الخوف من التكنولوجيا… هل يعيد التاريخ نفسه؟
لم يستوعب عقل الأم المسكينة انه في يوم من الأيام سوف يكون من الطبيعي أن يحتوي المنزل على أكثر من هاتف محمول وليس هاتف أرضي متمركز تحت سيطرة الرقابة الأبوية، بل ربما يرتفع ضغطها لو علمت أن المنزل قد يكون داخله أكثر من كمبيوتر شخصي. على مدار السنوات، رفضت عقول البشر كل الاختراعات الجديدة التي وصلت إلينا حتى يومنا هذا وبتنا لا نستطيع التخلي عنها، رفضت عقول البشر الكثير من الاختراعات التي سجلها المؤرخين باعتبارها نقلة حضارية حقيقية في حياة البشر على ظهر هذا الكوكب.
ولأن تثقيف الجماهير بأحدث التقنيات الموجودة والمتوقعة هو درب من الخبل والجنون، كان من الطبيعي أن تحل البارانويا والارتباك محل المنطق والفضول للعديد من المستهلكين، وإذا جاءت الريبة وغاب المنطق انتشرت الخرافات والقصص التي تغذي الخوف، وتغري الفضول لكنها لا تشبعه، وتبقى العقول فاغرة الفاه لوجبة أخرى دسمة من الخرافة واللامنطق.
القطار والتلغراف والخرافات التي تحيط بالتكنولوجيا!
انتشرت خرافة مع بدايات ظهور القطار، وهي أن جسم الإنسان لن يتحمل سرعة القطار، وبالتالي يؤدي ذلك إلى جروح قاتلة وتمزقات، هذا صحيح، لكن السرعات اللازمة لإلحاق الضرر بجسم الإنسان أسرع بكثير من 30 ميلاً في الساعة، لكن عام 1825 لم يكن أحد يعلم ذلك، عندما افتتحت سكة حديد ستوكتون – دارلينجتون في ذلك العام، أصر الناس على أن القطارات وسيلة نقل غير آمنة للناس!
كما أوضح عالم الأنثروبولوجيا الثقافية جينيفيف بيل لصحيفة “وول ستريت” أن منتقدي القطارات يعتقدون أن مجرد الصعود على متن هذا الثعبان المتحرك يؤدي إلى الوفاة مباشرة، بل ذهب منهم إلى أبعد من ذلك حيث أعتقد بعض الناس أنها لن تكون ميتة عادية بل ستذوب الجثث، بينما أصر آخرون على أن أطراف البشر ستنتزع نزعًا من مكانها، وبالطبع كان للنساء نصيب حيث اعتمدت نظرية تقول أن أرحام النساء سوف تطير إلى الخارج إذا وصلت سرعتها إلى 50 ميلاً في الساعة!
وبمرور الوقت انتشرت الثعابين المتحركة بين القرى والمدن واعتادها البشر، ثم ظهر التلغراف.
عندما تم تقديم التلغراف أول مرة، أصر النقاد على أن التكنولوجيا الجديدة سوف تدمر شعر اللغة الإنجليزية، بسبب أن الناس بدأت التواصل من خلال جملة قصيرة غير مكتملة، وبالتالي فإن التلغراف يدرب الناس في النهاية على التحدث دائمًا بأفكار متقطعة، حتى أن الخوف منه وصل إلى تحذير مجلة شهيرة في ذلك الوقت من انتشاره حيث أصدرت مجلة سبيكتيتور تحذيرًا تحريريًا ضد “الانتشار المستمر للعبارات المقتطفة”، من المؤكد أن نفس النقاد سيصابون بالرعب من الرموز التعبيرية وأحاديث الدردشة الموجودة الآن لكن “3adé”.
الراديو وخوف صانعه!
أما الخوف الذي أحاط باختراع الراديو مثير للاهتمام بشكل خاص، في حين أن جميع العناصر الموجودة في هذه القائمة تشترك في قاسم مشترك وهو خوف عامة الناس، وهو ما واجهه الراديو لكن الغريب أن مخترع الراديو نفسه كان يخشى صنيعة يديه، حيث اعتقد Guglielmo Marconi أنه قد أتقن “التكنولوجيا اللاسلكية” في عام 1895 حتى ظهرت استخدامات أخرى، فتم استخدام تقنية Marconi للبث إلى الجماهير، بدلاً من استخدامها في التواصل المباشر من شخص إلى شخص فقط.
