ماكرون يعوّم رجل أعمال لبنانياً لإعمار المرفأ.. والصين مستعدة للمهمة بلا إصلاحات
بعد مرور شهر على انفجار المرفأ، لم تحدد السلطات اللبنانية الرسمية الجهة الدولية التي سيتم التعاون معها لإعادة الإعمار. الانفجار فتح شهية العديد من اللاعبين الدوليين وعلى رأسهم فرنسا. ففي حديث مع صحيفة “ذا ناشيونال” الإماراتية، ربطت مصادر سياسية أوروبية زيارة الرئيس إيمانويل ماكرون الثانية إلى بيروت برغبته في اضطلاع بلاده بدور على مستوى التنقيب عن الغاز بمحاذاة الساحل وإعادة إعمار المرفأ وغيره من البنى التحتية. ومن جانبها، أعربت الكويت عن نيتها بإعمار إهراءت القمح في المرفأ، الذي قدر “البنك الدولي” قيمة أضراره بما يتراوح ما بين 6.7 و8.1 مليار دولار. وقال البنك الدولي في تقرير بعنوان “انفجار بيروت: تقييم سريع للأضرار والاحتياجات” إن أبرز القطاعات المتضررة كان قطاع الإسكان بخسائر تتراوح ما بين 1 إلى 1.2 مليار دولار، ثم قطاع النقل بقيمة ما بين 580 مليون دولار إلى 710 ملايين دولار.
بالعودة إلى فرنسا، نقلت “ذا ناشيونال” عن رئيس اتحاد أرباب العمل جيفري رو دو بيزيو تأكيده أنّ الشركات الفرنسية مستعدة للعمل إلى جانب اللبنانية، رافضاً الإفصاح عن أسماء. وتابعت الصحيفة بالقول إنّ مدير “بويغ”، وهي إحدى أكبر شركات البناء في فرنسا، قال بحذر: “من السابق لأوانه معرفة ما يحدث بالضبط”. ولكن ما العامل الذي يمكن أن يحول دون دخول المستثمرين الأجانب إلى المشهد؟ تجيب الصحيفة بالقول إنّ الخبراء يحذرون من الفساد والممارسات المافياوية، وتنقل عن مصدر يشارك في أعمال إعادة الإعمار قوله: “السؤال هو أي نوع مرافئ يريد لبنان؟ من شأن مرفأ أكثر حداثة وشفافية أن يجلب المزيد من الإيرادات الضريبية. ولكنه سيقوّض وجود الأحزاب السياسية”. واعتبر المصدر أنّ المرفأ المتضرر يمثّل نموذجاً مصغراً عن عينة للفساد اللبناني المتفشي. من جانبه، أكّد جوزيف خوري، الذي يعمل في المنطقة الحرة في المرفأ، أنّ الوضع الراهن يخدم الأحزاب السياسية، قائلاً: “المشكلة هي أنّ المرفأ يقع تحت السيطرة المباشرة لوزارة معينة، وبالتالي يسيطر الحزب الذي يتولى تلك الوزراة على المرفأ. ولكن حتى اليوم، يخضع المرفأ لنفوذ جميع الأحزاب، وليس حزباً واحداً فحسب. ولذلك، لا يرغب أحد في أن تتولى وزارة واحدة المسؤولية”، كما شبّه المرفأ بـ”مغارة علي بابا”. تصريحات خوري تنسجم مع وجهة نظر الوزير السابق فادي عبود، فشبّه طريقة عمل السياسيين بطريقة عمل رجال المافيا. إلاّ أنّ مصدراً مقرباً من التحقيق في انفجار المرفأ علّق للصحيفة بالقول إنّ حركة “أمل” تتمتع بالنفوذ الأوسع في المرفأ.
