الكابتن طوني كتورة يطيح إليسا.. التفاهة الصادقة!
في ليالي الحجر الطويلة والمكررة منذ عام، وفيما نغرق في مللنا مجردين من أي نشاط يتعدى التحديق في شاشات هواتفنا البائسة، يطل “الكابتن طوني كتورة” بأغنية “والعة لك والعة.. الليلة السهرة والوالعة”.
وحده برفقة الأورغ الذي يبدو عاجزاً عن إخراج أكثر من لحن، يعتزم الكابتن تسلية اللبنانيين. يعدهم بأن يغني “لطلوع الضو وأعمل أحلى جو”.
ينوي الكابتن الإيفاء بوعده، فهو مستعد لتخصيص ساعة كاملة لليلتين أو أكثر في الأسبوع في خدمة الجماهير المتعطشة لما يؤنس وحدتها. تظهر حماسته بشكلٍ جلي في أسلوبه الغنائي المتعجل لتقديم شيء لجمهوره، أًيا يكن هذا الشيء؛ فنّاً أم كوميديا.
في وصلته الغنائية التي تتخللها مونولوغات فكاهية، يؤدي كتورة الأغنيات نفسها باللحن المعلوك نفسه، وينجح كل مرة في اجتذاب عدد أكبر من المشاهدين، عدد وصل في “اللايف” الأخير أمس الى 330 ألف مشاهد في غضون ساعتين من بث الفيديو، فيما سجل فيديو للمغنية اللبنانية إليسا 42 ألف مشاهدة بعد 11 ساعة.
يلقب الكابتن نفسه بالنجم، ويبدو مقتنعاً تماماً بجدارة استحقاقه لهذا اللقب بدلالة تصدره ترندات “تويتر” وسائر مواقع التواصل، إضافة الى رصيده المعتبر من المتابعين والمعجبين الذين يغزون صفحته بالتعليقات والرسائل وحتى اتصالات الفيديو.
في إحدى اطلالاته الأخيرة، خاطب كتورة جمهوره متوسلاً اليه إعطاءه بعض المساحة. وعلل سبب إحجامه عن استقبال مكالمات الفيديو بكونه يجلس “مفرّعاً” في المنزل، وليس بسبب “شوفة الحال” أو لأنه أصبح فناناً مشهوراً “وكبرت الخسة براسي”.
الخسة لم تكبر، يؤكد كتورة، وهي ليست المشكلة “لأنو الخسة نفرمها ومنعملها سلطة”. المشكلة، بحسب الكابتن، هي في الأعداد الهائلة للرسائل التي ترده والتي تصل الى “200 رسالة في الساعة”. يعتذر كتورة من جمهوره لعدم قدرته على التواصل مع جميع معجبيه وعلى تلبية كافة التحيات التي تُطلب منه، فالحد الأقصى الذي يمكنه تقديمه هو 200 تحية في اللايف الواحد.
يصر الكابتن على إقناع المتابعين بتواضعه، إلا أن ذلك لا يخفي اعتزازه بذاته. فهو تارةً “عملاق الفن”، وتارة أخرى “مخلوق إنسان موهوب”.. وفي إحدى المرات “أيقونة الغناء العربي ورائد الطرب الأصيل”.
عفوية كتورة المفترضة هي بالطبع صيد ثمين بالنسبة للهازئين الذين يقطنون العالم الافتراضي، وهم كُثُر. استقبل هؤلاء ظاهرة الكابتن، بوابل من النكات و”الميمز”، بل أنشأوا له رابطة معجبين ومجموعات مخصصة لـ”عشاق الكابتن”.
الا أن كتورة يتلقف كل ذلك بصورة احترافية، فيعيد نشر “الميمز” كما لو أنها تحمل محتوى جديّاً. فهو أعاد نشر الصورة التي تظهر فيروز مجتمعة بالرئيس ماكرون، مع تعديل بسيط على الحائط الذي تم تزيينه بصور للكابتن، وأرفقها بعبارته الشهيرة “الإبداع فقط لخالق الكون
وفي منشور آخر، تظهر صورته إلى جانب صور أم كلثوم، عبد الحليم وفريد الأطرش. وحين يسأله أحد المتابعين “من يكون هؤلاء؟” يجيبهم “هم الماضي وأنا الحاضر”! وحين يعلق أحدهم قائلاً: “فشر أم كلثوم تبيّن قدامك يا كابتن”، يتفاعل معه بقلب حب، غير ملتفت لنبرة السخرية في حديث المعلق.
شخصية الكابتن الغافلة عما يجسده بالفعل، بالنسبة إلى جمهوره، قسمت هذا الجمهور بين من يظنه عفوياً وصادقاً، ومن يعتبره مؤدياً يرتدي شخصية مفصلة على قياس الجمهور الذي يبغي ابهاره.
طرح هذا السؤال ضمن مجموعة “رابطة محبي الأسطورة طوني كتورة”. هو سؤال مزدوج عن مدى عفوية هذه الشخصية الكاريكاتورية وعن دوافع جمهورها. فهل هو منغمس معهم في هذه النكتة الجماعية؟ وهل يصدقونه فعلاً أم أنهم يؤدون دورهم فحسب؟ وهل سيصل بهم هذا الدور الى ممارسة التنمر وتوجيه الأذى كما حصل مع ظواهر ميدياوية أخرى؟
إجابات المتابعين جاءت متباينة، فمنهم من يرى في فيديوهاته وسيلة لإزالة القلق، ومنهم من تحدث عن “حاجتنا جميعاً للتفاهة” في أوقاتٍ كهذه، فيما علق أحدهم على “تغابيه” واصفاً إياه بـ”التفنن الذكي”.
تفسيرات ظاهرة الكابتن طوني كتورة متعددة، لكنها كلها تجسد اليأس الجماهيري إزاء المشهد الفني الجدي، أو الذي يدعي الجدية، إن وُجد. هذا المشهد هو اليوم بمثابة أرض قاحلة ومفرغة من أي إبداع او أصالة، وهو ما يدفع الجحافل الإلكترونية إلى البحث عن التفاهة الخالصة والمجردة من أي محاولة صقل فني أو ثقافي، التفاهة الصادقة وغير المدعية، تفاهة تعكس الواقع الذي نحياه.
almodon.