الذهب عنصر نادر جاء من الفضاء وغيّر تاريخ شعوب الأرض
بالنظر إلى كمية الطاقة الهائلة اللازمة لتكوينه، يعتبر الذهب عنصرا ثمينا، وذلك لأنه يتشكل في الفضاء من النجوم. بالطبع ليس من كل النجوم، بل من تلك التي تنفجر وتتحول إلى مستعرات عظمى عملاقة، أو تلك التي تمتلك كثافة عالية تؤدي إلى تصادمها مع نجوم مماثلة لها في أحداث فلكية عظيمة.
تولّد النجوم الطاقة من خلال قوة الاندماج، حيث يتم دمج العناصر الأصغر مع عناصر أثقل. بادئ ذي بدء، قد يتكون النجم في الغالب من الهيدروجين وهو العنصر الأصغر، وتحت ضغط وحرارة هائلين في لبّ النجم، تؤدي عملية الاندماج إلى توليد الهيليوم لتبدأ معها مرحلة جديدة من دورة حياة النجم، حيث يندمج الهيليوم مع العنصر الأثقل التالي وهكذا.
وتستمر عملية الاندماج تلك وصولا إلى عنصر الحديد الذي يقلب الموازين فجأة. فوفقا لجامعة أوريغون، لا تنتج عملية اندماج أو صهر الحديد الطاقة، بل على العكس تماما فإنها تستهلك الطاقة. ومع عدم وجود وسيلة لتوليد الطاقة الداخلية لمواجهة قوى الضغط وقوى الجاذبية الهائلة، يبدأ النجم في الانهيار على نفسه.
ووفقا لوكالة ناسا (NASA)، فإنه في حال كان النجم كبيرا بدرجة كافية، فستكون النتيجة مستعرا أعظم، وتتشكل العناصر الأثقل ومن ضمنها الذهب تحت تأثير الطاقة الهائلة المتولدة خلال هذه العملية.
ووفقا لموقع سبيس دوت كوم (Space.com)، يمكن أن تؤدي الاصطدامات بين النجوم النيوترونية إلى توليد طاقة كافية لتشكيل الذهب والمعادن الثقيلة الأخرى. وتعرف النجوم النيوترونية بأنها نجوم صغيرة ذات كثافة عالية، إلا أنها لم تتحول إلى ثقوب سوداء. كما أنها ذات قوة جاذبية هائلة، ويمكن أن تدخل مدار بعضها بعضا، مما يؤدي إلى حدوث اصطدامات هائلة.
وما إن تحرر الذهب والعناصر الأخرى في الفضاء، حتى اجتمعت ببطء وشكلت كوكبنا الوليد. وبمرور الوقت، عندما بردت الأرض وانفصلت إلى عدة طبقات من اللب والوشاح والقشرة، تم إطلاق الذهب المحبوس في أعماق النواة نحو السطح.
وقد تم اقتراح العديد من النظريات حول كيفية حدوث هذه العملية، واتفق الجميع على أن الحرارة والضغط دفعا الماء السائل إلى أعلى، حاملا الذهب المذاب معه. وعندما يبرد الماء، يترسب الذهب مكونا عروقا أو عقدا من الذهب المركّز.
تاريخ الذهب
بمرور الزمن، تم حمل بعض الذهب عبر المجاري المائية صعودا إلى السطح، وتدفقت شذراته باتجاه مجاري الأنهار. وعلى مرّ العصور تعامل عمال المناجم والمنقبون مع تلك الشذرات كعلامة على وجود عقدة ذهبية قريبة، وكانوا منشغلين بالبحث عنها للوصول إلى المناجم. كما كان الذهب من الأسباب الرئيسية التي أثرت على تاريخ البشرية ابتداء من المفاوضات الدبلوماسية والهجرات الجماعية وصولا إلى حروب الإبادة الجماعية.
فقبل 5 آلاف عام، نجح قدماء المصريين في تحويل هذا المعدن الأصفر اللامع المنساب عبر نهر النيل الضخم العظيم إلى زخارف ساحرة. وسرعان ما أصبح الذهب رمزا للثروة، وحافظ على هذه القيمة عبر الزمن في جميع أنحاء العالم. وبعد موت الفراعنة المصريين، نهب الغزاة ثروات إمبراطورية الأزتك، إضافة إلى المقابر التي كانت مصنوعة من الذهب أيضا.
كما أشار موقع جيوساينس أستراليا (Geoscience Australia) إلى الدور الذي لعبه الذهب في التاريخ الأسترالي. ففي أواخر القرن 19 تضاعف عدد سكان أستراليا 3 مرات، وذلك نتيجة توافد الكثيرين إليها من أجل الحصول على الذهب.
ولم تكن أستراليا الوجهة الوحيدة، فقد توافد العمال أيضا إلى الساحل الغربي للولايات المتحدة، للمشاركة في التنقيب عن الذهب في كاليفورنيا.
المستعرات والأقزام وتكوين الذهب
يطلق تعبير المستعر الأعظم (Supernova) على الحدث الفلكي المترافق بحدوث عدة انفجارات نجمية خلال المراحل التطورية الأخيرة لحياة نجم ضخم. حيث يقذف النجم غلافه إلى الفضاء مما يؤدي إلى إنتاج أجسام براقة للغاية، والتي تكون بلازما سرعان ما تتحول إلى أجسام غير مرئية خلال عدة أسابيع أو أشهر.
ووفق تقرير نشره موقع “لايف ساينس” (Live Science) في الأول من ديسمبر/كانون الأول الجاري، فإن هناك طريقان محتملان لموت النجم يطلق على أولاهما تعبير “المستعر الأعظم من النمط الثاني”، حيث يتسبب نجم ضخم تفوق كتلته 8 أضعاف كتلة الشمس في إنتاج طاقة اندماج عظيمة ضمن نواته، تؤدي بدورها إلى انهياره نحو الداخل تحت تأثير قوة ثقالته.
ويطلق على الطريقة الثانية تعبير “المستعر الأعظم من النمط الأول”، وفيها يقوم قزم أبيض بالتقاط مادة إضافية من نجم مجاور، إلى أن يصل إلى كتلة حرجة ينتج عنها انفجار نووي حراري.
ويعرف القزم الأبيض بأنه نوع من أنواع النجوم في مجرة درب التبانة، ذو حجم صغير بحدود حجم الكوكب وكثافة عالية تعادل مليون مرة من كثافة الشمس. وفي كلتا الحالتين، فإن انفجار المستعر الأعظم يقذف بكامل مادة النجم أو معظمها بقوة هائلة في الفضاء، ويتكون الذهب تحت تأثير الطاقة الهائلة المتولدة خلال هذه العملية.
(الجزيرة)
المصدر: أ.ف.ب – الجزيرة – وكالات