هل طرح الدولة المدنية أو العلمانية من الطبقة السياسية تكتيك للإلهاء؟
المصدر: الخبر
عندما تتحوّل حلقة إذاعية إلى إختصار لحلقة بحثية ببضعة محاورين وأسئلة مركزة لرجالات فكرية كالبروفسور أنطوان مسرّة الذي له باع طويل في عدم إحتكار المعرفة وجعلها مدفوعة الثمن ومادة تجارية إبحث عن هذا الإعلامي الذي يعنون حلقته بعمق مختصر ويتابع مسار الأحداث التي ادت الى اعادة وضع العلمانية والدولة المدنية على طاولة البحث على الطريقة الفرنسية بعد زيارة الرئيس الفرنسي للبنان ايمانويل ماكرون الذي طعّم الحوار في هذا المبدأ بالنفس الفرنسي حتى لو كان بالنسبة للبعض “تبسيطياً” جدًا الى حد السذاجة كما كتب الزميل بشارة شربل على صفحته الفيسبوكية.
“طرح الدولة المدنية والميثاق الجديد بين التسويق على المستوى السياسي والقانون” عنوان حلقة أعدتها وقدمتها الزميلة الراقية ميراي فغالي عبر “صوت كل لبنان”. تعزز فكرتها الوقائع اليوم التي تشي بتدخل رجال الدين بالسياسة والعمل على “المحاصصة” عبر عامل الدين وهذا ما دفع عدد كبير من الثوار الاعتراض والعمل على وضع أسس مشتركة للعمل بين المجموعات كي لا تتم عملية المحاكمة على النوايا أو الدخول في جدل حول الصبغة الدينية للأحزاب التي تعتبر نفسها جزء من الثورة، باعتبار إنه يستخدم المصطلح بعكس فالعلمانية التي تعني فصل الدين عن الدولة واعتبار الدين شأن “شخصي” جدًا فكيف لتفصيل شخصي لهذه الدرجة أن يشكل محور حديث في السياسة والاجتماع والاقتصاد علمًا ان لا دين للاقتصاد والعلم اقصى ما يمكن للعلم ان يقوم به هو دراسة وقياس مدى الانفتاح لجماعة طابعها ديني. لهذا السبب كان لدينا حوار مع الاعلامية ميراي فغالي التي دارت الحوار وتعرف في ماهية التواصل السياسي.
1 . ما مقومات هذا التسويق السياسي بعد خبرتك بالموضوع واضطلاعك الذي شعاره الدولة المدنية. وهل وفق ما عاينتي مع ضيوفك وهي عينة سياسية هو شئ ملموس؟
طرحت القوى السياسية اللبنانية موضوع الدولة المدنية في لحظة حرجة سياسيا وشعبيا، وهي خطوة تقدم عليها القوى السياسية نفسها عند كلّ مفترق طرق سياسي كنوع من الهروب الى الأمام أو الهاء الشعب اللبناني, ولكن، وكما وفي كلّ مرّة، لم تقدم هذه القوى السياسية على اي خطوة لتحقيق انفاذ الدولة المدنية، والتي تتطلّب تطبيقا لبعض مندرجات اتفاق الطائف مثلا، واقرار قانون مدني للأحوال الشخصية وغيرها.
2. هل له رؤيا هذا الطرح ومشروع سياسي في لبنان وأسس قانونية وما المطلوب لتتلاءم الرؤية او الشعار المطروح مع الواقع حسب استنتاجك.
إن اردنا عمليا تعريف الدولة المدنية، يتبيّن أن هناك خطأ في استخدام المصطلح على الطريقة اللبنانية. فنحن مثلا في لبنان لا نعيش في دولة دينية. دستورنا علماني، قوانيننا (باستثناء قانون الاحوال الشخصية مثلا) لا تستند الى عقيدة ايمانية ولذلك كان الافضل أن يتمّ استخدام مصطلح الدولة “العلمانية” من قبل اصحاب الطرح. وبالعلمانية، يمكن الحديث عن تنظيم العلاقة بين الدين والدولة (وهو ما تنحو اليه “العلمانية” في فرنسا اليوم) بدلا من “الفصل بين الدين والدولة”.
وفي الواقع، طبعا هناك رؤيا للطرح، ليست وليدة يومنا هذا ولا لحظتنا السياسية هذه، وان كانت قد تحتاج الى تطوير في يومنا هذا. ولكن فلنجرب الموجود بداية، كما يقول الداعون في لبنان الى تطبيق الطائف قبل البحث في صيغة أخرى أو عقد سياسي جديد بين اللبنانيين. هذه الرؤيا اذا، كرّسها اتفاق الطائف بقانون انتخابي خارج القيد الطائفي، يرافقه انشاء مجلس شيوخ على سبيل المثال.
