كيف يقرأ “حزب الله” مراجعة “التيار” النقديّة للتفاهم معه؟!
اعتاد “حزب الله” على “الانتقادات” التي تُوجَّه إلى “تفاهم مار مخايل”، الذي جمعه قبل خمسة عشر عامًا، مع “التيار الوطني الحر”، في ضوء اعتبار “الخصوم” أنّ هذا التفاهم تحوّل إلى “الحاكم بأمره”، وغيّر الكثير من “قواعد اللعبة” في الداخل.
واعتاد “حزب الله” على بعض الانتقادات، سواء من جزءٍ من جمهوره “الافتراضيّ”، أو من جمهور “التيار”، وصولاً إلى بعض “النُّخبة” فيه، وإن كان يقلّل من شأنها، باعتبارها لا تمثّل الموقف الفعليّ للقيادة، كما كانت الأخيرة تؤكّد دومًا، على أساس أنّ العلاقة المُشتركة أثبتت “متانتها”، وأنّها “مُحصَّنة” في وجه كلّ محاولات “التخريب”.
لكن، ما لم يعتد عليه “حزب الله”، أن تخرج قيادة “التيار الوطني الحرّ” ببيانٍ رسميّ في ذكرى التفاهم، لا يتضمّن “إشادة” به، بل على النقيض، “انتقادات مبطنة”، تصل إلى حدّ التلويح بـ”التخلّي” عنه، من باب “انتفاء المصلحة”، طالما أنّه “لم ينجح في مشروع بناء الدولة وسيادة القانون”، وفق ما جاء حرفيًا في بيان المجلس السياسيّ لـ”التيار”.
تطوير “التفاهم” من الحديث الإعلامي إلى التطبيق الجدّي.. اتصال مطوّل بين نصرالله وباسيل
تطوير بنود الوثيقة بات ملحّاً: تفاهم “حزب الله” و”التيار” يهتزّ.. ولا يسقط بمرور الزمن
اعتبارات وهواجس
لا يمكن أن يمرّ مثل هذا الكلام “مرور الكرام” في قاموس “حزب الله”، ولو أنّه التزم بالصمت إزاءه، وإن تكلّم، فهو لن يخرج عن حدود “دبلوماسيّة” لطالما اعتمدها في مواجهة كلّ الاختلافات، فضلاً عن المطبّات التي واجهت “التفاهم”، وارتقت في بعض الحالات إلى مستوى “العواصف”، ولم يقع بفخّها، ولو “اهتزّ” مرارًا.
برأي العارفين بأدبيّات “الحزب”، فلصدور مثل هذا الكلام عن قنوات “التيار” الرسمية أكثر من معنى ودلالة، وبالتالي رسالة، قد لا يكون “حزب الله” وحده معنيًّا بها، باعتبار أنّ قنوات التواصل بين الجانبيْن كانت ولا تزال مفتوحة، ولكنّها قد تكون موجَّهة في مكانٍ ما للجمهور العام، بل قد تكون مرتبطة، في مكانٍ ما، بـ “التكتيكات” الجديدة التي فرضتها العقوبات على الوزير السابق جبران باسيل، وما ولدّته من تداعيات لم تنتهِ فصولاً بعد.
لكن، وبمُعزَلٍ عن كلّ هذه التفسيرات، التي تبقى “تكهّنات” حتى إثبات العكس، يؤكد العارفون أنّ “الحزب” يتفهّم الاعتبارات والهواجس التي ينطلق منها “التيار” في مقاربته النقديّة، خصوصًا أنّ الضغط على القيادة “العونيّة” بات كبيرًا من داخل الصفوف الحزبيّة قبل الخارج، في ضوء وجود شريحةٍ واسعة من الناشطين والمحازبين تعتبر أنّ “التفاهم” لم يعد مفيدًا ولا نافعًا، وبعض هؤلاء ينطلق من التموْضُع الحكوميّ الآني، وعدم مساندة “الحزب” فعليًّا لـ “التيّار”.
لا للتفريط
وإذا كان “حزب الله” يحرص عبر أوساطه ومصادره على التأكيد أنّه “يتفهّم” هواجس واعتبارات “التيار”، سواء تلك المرتبطة بالمأزق الحكوميّ، أو ما يكرّره “عونيّون” عن “خطوط حمراء” تمنع المضيّ في معركة “مكافحة الفساد”، كما يريدونها، فإنّ هناك من يؤكد أنّ هذا الحرص لا يأتي “كرمى لعيون” باسيل، أو حتى رئيس الجمهورية ميشال عون.
ويلفت العارفون إلى أنّ “حزب الله” يحرص على هذه المقاربة، لأنّه بكلّ بساطة، يرفض مجرّد التفكير بـ “التفريط” بالتفاهم مع “التيار الوطني الحر” في هذه المرحلة، وهو مستعدٌّ لفعل كلّ ما يحتاجه “التيار” لتبديد هذه الهواجس، بما يضمن “صمود” التفاهم، الذي وفّر له “غطاءً” شعبيًا لا يزال بحاجة له، خصوصًا أنّه من الصعب أن يوفّره له أيّ طرفٍ آخر على الساحة المسيحيّة، إما لضعف الحيثيّة الشعبية، أو لاستحالة مقوّمات التحالف.
ويشير العارفون إلى أنّ “حزب الله” منفتحٌ، انطلاقًا ممّا سبق، على فكرة “تطوير التفاهم”، التي كان الوزير جبران باسيل أول من طرحها بعيد فرض العقوبات الأخيرة عليه، قبل أن يتبنّاها أمينه العام السيد حسن نصر الله في أحد خطاباته، ولكنّها لم تسلك مسارها المفترض، وبالسرعة المطلوبة، لاعتباراتٍ عديدة، من بينها ربما المعطيات السياسية التي فرضت إيقاعها على أرض الواقع، بصورةٍ أو بأخرى.
قد يصحّ القول مرّةً أخرى، أنّ “تفاهم مار مخايل اهتزّ ولم يقع”، وهي مقولة أرهِق أنصار “الحزب” و”التيار” من كثرة تكرارها خلال السنوات الماضية، مع كلّ مِطَبّ كان يواجه العلاقة. لكنّ الانتقادات، التي باتت علنيّة هذه المرّة، توحي بأنّ وراء الأكمة ما وراءها، وبأنّ ما بُني على “مصلحة” قد لا يبقى ثابتًا، مهما عمّر وصمد…