في هذا الإطار، تطرّقت الصحيفة إلى عائدات المرفأ، مشيرةً إلى أنّ الأرقام الأخيرة المنشورة تشير إلى أنّها قدّرت بـ50 مليون دولار في الأشهر الأولى من العام الجاري، ما يعني أنّها انخفضت بنسبة 45% بالمقارنة مع الفترة نفسها من العام الفائت. وفي تعليقه، كشف خوري أنّه يعتقد أنّ الإيرادات تتعدّى هذه القيمة، مشيراً إلى أنّ غياب التدقيق في الحسابات يحول دون تحديدها. وعليه استبعد خوري اتجاه فرنسا وغيرها من الدول أو الشركات الأجنبية إلى الاستثمار بشكل كبير في المرفأ قبل إجراء إصلاحات إدارية، قائلاً: “أنا متيقّن من أنهم سيرغبون في حل اللجنة المؤقتة (لجنة إدارة واستثمار مرفأ بيروت). فهذه (اللجنة) قائمة لمنع الكشف العلني عن إيرادات المرفأ وسواها من الأرقام”.
وعليه، تحدّثت الصحيفة عن إمكانية زيادة مستوى الانخراط الفرنسي، إذا ما تولّت باريس تشغيل الحاويات في المرفأ؛ علماً أنّ شركة BCTC البريطانية-اللبنانية تشغل المحطة المذكورة منذ العام 2005. ونظراً إلى أنّ عقد BCTC انتهى مطلع العام الجاري، كان يُفترض طرح مناقصة لإبرام عقد جديد، بحسب ما كتبت “ذا ناشيونال”. واستناداً إلى مصدر في المرفأ، فإنّ مجموعة الشحن الفرنسية CMA CGM، بالشراكة مع MSC في جنيف، كانت الأولى التي أعربت عن اهتمامها بتشغيل محطة الحاويات، وتبعتها شركة “غالف تاينر” (الإمارات) وشركة “Hutchison Port Holdings” (هونغ كونغ) وشركة “China Merchants Port”. من جهته، رجح مدير مرفأ بيروت بالتكليف باسم قيسي أن يتم تحديد موعد للمناقصة- التي سبق أن تأجلت- نهاية العام، إفساحاً للمجال أمام المرفأ كي “يقف على قدميه”. في ما يتعلق بشريك BCTC الأساسي، حدّدته “ذا شيونال” بشركة “International Port Management Beirut Holding” اللبنانية، التي يتولى عمار كنعان منصب رئيسها التنفذي. وتابعت الصحيفة بالقول إنّ السجلات اللبنانية تبيّن أنّ محامي BCTC هو وزير الثقافة السابق ريمون عريجي.
وفي حديث مع “ذا ناشيونال”، تناولت المحللة “لالي خليلي” الاهتمام الصيني بمرفأ بيروت، معيدةً السبب في ذلك إلى تعيقدات عملية الشحن عبر مرفأ حيفا إلى البلدان العربية. في المقابل، اعتبر خوري أنّ المرشح الأقوى ليس سوى شركة CMA CGM نظراً إلى صلاتها بلبنان وفرنسا، كاشفاً أن اللبنانيين يقررون حالياً ما إذا يفضلون مساعدة الفرنسيين أم الصينيين؛ يتولى اللبناني رودولف سعادة منصب رئيس CMA CGM التنفيذي، وقد رافق ماكرون خلال زيارتيْه إلى لبنان.
أمّا بالنسبة إلى المصدر المعني بإعمار المرفأ أعلاه، نقلت الصحيفة عنه قوله: “إذا رفض اللبنانيون الإصلاحات، فقد يلجأون إلى الصينيين، فسيعيد هؤلاء إعمار المرفأ بسعر رخيص وبسرعة، لكن من دون رؤية”، مشككاً في الوقت نفسه باتجاه الصين إلى الاستثمار بشكل كبير في لبنان. وقال المصدر: “يحب اللبنانيون تهديد الأوروبيين عبر القول إنّه باستطاعتهم اللجوء إلى الصينيين الذين لا يطلبون إجراء إصلاحات”، مضيفاً: “قالوا مراراً إنّ الصينيين يريدون الاستثمار في قطاع الكهرباء أو في ميناء طرابلس، إلاّ أنّ الصينيين لم يحركوا ساكناً حتى اللحظة. وبالمقارنة مع بلدان أخرى مثل العراق وسوريا، يُعدّ لبنان صغيراً جداً بالنسبة إلى الصين”.
lebanon24