المطران عوده للبنانيين: لا تُهلِكوا أَنفـسكم من أجل زعيم كائِـنًا مَن كان
أكّد متربوليت بيروت وتوابعها للروم الأرثوذكس المكران الياس عوده، في عظة الأحد أنّ “كَـثيرين يَـقـضونَ أَيَّامَهُم في جَمعِ المادِّيَّـاتِ، ويَعـقـِدونَ الصَّفَـقاتِ أو يسلكون دروباً معوّجةً مِن أَجل ِمنفعةٍ أو حَفـنَةِ مال، ولا يَـتَــذَكَّـرونَ قَـولَ الـرَّبِّ في مَثَـلِ الغَـنِيِّ: «يا بني، هذه الليلة تُطلبُ نفسُك منك فهَذِهِ الَّتي جَمَعتَها لِمَـنْ تَـكون؟» (لو 12: 20)، مشيراً إلى أنّ “ما شاهَـدناهُ مُـؤَخَّرًا مِنِ اقـتِـتالٍ بَينَ الإِخـوَةِ مُحـزِنٌ جِـدًّا، ويَجعَلُنا مُجرَّبونَ بفقدانِ الأَمَـل بِغَـدٍ أَفضَلَ”.
وتابع: “لأَنَّ المَسيحِيِّينَ نَـبَـذوا المَسيحَ، صَلَبوهُ مُجَدَّدًا، وتَبِعوا أَصنامًا وأَشباهَ آلِهَةٍ، نَصَّبوها سَيِّدَةً عَلَيهِم. إِستَـيـقِـظوا يا أَبناءَ الرَّبّ”، متسائلاً: “هَلْ يَـتَـقـاتَـلُ زُعَـماؤُكُم مِن أَجلِـكُم؟ وإِنْ تَحارَبوا كَلامِيًّا، أَلَيسَ مِنْ أَجـلِ مَصالِحِهِم وجُيوبِهِم؟ وفي النِّهايَةِ تَـكونُ آخِـرَتُـكُم أَنتُم في القُــبُـورِ، وهم يَبـقَـونُ مُـتَـرَبِّعـينَ على عُـروشِهِم، يُحصون أَرباحَهُم، فيما تَــتَّـشِحُ أُمَّهاتُــكُم وأَخَواتُـكُـمُ بِالسَّوادِ، وتَـنهَمِرُ دُموعُـهُـن أَنهارًا لا تَـنضَب. أَلَـم تَــتَّعِـظوا مِن سَنَواتِ الحَـربِ الطِّوال؟ لَـقَـد تَخَلَّى المَسيحِيُّونَ عَـنِ المَسيحِ وآنَ أَوانُ العَودَةِ إِلَيه لكي يَـمُـدَّ لَنا يَـدَ العَون. هَلِ الزَّعـيمُ هُــوَ الَّذي صُلِبَ لِـيُـخَـلِّـصَكُم مِنَ المَوت؟ هَلْ يُـفَــكِّـرُ الزَّعـيمُ في أَنْ يَـتـأَلَّـمُ وَلَـوْ قَـليلًا مِنْ أَجلِ أَتباعِهِ؟ حَتَّى الآنَ لَمْ نَـرَ هَـذا، وطَبعًا لَنْ نُعايِنَ كَهَذِهِ الأُعجوبَةِ في بَلَدِنا الحَبيب. جُـلَّ ما يَشاؤُهُ الزَّعـيمُ أَنْ يُحافِظَ على منصبِه وحِصَّتِهِ، أَمَّـا البَـلَـدُ المُـفَـجَّـرُ والمُحتَـرِقُ والمُشَرذَمُ فَلا يَعنيه”.
وأضاف المطران عوده : “لَقَد شَخَصَتْ أَعـيُـنُ اللُّبنانِيِّينَ إلى زُعَماءِ بِلادِنا، عَـلَّـهُم يُـبَـدِّلونَ نَهجَهُم ويَخرُجونَ بِحُكومَةٍ تُحاكي تَطَـلُّعاتِ أَبناءِ هَذا البَلَدِ المَـنكوب، بِحَسَبِ الوَعـدِ الَّذي قطعوه، لَكِـنَّ أُمَراءَ السلطةِ والمالِ في بِلدِنا المِسكينِ فَـضَّلوا المضيَّ في نهجِهم المعـوَّج، وعَــدَمَ الإِصغاءِ إِلى النَّصائِحِ التي قـد تـنـتشلُ لبنان من الهاوية، وتابَعوا النَّهشَ في ما تبقى منه، بغيةَ الحصول على ما يُشبِعُ جَشَعَهُم، ويُخفي فَشَلَهُم، ويَطمُسُ اختِلاسَهُم، ويَخدُمُ مَآرِبَهم”، متسائلاً مرة أخرى: “هل توجدُ إرادةٌ حقيـقـيةٌ للعملِ والإصلاحِ والإنقاذ؟ هل توجدُ رغبةٌ حقيقيةٌ في تغييرِ النهجِ والسلوك؟ أقول هذا لأننا نلمسُ تشبُّثاً بالعاداتِ القديمةِ وما يرافـقُها من مطالبَ ومطبّاتٍ وعراقيل. فما زالت حساباتُ الثلثِ ورفضُ المداورة والتشبّثُ بالمشاركةِ في التوقيع قضايا مستعصيةً تـتـقدّمُ على حياةِ الشعبِ الذي لا يكادُ يتخلّصُ من مأساةٍ حتى تحلَّ به أخرى تزيدُه بؤساً وفـقـراً ويأساً، فـيما المسؤولون يتلهّون بقضاياهم بذريعةِ الحقـوقِ أحياناً والميثاقيةِ أحياناً أخرى، متجاهلين أنّ لبنانَ يُحتَـضَر، وشعبَه يكفـرُ بهم وبجشعِـهم وتخطّيهم للدستورِ والأعـرافِ والمواثيقِ. لقد فَــقَــدَ المواطنون ثـقـتَهم بالدولة إلى حدِّ المطالبةِ بانتدابٍ جديدٍ حيناً، وبعدمِ تسليمِها المساعداتِ حيناً آخر. هل هذا طموحُ أيّ مسؤولٍ يتبوأ مركز عام من أجل الخدمة؟”.