3. هل تعقيدات الواقع اللبناني تجعل الدولة المدنية مجرد شعار ومجرد حركة مطلبية وما المطلوب كي لا تبقى في إطار للتسويق السياسي؟
إن أيّ شعار مرتبط بالدولة حاليا يمكن اعتباره مجرّد شعار، طالما أن الدولة نفسها في مأزق. فكيف نرسي دولة مدنية في ظلّ اللا دولة؟ إن أسس الدولة، مضروبة في لبنان. فالدولة مثلا تعني احتكار القوة المسلحة، للدولة سياسة خارجية واضحة، للدولة أسس جوهرية، تغيب في لبنان. اوّل خطوة مطلوبة اذا لارساء الدولة المدنية، هو استعادة الدولة.
4. ما مقومات هذا التسويق السياسي. هل الحديث عن الدولة المدنية وفتح جدل هو في سياق الهاء. او هناك نية فعلية للتطبيق. وهل الحملة تستدعي حملة مضادة؟
بعد أيّام من الأخذ والردّ في اطار هذا الطرح، تمّ تكليف الرئيس مصطفى أديب تشكيل الحكومة اللبنانية، وبدأت نفس القوى السياسية التي خرجت لتطالب بالدولة المدنية، والغاء الطائفية السياسية، بالمناداة بحقوق الطوائف في التمثيل من باب المحاصصة. حتّى أن الخلافات التي تعيق اليوم تشكيل الحكومةمرتبطة بالموضوع الطائفي بشكل اساسي (وإن كان للأمر أبعاد قد تكون اقليمية ). اسقطت القوى السياسية اذا بنفسها الطرح، واثبتت انه رفع في اطار الالهاء السياسي ليس الّا.
5. هل بهذه الحملة وبهذا التسويق السياسي هناك تجيشش تعبئة الخ بنظرك ودراسة المزاج العام او مجرد كلام اعلامي
بعض القوة السياسية طرحت الموضوع من باب تلقف حديث الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون الى لبنان، حين اعتبر أنه آن الاوان لعقد سياسي جديد في لبنان. وفي حين أن الحديث عن عقد سياسي جديد ، مطاطي وحمّال اوجه، حاولت هذه القوى تلقف الامر، وتحويله الى تركيز على الدولة المدنية. قوى أخرى، تجد في طرح الدولة المدنية ما يناسب وزنها في لعبة توازن القوى. اذا كلّ سوّق للأمر بما يخدم نظرته.
6.ضمن هذه الحملة للعمل على العلمانية كما ورد في برنامجك وإعدادك يجب القيام بخطوات وبرنامج عمل منها لا مركزية إدارية، حل نزاعات، قانون انتخابات. لكن هل عدم السير في نقطة دون أخرى يعني الفشل ككل. ويجعلها مجرد حملة لا اساس لها؟
في الواقع، صحيح ما ذكرت عن كون الامر يتطلب عددا من الخطوات. ولكن تطبيق الواحدة دون الاخرى، لا يعني سقوط الطرح ككلّ لاسيما بناء على ما سبق ولفتنا اليه اعلاه. ولكن لا شكّ أن الطرح لا معنى له من دون اقرار قانون مدني للاحوال الشخصية مثلا، أو من دون الغاء الطائفية السياسية. ان الامر يعتمد على نوعية الخطوات المطلوبة.
7. كيف يجب العمل مع القادة الروحيين في سياق هذه الحملة؟
اثبتت السنوات الماضية بما طرح فيها من مسائل اكان الزواج المدني مثلا، او غيره، أنّ موقف بعض القادة الروحيين متزمّت في مسألة رفض اقرار قانون موحد للاحوال الشخصية مثلا. فيما لا مشكلة لآخرين مع مثل هذا القانون، ولكن يفضّلون الابقاء على الطائفية السياسية، حفظا لمكتسبات الطوائف في المناصب العامة وغيره. وعليه، يجب العمل على تذليل مخاوف ابناء الطوائف، قبل القادة الروحيين. مخاوف، استفاد منها القادة الروحيون اسوة بالقادة السياسيين، لتحصين مكتسباتهم ايضا, المعضلة حقيقية هنا. والسؤال: هل كرامة الانسان هي همّ هؤلاء؟ واليس الاجدى حفظ حقوق المواطن، بدلا من الطوائف؟ بناء على ردّ هؤلاء على مثل هذه الاسئلة، يمكن العمل على ارساء الدولة المدنية بمعية القادة الروحيين.
vdlnews