التأخر في دفع المستحقات. في البداية حمّلت المستشفياتُ المرضى فرق الضمان ووزارة الصحة، على سعر صرف دولار السوق. حتى أن أحد معارفي دفع أكثر من تسعين مليون ليرة فرق علمية قلب مفتوح. فالوزارة والضمان يسددان على سعر الصرف الرسمي، ويتأخران لسنوات في تسديد المستحقات.
وسرى هذا الأمر على شركات التأمين. فبعضها ما زال يريد التسديد على سعر الصرف الرسمي، والبعض الآخر رفع السعر إلى 3900 ليرة للدولار. لكن التأخر في الدفع، ونفاذ الأدوية والمستلزمات، وترافقهما مع تداول قضية رفع الدعم، جعلت المستشفيات والمختبرات تفرمل خطواتها، وتمتنع عن استقبال مرضى الجهات الضامنة، إلا في حال دفع المريض الفرق.
ووفق مدير إحدى المستشفيات، فإن مسألة إعلان ومجاهرة المستشفيات كلها في لبنان عن وقف استقبال مرضى الجهات الضامنة، باتت مسألة وقت فحسب. فعندما يصبح تكبد مستشفى صغير كلفة قفازات بنحو 450 مليون ليرة سنوياً، بينما يبلغ مجموع مستحقات جهة ضامنة واحدة 500 مليون سنوياً، فهذا يعني إقفال المستشفى نهائياً، أو تحصيل الفروقات من المرضى.
وإذا كانت كلفة القفازات وحدها تصل إلى هذا المبلغ، فكيف بالأدوية والمستلزمات الطبية؟ يسأل المدير نفسه مجيباً: الضمان والوزارة تسدد على سعر الصرف الرسمي، وبعض شركات التأمين تسدد على سعر 3900، بينما دولار السوق فاق 13000 ألف ليرة. وحتى الساعة لم يُرفع الدعم رسمياً، لكن ما يجري منذ أكثر من شهر، هو بمثابة رفع الدعم. فعلى سبيل المثال، كان ثمن حقنة البنج ثلاثين ألف ليرة، وباتت تباع في السوق السوداء بعشر دولارات. لذا بات على المستشفى أن يجري التدخل الطبي بلا بنج، أو يدفع المريض ثمنه. وهذا ما يحصل حالياً.
عملياً – يقول مدير المستشفى – إن قلة من المستشفيات رفعت أسعارها بشكل طفيف، فيما المستشفيات الجامعية رفعت الأسعار على سعر صرف دولار السوق. وباتت الطبابة بمثابة سوق سوداء. ويوضح، على سبيل المثال، أن المريض الذي يأتي لإجراء فحوص خارجية، بات أمام حل من إثنين: إما دفع كلفة الفحص الواقعية أو عدم إجراء الفحص. وبمعنى آخر عليه دفع فرق السعر حسب السوق السوداء، بعد حسم تعرفة الجهة الضامنة. وما قرار وقف إجراء الفحوص الخارجية في المستشفيات، إلا بسبب وقف دعم المستلزمات. فالمستشفى أو المختبر يفضلان عدم استنفاد مستلزماتهما في الوقت الحالي. وذلك في انتظار رفع الدعم رسمياً. وسوى ذلك عليهما إلزام المريض بدفع الكلفة كاملة. وحينذاك تقوم قائمة اللبنانيين على جشع المستشفيات.
الخراب يعم البلد. ومعاينة الطبيب باتت بست دولارات. وعندما يرفع المستشفى كلفة الصورة الصوتية من 75 ألف ليرة إلى 110 آلاف، تقوم قائمة المرضى، ولا يرون أن سعر “البطيخة” بات أكثر من سعر الصورة، كما يقول أحد الأطباء في النبطية. ويضيف: يخطئ من يظن أن القطاع الصحي أو قطاع التأمين يستطيعان البقاء في منأى من الانهيار الحالي في البلد. وهذا ما يدفع المستشفيات إلى التعامل بـ”الكاش”. غير ذلك تصبح أموالها المتأخرة لدى الجهات الضامنة، أوراقاً لا تستخدم حتى للمرحاض، عاجلاً أم آجلاً.