وتابع عظته: “يا أَيُّها الـزُّعَـماءُ تَـذَكَّـروا قَـولَ الـرَّبّ: «قايينُ ماذا فَعَلتَ؟ صَوتُ دَمِ أَخيكَ صارِخٌ إِلَيَّ مِنَ الأَرض» (تك 4: 10). أَنتُمْ تَختَـبِـرونَ طولَ أَناةِ اللهِ، ولا زِلـتُم تَنهَشونَ لَحمَ إِخوَتِـكُم الَّذينَ أَوكَـلَـكُـمُ الـرَّبُّ مَسؤولِيَّةَ رِعايَـتِهِم. اسمَعوا جَيِّدًا ما يَقـولُهُ الرَّسولُ بولُس: «لَكِـنَّـكَ مِنْ أَجلِ قَساوَتِكَ وقَـلبِكَ غَيْرِ التَّائِبِ تَـدَّخِـرُ لِنَفسِكَ غَضَبًا في يَوْمِ الغَضَبِ وَاستِعلانِ دَينونَةِ اللهِ العادِلَة» (رو 2: 5)”، متوجهاً إلى أَبنَاءَ لُبنان بالقول، خصوصاً المَسيحِيّين: “لا تُهلِكوا أَنـفُـسَكُم مِنْ أَجْلِ زَعيمٍ، كائِـنًا مَنْ كان، يُـغـدِقُ عليكم الوعودَ قـبْـلَ الإانتِخاباتِ، ويَنساكُم بَعدَها. لا تُهلِكوا أَنـفُسَكُم مِنْ أَجلِ من يُحيـطُ ذاتَهُ بِحُـرَّاسٍ ومُرافِـقـينَ كَي لا يُصابَ بِأَذى، وتَـتَـدَغـدَغُ كِـبـرِياؤُهُ بِمُشاهَدَةِ مُناصِريهِ يَحمِلونَ الأَسلِحَةَ ويَهتِفـونَ بِاسمِهِ ويُقاتِلونَ مواطنيهم، أما أمنُـكُـم فلا يعنيــهِ. لَـقَـدْ سَئِمَـتْ أَنـفُـسُنا مَشَاهِـدَ الإقتِتال، وصُمّتْ آذانُـنا مِن سَماعِ الشِّعاراتِ والإتهاماتِ والشَّتائِم، فَهَلَّا أَحبَبتُم بَعضَكُم بَعضًا كَما أَحَبَّنا المَسيحُ باذِلًا نَفسَهُ عَلى الصَّليب؟! أُنبذوا الدَّمارَ والسِّلاحَ والمَوتَ وأبعدوها عن أبنائكم، الَّذينَ نُعَوِّلُ عَلَيهِم لبِناءِ الدَّولَة. إِرحَموا أَولادَكُم وهَذا البَلَد! يَـقـولُ الرَّبُّ في إِنجيـلِ اليَوم: «ماذا يَـنـتَـفِعُ الإِنسانُ لَو رَبِحَ العالَمَ كُلَّهُ وخَسِرَ نَفسَهُ؟ أَمْ ماذا يُعطي الإِنسانُ فِداءً عَـنْ نَفسِهِ؟». أَلَا يَخسَرُ المُـقـتَـتِـلـونَ أَنـفُسَهُم وأَحِبَّاءَهُم ووطـنَهم؟ فَماذا يَـنـتَـفِـعونَ إِنْ رَبِحوا حَربًا دَمَـوِيَّةً وخَسِروا فيها أَعِـزَّاءَهُم ومستــقـبَـلَـهم؟”.
وختم: “النَّاسُ بِحاجَةٍ إِلى مَن يُحِـبُّهم مَجَّانًا، لا إِلى مَن يَـتَـسَـيَّـدُهم ويَستَعـبِدُهم ويكذبُ عَلَيهم مِن أَجلِ مَصلَحَتِهِ الشَّخصِيَّة. دَعوَتُـنا اليَومَ أَنْ نُحِبَّ الجَميع، مَهما كانَ انتِماؤُهُم، لأَنَّهُ بِالمَحَبَّةِ تُبنى الأَوطان. أَحِبُّوا بَعضَكُمْ بَعضًا، كونوا إِخوَةً، هَـكَـذا تَـفـرَحُ بِكُم كُـلُّ مَلائِكَةِ السَّماءِ، وهَكَذا لا يَستَحي بِكُمُ ابنُ البَشَرِ في مَلَكوتِهِ، آمين”.
vdlnews.