هذا ما جعل ماركوني يخشى ما توصل إليه، وفي خطاب لم يتم تسليمه إلى السير جيمس إيرفين، الذي تمت الإشارة إليه لاحقًا في مقال نشرته صحيفة The Herald في عام 1940، سأل ماركوني نفسه عما إذا كان قد “فعل الخير للعالم” أم “أضاف تهديدًا آخر؟”. أوضح ماركوني أنه كان ينوي اختراعه فقط من أجل تحسين الاتصال بين السفن في البحر، حتى أنه لم ير أبدًا الإمكانات الحقيقية التي قدمها الراديو فيما يتعلق ببث المحتوى عبر منطقة بأكملها.
تم تضخيم كلما يخشاه الناس بشأن الراديو مع ظهور التليفزيون عام 1927، كان هناك خوف من أن يؤدي الراديو إلى إبعاد الناس عن القراءة أو إجراء محادثات حميمة مع بعضهم البعض، وتلقى التلفزيون النقد ذاته، قالت المؤرخة الإعلامية إيلين وارتيلا لـ Slate إن منتقدي التلفزيون أصروا على أنه “سوف يضر بالراديو والمحادثة والقراءة وقيم الأسرة، ويؤدي إلى مزيد من الابتذال للثقافة الأمريكية”.
كان التلفزيون يتلقى ردود فعل عنيفة من كلا الجانبين، أولئك الذين كانوا يخشون ما يمكن أن تفعله التكنولوجيا للتفاعل البشري عارضوا التلفزيون، وأولئك الذين كانوا متفائلين بشأن التكنولوجيا الجديدة، لكنهم استثمروا بالفعل في عالم الراديو، كانوا خائفين من أن الوسيلة الجديدة ستجعلهم يخسرون استثماراتهم.
الخوف من التكنولوجيا الجديدة!
أفلاطون نفسه الذي لقب بأكثر الرجال حكمة في العالم القديم، كان يخشى الكتابة وحذر الناس منها! وذلك لاعتقاده أن ذلك يؤدي إلى تدهور ذكريات البشر وذاكرتهم وقال: “اكتشافك هذا سيخلق النسيان في نفوس المتعلمين، لأنهم لن يستخدموا ذكرياتهم، بل سوف يثقوا في الشخصيات الخارجية المكتوبة ولن يتذكروا أنفسهم “. بالطبع لم يستمع أحد إلى مخاوف الرجل العجوز، وكانت الكتابة هي شرارة الحضارة الحقيقية.
انتشرت الكتابة وازدهرت الحضارة، التي نتج عنها العديد من الأفكار، سردت على الورق، وحثت الحاجة على اختراع المطابع، لكن كونراد جيسنر، عالم الأحياء السويسري في القرن السادس عشر، كان له رأي أخر بل إن الأمر لم يعجبه من الأساس، وشعر أن انتشار المطابع سيؤدي إلى زيادة المعلومات، وحث العديد من الملوك على تنظيم التجارة، حتى لا يعاني الجمهور “كثرة الكتب المربكة والضارة!”.
والآن تطلع إلى كل شيء حولك، هل ترى كم الكهرباء المستخدمة في مكانك أنت فقط؟ عندما بدأت الكهرباء في الظهور على الساحة في القرن التاسع عشر، كان الكثير من الناس يخشون استخدامها، حتى أن الرئيس الأمريكي بنيامين هاريسون طلب من موظفي البيت الأبيض إطفاء الأنوار لأنه كان خائفا من التعرض للصعق بالكهرباء، وبالمثل كان العامة يخشون استخدام أجراس الأبواب الكهربائية عند طرحها لأول مرة، أتخيل مدى صدمتهم من انتشار الكهرباء في كل مكان الآن.
قد تعتقد أن مقالة CNN حول البريد الإلكتروني الذي يؤذي معدل ذكاء البشر ويحول عقولهم إلى مجرد وعاء قد يكون شيئًا من أوائل التسعينيات، ولكن كلا تم نشره في عام 2005، استندت هذه القصة إلى دراسة قام بها أحد المستفيدين من شركة HP، الشركة التي تجني الكثير من المال من بيع الأجهزة التي يستخدمها الناس لطباعة الأشياء على الورق، كان يجب أن أتوقع ذلك.